استمع إلى الملخص
- تواجه الاتفاقية معارضة قوية من فرنسا وبولندا بسبب مخاوف من المنافسة غير العادلة والمعايير البيئية، بينما تدعمها دول مثل ألمانيا وإسبانيا.
- تحتاج الاتفاقية إلى موافقة البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء وشركاء ميركوسور بعد انتهاء المحادثات لوضع اللمسات الأخيرة عليها.
يتأهب الاتحاد الأوروبي وأربع دول من أميركا اللاتينية لمحاولة أخيرة من أجل إبرام اتفاقية تجارة حرة مثيرة للجدل بين الجانبين، وهي قيد المناقشة على مدار 25 عاماً. وفي ظل دعم من ألمانيا وإسبانيا، تميل المفوضية الأوروبية إلى توقيع اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي وتجمّع "ميركوسور"، التي من شأنها السماح لدول أميركا الجنوبية بتصدير المزيد من لحوم الأبقار والدجاج والسكر إلى أوروبا من دون رسوم جمركية.
ورغم ذلك، تقف بعض دول الاتحاد الأوروبي في وجه الاتفاقية، حيث تقود فرنسا جبهة المقاومة. وتحاول باريس الآن إقناع العواصم الأوروبية الأخرى بتشكيل أقلية مانعة - تمثل ما لا يقل عن 35% من سكان الاتحاد الأوروبي - ومعارضة تبني الاتفاقية. وتسعى الاتفاقية التي تشمل دول السوق المشتركة الجنوبية التي تضم الأرجنتين والبرازيل وباراغواي وأوروغواي، والمعروفة باسم ميركوسور، والدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، إلى تشكيل واحدة من أكبر مناطق التجارة الحرة في العالم، التي تغطي ما يربو على 700 مليون شخص. والهدف الأساسي من الاتفاقية هو خفض الرسوم الجمركية وتعزيز التبادل التجاري.
ولا تشمل الاتفاقية بوليفيا، العضو الجديد في ميركوسور، ولا فنزويلا، التي تم عُلِّقت عضويتها بالتجمع منذ عام 2016. وقد بدأت الاتفاقية في عام 1999 وتم الاتفاق عليها من حيث المبدأ في عام 2019 – ولكن لم يتم التصديق عليها - ويرفض الاتفاقية مزارعو أوروبا الذين ينتابهم القلق إزاء المنافسة غير العادلة وإغراق الأسواق لصالح منتجات أميركا الجنوبية. ويقول معارضو الاتفاقية أيضا إنها تفتقر إلى المعايير البيئية والاجتماعية والصحية الكافية.
واردات الاتحاد الأوروبي من ميركوسور بالأرقام
يشار إلى أن الاتحاد الأوروبي هو بالفعل سوق رئيسية لدول ميركوسور. وبحسب بيانات ميركوسور، قامت البرازيل والأرجنتين وأوروغواي وباراغواي في عام 2023 بتصدير ما قيمته نحو 24 مليار دولار من المنتجات الزراعية والغذائية الزراعية إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما يشكل حوالي 13.3% من إجمالي صادرات هذه الدول الأربع خارج ميركوسور.
ويقدر المكتب الأوروبي للإحصاءات (يوروستات) أن الدول الأربعة شكلت في 2023 نحو 12.6%من واردات دول الاتحاد الأوروبي من حيث القيمة. فرنسا ومزارعوها يُصعِّدون المعارضة للاتفاقية، وأعرب مزارعو فرنسا منذ مدة طويلة عن حالة من الإحباط إزاء انخفاض الدخل واللوائح البيئية الصارمة للاتحاد الأوروبي، وقد أضافوا الاتفاقية التجارية مع ميركوسور إلى قائمة ما يشكون منه.
وأغلق المزارعون الطرق السريعة، في وقت سابق من هذا العام، تعبيرا عن احتجاجهم على السياسة الزراعية والبيئية للاتحاد الأوروبي، وأيضاً السياسة الزراعية في فرنسا، ما دفع الحكومة في نهاية المطاف إلى التعهد بتقديم دعم واسع النطاق. ويرى المزارعون في فرنسا أيضاً أن اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي وميركوسور من شأنها أن تؤدي إلى منافسة غير عادلة، مع تدفق اللحوم من الأرجنتين والبرازيل إلى السوق الأوروبية من دون الخضوع لمعايير التكتل الصحية والبيئية الصارمة.
وبعد أقل من عام من الاحتجاجات غير المسبوقة، خرج المزارعون الفرنسيون إلى الشوارع مرة أخرى، ولكن هذه المرة للتعبير عن معارضتهم الاتفاقية. وبداية من 17 نوفمبر/تشرين الثاني، وقبل انعقاد قمة مجموعة العشرين في البرازيل، نظم المزارعون احتجاجات بقيادة الاتحاد الوطني لنقابات المزارعين. وبعد يومين من ذلك التاريخ، أقام المزارعون، بدعم من نقابة "التنسيق الريفي" المتشددة، حاجزاً على الطريق السريع "إيه 9"، وهو طريق تجاري مهم للغاية إلى شبه الجزيرة الإيبيرية، قرب حدود فرنسا الجنوبية مع إسبانيا. وفي استعراض نادر للوحدة، أعربت الطبقة السياسية الفرنسية عن معارضتها واسعة النطاق للاتفاقية بين الاتحاد الأوروبي وميركوسور.
ورفعت نقابة "التنسيق الريفي" الحصار عن الحدود الإسبانية بعد يوم واحد بمجرد إعراب رئيس الوزراء الفرنسي ميشيل بارنييه عن دعمه ورطتهم. وقال بارنييه الذي تولى في السابق حقيبة وزارة الزراعة والثروة السمكية: "يعرف رئيس وزرائكم المزارعين، ويحترمهم. سأقوم بما في وسعي... لدعم الالتزامات الكثيرة للغاية التي جرى التعهد بها".
ماكرون: فرنسا ليست وحدها
وقد أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رفضه الاتفاقية مع ميركوسور "بصيغتها الحالية"، وذلك أثناء قمة مجموعة العشرين في البرازيل مؤخراً، وأكد أن فرنسا ليست وحدها التي تعارضها. وقال ماكرون: "على النقيض مما يعتقده الكثيرون، ليست فرنسا معزولة، وانضم إليها العديد من الدول."وفي بولندا، تبنت حكومة رئيس الوزراء دونالد توسك المؤيدة للاتحاد الأوروبي، يوم الثلاثاء الماضي، قراراً يعارض النسخة الحالية من الاتفاقية مع ميركوسور.
وأكد توسك أن وارسو لن تقبل اتفاقية التجارة الحرة قيد التفاوض بين الاتحاد الأوروبي وميركوسور "بهذا الشكل"، لينضم بذلك إلى فرنسا في معارضة الاتفاقية. وتشكل فرنسا وبولندا معاً أقل بقليل من 24% من سكان الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعني أنه سيتعين على الدولتين السعي لضم دول أخرى إلى صفهما للحيلولة دون تبني الاتحاد الأوروبي الاتفاقية.
وفي إيطاليا، ثمة انقسام داخل الحكومة إزاء الاتفاقية. وقال وزير الزراعة الإيطالي فرانشيسكو لولوبريجيدا، الحليف المقرب من رئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية المتطرفة جورجيا ميلوني: "معاهدة الاتحاد الأوروبي-ميركوسور بشكلها الحالي غير مقبولة". ورغم ذلك، كان وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاغاني، الذي ينتمي حزبه المحافظ "فورزا إيطاليا" (إيطاليا إلى الأمام) وهو جزء من الائتلاف الحاكم بزعامة ميلوني، أكثر تأييداً للموافقة على الاتفاقية.
الدول المؤيدة للاتفاقية: قيمة اقتصادية واستراتيجية
ورغم هذه المعارضة الشديدة لاتفاقية التجارة الحرة مع ميركوسور، هناك العديد من دول الاتحاد الأوروبي التي تؤيدها. ودعا المستشار الألماني أولاف شولتز إلى إبرام الاتفاقية "أخيراً" بعد سنوات من المفاوضات، وذلك خلال قمة مجموعة العشرين في البرازيل الأسبوع الماضي. وأعربت وزيرة الدولة للتجارة في إسبانيا ماريا أمبارو لوبيز سينوفيلا، خلال اجتماع وزراء تجارة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، عن ثقتها بأن الجولة المقبلة من المحادثات الفنية ستكون الأخيرة، وأنه يمكن إحراز "تقدم كبير" بحلول شهر ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
وقال وزير الزراعة البرتغالي خوسيه مانويل فرنانديز إن الاتفاقية التجارية بين الاتحاد الأوروبي وميركوسور، الذي يعرف أيضا باسم "السوق المشتركة لبلدان المخروط الجنوبي"، يجب أن تساعد في تقليص العجز التجاري للبرتغال مع البرازيل. وفي السويد، تدعم الحكومة اليمينية ومعظم المعارضة الاتفاقية مع ميركوسور. ويؤكد وزير الزراعة السويدي بيتر كولغرين أن الاتفاقية ستعود بالنفع على قطاع الزراعة في أوروبا، عبر تقديم المزيد من فرص التصدير.
مستقبل العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وميركوسور
وقال المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي فالديس دومبروفسكيس، الأسبوع الماضي، إن المفاوضات بشأن الاتفاقية التجارية مع ميركوسور "تتقدم"، ولكنه رفض التطرق إلى جدول زمني لإبرامها. ومن المقرر أن يواصل مفاوضو الاتحاد الأوروبي ونظراؤهم في ميركوسور المحادثات لوضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل قبل قمة ميركوسور المقررة في مونتيفيديو، عاصمة أوروغواي، يومي 5 و6 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وعقب انتهاء المفوضية الأوروبية من المحادثات التجارية مع ميركوسور نيابة عن الاتحاد الأوروبي، تتعين موافقة البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء رسمياً عليها، وكذلك موافقة الشركاء في ميركوسور.
(أسوشييتد برس)