انقراض أسماك العراق: جفاف الأهوار يحرم الآلاف من مصدر رزقهم

23 يوليو 2022
الصيادون هجروا مراكبهم (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -

لم يتخيل صيادو الأسماك في مناطق الأهوار العراقية يوماً أنهم سيهجرون مهنة ورثوها عن آبائهم وأجدادهم. فقد تضافر الجفاف الذي يتمدد في منطقتهم مع قطع المياه من قبل إيران وتركيا، ليتدنى منسوب المياه في دجلة والفرات إلى مستوى يهدد مهنة الصيد بالانقراض. ويعتبر صيد الأسماك إحدى أقدم المهن وأشهرها لسكان مناطق الأهوار جنوب العراق والقرى القريبة منها. ويتميز صيادو تلك المناطق بامتلاكهم مهارات صيد متعددة، باستخدام الخيوط والصنارة، والشراك، والصيد باستخدام العوامات، والخطاطيف.

يقول عضو جمعية الصيادين العراقيين محمد الفرطوسي لـ "العربي الجديد" إن "الصيد لم يعد مهنة أساسية في مناطق أهوار العراق لأسباب عديدة أبرزها الجفاف وعدم وجود أي دعم أو رعاية حكومية لهذه المهنة". ويشرح أن "الأهوار أصبحت شبه صحراء قاحلة وأغلب السكان رحلوا عنها بحثاً عن مصادر بديلة للعيش، بعد أن احتضرت مهنة الصيد نتيجة الجفاف الذي أحدثته قلة الأمطار وقطع مياه الأنهر من قبل تركيا وإيران والإهمال المتعمد من قبل الحكومة العراقية".

ويضيف أن "أوضاع الأهوار تنذر بكارثة حقيقية بعدما ضربها الجفاف بوتيرة متصاعدة خلال الأسابيع الماضية"، مبينا أن "آلاف العائلات العراقية التي تمتهن صيد الأسماك منذ عشرات السنين قطعت أرزاقها ومهددة بالجوع، بسبب اعتمادها الكلي في الحصول على قوت يومها من صيد الأسماك وتربية الحيوانات". وتعد محافظات ذي قار وميسان والبصرة جنوب العراق، من أكثر المحافظات تضررا من تدني منسوب نهري دجلة والفرات، باعتبارها تقع في آخر سلم المستفيدين من مياه النهرين القادمة من الشمال.

من جهته، يؤكد علي العكيلي وهو أحد الصيادين في منطقة أهوار الجبايش جنوبي العراق لـ"العربي الجديد" أن "موسم الصيد هذا العام يختلف كثيراً عن الأعوام السابقة، بسبب قوة الجفاف التي أدت إلى تصحّر الأهوار بشكل تام وانتهاء مهنة الصيد بالكامل".

ويوضح أن "الثروة الحيوانية تواجه تحديات كبيرة في مناطق الأهوار خصوصاً الأسماك التي تعتبر مصدر دخل المواطنين، ذلك أن عصب اقتصادهم المحلي على وشك الانقطاع بسبب الجفاف"، مشيراً إلى أن "الأهالي الذين يعتمدون على مهنة صيد الأسماك وتربية الحيوانات يبحثون عن أماكن سكن أخرى".

ويلفت إلى أن "السكان القريبين من الأهوار فقدوا أكثر من 60 في المائة من ثروتهم الحيوانية من الأسماك والجواميس فيما لا يمتلكون أي موارد أخرى تعينهم على مواجهة مصاعب الحياة اليومية وهم في حال يرثى لها". ويشير إلى أن "كل ما هو موجود من أسماك في أسواق ميسان مستورد من إيران"، مبيناً بأن "أسماك الأهوار المتميزة بمذاقها الطيب مثل الزبيدي والبني والشبوط والكارب شبه مفقودة من الأسواق المحلية". وينفذ سكان منطقة الأهوار التي يشتهر أهلها بصيد الأسماك والطيور البرمائية، احتجاجات للتعبير عن غضهم واستيائهم من شح المياه وتدهور أوضاعهم المعيشية.

ويقول المواطن حسام المولى في حديث مع "العربي الجديد إن "أهالي القرى القريبة من هور أم نعاج والجبايش التي دخلت لائحة التراث العالمي والتي يتجاوز عدد سكانها أكثر من 5000 شخص، يعانون من شح المياه وجفاف الأهوار التي أدت إلى نفوق أعداد كبيرة من الأسماك وهجرة الطيور".

ويضيف أن "أغلب سكان تلك المناطق الذين يمتهنون صيد الأسماك وتربية الجاموس منذ عشرات السنين، تصاعد تذمرهم بعد أن توقفت أعمالهم مع خشيتهم من استمرار الوضع على ما هو عليه أو يسوء أكثر من ذلك"، لافتاً إلى أن "الوضع الاقتصادي لسكان تلك المناطق ضعيف جداً وهو ما يدفعهم للانتقال إلى مناطق أخرى بحثاً عن مصادر رزق أخرى لعوائلهم".

من جانبه، يقول الخبير الزراعي عادل المختار في حديث مع "العربي الجديد"، إن "انخفاض منسوب المياه في نهري دجلة والفرات كبير جداً وينذر بكارثة حقيقية على مناطق الوسط والجنوب بشكل عام وخصوصاً مناطق أهوار العراق"، مؤكداً أن "هذا الجفاف يهدد الثروة الحيوانية وخصوصاً الأسماك والجاموس والطيور". ويضيف أن "مهنة الصيد من أشهر المهن في المناطق القريبة من الأهوار ومن الصعب أن تنتهي بهذه السرعة"، مبينا أن "الثروة السمكية يمكن أن تعود لسابق عهدها بمجرد ترشيد الاستهلاك وزيادة الإطلاقات المائية باتجاه الأهوار".

ويشير المختار إلى أن "الحكومة العراقية ورغم خطورة الوضع المائي للعراق وتهديده الثروة الحيوانية، إلا أنها تقف عاجزة في مواجهة تحدي الجفاف"، داعياً إياها إلى "تحرك عاجل لإنقاذ ما تبقى من ثروات حيوانية وإنقاذ سكان الأهوار من كارثة حقيقية".

وكانت منظمة اليونسكو قد وافقت في تموز/ يوليو 2016 على إدراج أهوار العراق على لائحة التراث العالمي واعتبارها محمية طبيعية، وفي عام 2019 أبدت لجنة إنعاش الأهوار تخوفها من إزالة اليونسكو أهوار العراق من لائحة التراث العالمي نتيجة الإهمال الحكومي وتعرضها بين الفينة والأخرى إلى الجفاف.

المساهمون