بعد شهر تقريبا على دخول اتفاقية باريس للمناخ حيز التنفيذ في تركيا، انطلقت أعمال قمة إسطنبول الاقتصادية الخامسة، اليوم الجمعة، تحت عنوان "الاقتصاد الأخضر"، وتركز على هذا الاقتصاد كأداة تحول في قطاعات النقل والصناعة والغذاء والزراعة والسياحة والاستثمار والإنشاءات، وصولا إلى تحقيق تنمية مستدامة.
ويشارك في أعمال القمة كورشاد توزمن، وزير الدولة الأسبق ورئيس مجلس إدارة قمة إسطنبول، وعبد الله ديغر رئيس المجلس التنفيذي للقمة، ومسؤولون في الحكومة والقطاع الخاص، وخبراء دوليون في الاقتصاد الأخضر.
وفي كلمته الافتتاحية، اعتبر ديغر أن "الدول باتت مطالبة، اليوم أكثر من أي وقت مضى، ببناء سياسات تتوافق مع متطلبات الطبيعة لمواجهة التغير المناخي".
وذكر أن "إيمان دول العالم بالتهديد الذي يحدق باستدامة البيئة دفعها لضخ استثمارات متسارعة في الطاقة المتجددة والنظيفة ضمن أدوات التحول الأخضر في الاقتصاد". وزاد: "اليوم تتنوع الاستثمارات في الاقتصاد الأخضر بين طاقة المباني النظيفة، والنقل منخفض الكربون، وإدارة النفايات، وتوفير مياه صالحة للشرب من المصادر المتجددة، والزراعة المستدامة، والاقتصاد الأزرق".
واعتبر أنه "العام الماضي، رغم كل التحديات الوباء، اجتمعنا هنا. وأثبتنا أننا لا يمكننا أن نتوقف بسبب الجائحة. وكل التحول في الصناعة والتكنولوجيا يدفعنا لاغتنام الفرص، ولذلك نحن نواجه العديد من التحديات اليوم. ومهمتنا ليست حفظ كل العالم، ولكننا نجمع الناس معا. والذين لديهم الفرصة لحفظ العالم، مثل صناع القرار والمسؤولين، تتيح لهم المنصة اللقاء سويا".
أما رئيس مجلس وكالات السفر التركي فيروز بالي كايا، فقد عرض، خلال كلمته في افتتاح القمة، تحديات القطاع خلال الجائحة، موضحا أن الوضع الجديد بعد الجائحة، أو ما يسمي بـ"الوضع الطبيعي الجديد"، جعلهم يقومون بـ"العديد من الإجراءات لتبني هذا الوضع، ولضمان أن السياسات يجب أن تركز على هذه المفاهيم حتى تشكل مقاربة عامة".
وأشار إلى أن "الاستدامة تعتبر أحد المواضيع التي يجب العمل عليها لخلق وعي عام، ونحن في مجلس وكالات السفر قمنا ببرامج متعددة لتنبي الاستدامة من خلال التدريب، ولضمان تنفيذ هذه البرامج".
بدوره، رئيس مجلس التصدير التركي إسماعيل غلي قال إن "مناقشة قضايا الاقتصاد الأخضر ضرورية للوصول إلى أفضل النتائج"، مشدداً على أن "هذه القضية تعتبر إحدى القضايا الساخنة اليومية. وبسبب نقصان الموارد الطبيعية والأضرار التي لحقت بها، نحن نعيش في عالم يحتّم علينا حماية الموارد، والتأكد من حسن استخدامها بشكل أفضل".
وأكد غلي ضرورة أن تتخذ الدول عددا من الإجراءات للحد من الانبعاثات الكربونية، مشيرا إلى أن "الصين تعد أكبر الدول المنتجة للانبعاثات الكربونية، تتبعها الولايات المتحدة، إضافة إلى أن مساهمة الدول النامية حوالي 1% من الانبعاثات الكربونية، ولتحقيق الأهداف الحالية، يجب أن نقوم باتخاذ العديد من الإجراءات في هذا المجال".
السلطات التركية مصرّة على تجاوز تحديات هبوط الليرة
من جهته، رئيس القمة الوزير السابق كوشان توزمين قال: "أعتقد أن الرئيس والحكومة التركية سيقدمان أفضل ما لديهما، وكذلك رئيس البنك المركزي، لتجاوز التحديات الراهنة المتعلقة بأزمة الليرة التركية".
وأشار إلى أن الدول النامية فشلت في اتخاذ إجراءات للحد من الانبعاثات وخفض درجة الحرارة. وقال: "في واقع الأمر، نحن نواجه العديد من التحديات، ومعاً يمكننا تجاوز هذه التحديات. وما نريد رؤيته في الاقتصاد التركي عاملان أساسيان، هما التصدير والسياحة، فهما اللذان يجلبان الأموال الساخنة، وهما بمثابة الاقتصاد الأخضر بالنسبة لتركيا".
وتناقش قمة إسطنبول الاقتصادية، التي يشارك فيها عدد من المسؤولين الأتراك والأجانب، أهمية الاقتصاد الأخضر في التنمية الاقتصادية المستدامة وزيادة معدل النمو الاقتصادي في البلدان المختلفة، وعملية التغيير والتحول في العالم في مجال الطاقة المتجددة، خاصة الشمسية والرياح، بالإضافة إلى التوازنات الجديدة في سلسلة التوريد التي عرقلتها جائحة كورونا، وكذلك الزراعة الرقمية والأغذية الأساسية.
وتمثل القمة، وفق القائمين عليها، منصة يبحث خلالها صناع القرار وممثلون عن منظمات الأعمال وأصحاب الشركات، أولئك الذين يشكلون اقتصاد العالم، النظام العالمي الجديد والفرص التي يتيحها. و"تُعقد القمة كل عام بهدف مناقشة قضايا التنمية المستدامة في خدمة الاقتصاد العالمي، ولا تقتصر فائدتها فقط على الاقتصاد التركي حصرا".
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أعلن، الشهر الماضي، البرنامج الاقتصادي متوسط الأجل للبلاد، الذي ينظر إليه باعتباره خريطة طريق للاقتصاد التركي خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، ويضمن خطوات نحو التحول إلى الاقتصاد الأخضر، الذي تستهدف تركيا من خلاله جذب استثمارات خارجية ضخمة.
ووفق البرنامج، فإنه سيجرى تنفيذ نهج جديد يدعم التحول نحو الاقتصاد الأخضر في مختلف المجالات الصناعية والتجارية، وكذلك مجالات النقل والبيئة.
ويستهدف البرنامج تطوير ونشر التقنيات اللازمة للإنتاج الأخضر، من خلال دعم دراسات البحث والتطوير، وذلك لتسريع التحول الأخضر، إلى جانب تسريع إنشاء مناطق صناعية واقتصادية متجددة مستدامة صديقة للبيئة.
وكانت تركيا تعهدت، في بيان المساهمة الوطنية الذي قدمته للأمانة العامة للأمم المتحدة عام 2015، بتقليص الانبعاثات بنسبة 21% بحلول 2030 في عدة قطاعات، مثل الطاقة والمواصلات والزراعة.
وتتزامن قمة هذا العام مع دخول اتفاقية باريس للمناخ حيز التنفيذ في تركيا اعتبارا من 6 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وبدء أنقرة تشكيل المناخ القانوني بما يتوافق مع هدف اتفاق باريس لحصر الاحترار العالمي في نطاق 1.5 درجة مئوية.
"تكافؤ الفرص والرقمنة" في قمة إسطنبول الاقتصادية
وضمن فعاليات القمة، قالت نائبة رئيس "البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية" EBRD، آن ماري ستراثوف، إن التحول الأخضر له أولويتان هما "تكافؤ الفرص والرقمنة"، معتبرة أن أهداف انبعاثات الكربون تسببت في تحديات ناشئة عن التغييرات التنظيمية وتغيرات الطلب والتقنيات الجديدة.
وأضافت أن "هناك وعيا متزايدا بالتغير المناخي باعتباره مصدرا للمنفعة، لكنه يفرض أيضا فرصا للشركات والتمويل، وقالت: "نهدف إلى تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المتراكمة، ويسير عملنا بالتوازي مع اتفاقية باريس والمجالات المتعلقة بتغير المناخ. أزمة المناخ هي أكبر كارثة في هذا القرن وإلحاحها أمر مؤكد".
أما وزير التنمية المبتكرة في أوزبكستان، إبروكيم عبد الرحمانوف، فقال من جهته، إن على الدول أن تستفيد من دروس الكوارث الطبيعية العالمية، معتبرا أن "هناك العديد من الفرص التي يمكننا، كحكومات، القيام بها معا"، مضيفا: "لقد علمنا الوباء دروسا مهمة، ويجب أن نُجري بحثا مباشرا لتقليل ثاني أكسيد الكربون، ومن ثم نكون قادرين على تقديم حلول في هذا المجال".
بدورها، رئيسة برلمان الجبل الأسود، أليكسا بيكيتش، قالت إنه لا بد من مناقشة الخطوات نحو الاقتصاد الأخضر عبر جميع المنصات، كما يجب تطوير السياسات ذات الصلة بهذا الأمر.