يهدد انحباس الأمطار وشبح الجفاف خطة تونس للتوسع في زراعة الحبوب خلال الموسم الحالي، حيث تسجل البلاد نقصا كبيرا في التساقطات المطرية مقارنة بنحو 60 بالمائة من المعدلات المسجلة في نفس الفترة من السنوات الماضية.
وسجلت تونس خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول الحالي مستويات عالية من الحرارة بلغت 27 درجة مقابل تواصل انقطاع الأمطار لأسابيع مطولة تزامنا مع موسم البذر وإنبات الحبوب.
ويخشى المزارعون من موسم جاف يؤثر على مساع لزيادة إنتاج الغذاء ولا سيما الحبوب في ظل تنامي العجز الغذائي للبلاد الذي يقترب من 3 مليارات دينار نتيجة ارتفاع واردات القمح (الدولار = نحو 3.3 دنانير).
وتكشف البيانات الرسمية لوزارة الزراعة عن نزول مخزون المياه في سدود البلاد إلى نحو 32 بالمائة مقابل مستويات تفوق 50 بالمائة خلال ذات الفترة من العام الماضي.
ويبدي المزارع محمد الباجي مخاوف حقيقية من موسم جاف يضيع جهد نحو نصف مليون فلاح يكابدون من أجل الحفاظ على الاستقرار الغذائي وتوفير قوت التونسيين.
ويقول محمد لـ"العربي الجديد" إن الأمطار نزلت بكميات قليلة جدا خلال شهري نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول وهما مهمان في مرحلة البذر والإنبات، معبرا عن قلقه من تواصل انحباس الأمطار في الفترة القادمة.
وأفاد المزارع الذي يستغل أرضا زراعية في محافظة باجة شمال غربي تونس (أكبر المحافظات إنتاجا للحبوب) بأن التغيرات المناخية تلقي بظلالها على حياة المزارعين بينما تغيب الخطط الرسمية لمكافحة نقص المياه.
وانتقد في المقابل ذهاب السلطات نحو الحلول الأقل كلفة ومنها تقليص المساحات المروية وزيادة أسعار الماء المخصص للري وتقسيطه على فترات متباعدة، مشيرا إلى أن تأكّد موسم الجفاف سيحبط كل المساعي لتحسين مردودية قطاع الحبوب.
كما رجّح أن يقصي الجفاف صغار المزارعين من دائرة الإنتاج نتيجة غياب الدعم المالي لهذه الفئة التي تشكل السواد الأعظم من صانعي غذاء التونسيين، حسب قوله.
ومقابل انحباس الأمطار يسجل الميزان الغذائي عجزا متواصلا بلغت قيمته 2.9 مليار دينار، خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مقابل عجز بقيمة 1.952 مليار دينار في الفترة ذاتها من سنة 2021، وفق آخر إحصائيات صادرة عن المرصد الوطني للفلاحة.
وارتفعت قيمة الواردات الغذائية بنسبة 37.5 بالمائة لتبلغ قيمتها ما يزيد عن 8 مليارات دينار، ما يمثل 10.7 بالمائة من جملة الواردات، بينما بلغت قيمة الواردات من الحبوب 4.1 مليارات دينار مسجلة ارتفاعا بنسبة 34.3 بالمائة في نوفمبر الماضي بالمقارنة بشهر نوفمبر من سنة 2021. ومثلت حصة واردات الحبوب 51.1 بالمائة من جملة الواردات الغذائية.
لكن وزارة الزراعة تخطط لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح الصلب بداية من عام 2023 بإنتاج 12 مليون طن وذلك عبر تحفيز الإنتاج برفع ربحية القطاع وزيادة أسعار الحبوب عند الشراء من المنتجين المحليين.
وتشمل خطة تحفيز الإنتاج التوسّع في مساحات إنتاج القمح الصلب إلى 800 ألف هكتار مقارنة بالمساحات الحالية التي تصل إلى 600 ألف هكتار.
فاقت المحاصيل الزراعية التي جمعها الفلاحون التونسيون الموسم الماضي حاجز الـ7 ملايين قنطار أغلبها من القمح الصلب.
وقالت وكالة الأنباء التونسية عن ديوان الحبوب (حكومي) في أغسطس/ آب الماضي إن "كميات الحبوب المجمعة بمختلف مناطق الإنتاج بلغت 7.433 ملايين قنطار".
وانتقد عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الفلاحة والصيد البحري محمد رجايبية غياب السياسات العامة لمكافحة الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية المتسارعة، معتبرا أن المزارعين يعوّلون على وسائلهم الخاصة لمواصلة الإنتاج.
واعتبر رجايبية أن المزارعين يكافحون نقص الأمطار بمواصلة الاستثمار في زراعة الحبوب رغم ارتفاع كلفة الإنتاج دون أي حماية من تأثير الجوائح.
مقابل انحباس الأمطار يسجل الميزان الغذائي عجزا متواصلا بلغت قيمته 2.9 مليار دينار، خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي
وأشار في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن التغيرات المناخية والاحتباس الحراري المطوّل أصبحت أمرا واقعا يتعايش معه التونسيون دون أسلحة.
وتتعرض تونس، بشكل خاص، لاضطرابات في إمدادات الحبوب، حيث كانت قد استوردت السنة الماضية 60 بالمائة من احتياجاتها من القمح اللين، و66 بالمائة من احتياجاتها من الشعير من كلٍ من الاتحاد الروسي وأوكرانيا.
واجه قطاع الزراعة في تونس مشاكل هيكلية تعرقل تطوره، على الرغم من صموده أمام الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها البلاد في سنوات ما بعد الثورة.
وظل القطاع الزراعي، الوحيد تقريبا، الذي استمر في النشاط وتحقيق الأرقام الإيجابية بنسبة نمو تزيد عن 3 بالمائة رغم الصعوبات والمشاكل الهيكلية والتهميش الذي يعيشه العاملون في هذا القطاع.
وكشفت نتائج المسح الاستقصائي للبنك الأوروبي للاستثمار بشأن المناخ لعام 2022 في نسخته الأفريقية الأولى الصادرة الأسبوع الحالي أن 84 بالمائة من التونسيين المشاركين في المسح يرون أن تغيُّر المناخ يؤثر بالفعل على حياتهم اليومية.
كما بينت النتائج أن 52 بالمائة من المشمولين في المسح يعتقدون أن تغيُّر المناخ والتدهور البيئي قد أثرا على الدخل ومصادر المعيشة وتُعزى هذه الخسائر عادة إلى الجفاف الشديد أو ارتفاع منسوب مياه البحر أو تآكل المناطق الساحلية أو الأحوال الجوية بالغة الشدة كالفيضانات أو الأعاصير.
في تونس، يُعتبر قطاع الحبوب استراتيجيا، إذ يمثل 13 بالمائة من القيمة المضافة الفلاحية و42 بالمائة من مساحة الأراضي الفلاحية الصالحة للزراعة.