مثل حاكم "مصرف لبنان" المركزي رياض سلامة، اليوم الجمعة، للمرة الثانية أمام القضاء اللبناني، بحضور الوفد القضائي الأوروبي الذي طرح أسئلته بواسطة قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة، شربل أبو سمرا، وذلك في التهم الموجهة إليه بجرائم الاختلاس، وتبييض الأموال، والتزوير، واستعمال المزوّر، والإثراء غير المشروع.
وغادر سلامة قصر العدل في بيروت بمواكبة أمنية مشددة، بعد الاستماع إليه لساعاتٍ أقلّ من تلك التي استغرقتها الجلسة الأولى، أمس الخميس، والتي كانت تجاوزت الخمسة، وطُرح خلالها نحو 100 سؤال.
وينتهي اليوم عمل الوفد القضائي عشية مغادرته لبنان، والذي يختتمه بلقاءٍ مع القاضي أبو سمرا يتناول مضمون ووقائع الجلستين، على أن يعود إلى بيروت في جولة ثالثة مرتقبة أواخر شهر إبريل/نيسان المقبل أو مطلع مايو/أيار، لاستكمال التحقيقات الأوروبية التي من المتوقع أن تطاول شقيق سلامة، رجا، ومساعدته ماريان الحويك.
وأشارت مصادر قضائية من داخل قصر العدل لـ"العربي الجديد"، إلى أن "حاكم البنك المركزي حضر وحده اليوم أيضاً، من دون أي من وكلائه القانونيين، وكان متعاوناً بشكلٍ كامل، وأجاب بهدوء عن كل الأسئلة التي طرحها عليه القاضي أبو سمرا، والتي تمثل بالدرجة الأولى أسئلة القاضية الفرنسية أود بورسي، والتي تمحورت في الجلستين حول عمله على رأس حاكمية مصرف لبنان، وثروته، وشركة فوري التي يملكها شقيقه رجا، والتي تكثر حولها شبهات الفساد".
تجدر الإشارة إلى أن الشركة المذكورة يشتبه بأنها وهمية، وتلقت عمولات من مصرف لبنان، وقامت بتحويل أموال وضعت في خانة المُختلَسة إلى الخارج، ولا سيما دولاً أوروبية، وصلت إلى نحو 330 مليون دولار وهي محور تحقيقات تجري في دول أوروبية عدة، أبرزها فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ.
وتلفت المصادر إلى أنه "لا يمكن توقع القرارات التي يمكن أن تتخذها الدول الأوروبية المعنية بالاستنابة القضائية وتالياً التحقيقات، أو إجراءاتها، إذ متوقع أن تتريث فيها ريثما تنهي تحقيقاتها كلها في ملف الفساد المالي المصرفي الذي لا يقتصر فقط على سلامة".
ولم يكن أمام حاكم البنك المركزي رياض سلامة سوى الحضور إلى قصر العدل، والمثول أمام القضاء أمس واليوم، بعدما رفضت النيابة العامة التمييزية الذرائع التي تقدم بها في مذكرة توضيحية ترتكز خصوصاً على اعتبار الاستماع إليه من قبل قضاة أجانب انتهاكاً فاضحاً لسيادة القضاء.
وقال القاضي أبو سمرا، المسؤول عن ملف سلامة في القضاء اللبناني، أمس لـ"العربي الجديد"، إنه لن تصدر قرارات أو أحكام في معرض جلسات الاستماع إلى سلامة، باعتبار أن الملف مرتبط بالمعونة القضائية والأسئلة التي يطرحها القضاء الأوروبي بواسطته، أما ملف التحقيق اللبناني فكان قد أرجئ ربطاً بمجيء الوفد القضائي الأوروبي والانشغال بملفه.
وكان القاضي أبو سمرا قد أرجأ التحقيق المحلي مع سلامة الذي كان محدداً يوم 15 مارس/آذار الجاري، لاستجوابه وشقيقه ومساعدته، استناداً إلى ادعاء النيابة العامة ضدهم بجرائم الاختلاس وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتهرب الضريبي، وذلك ربطاً بالتحقيقات الأوروبية.
وفي وقتٍ سابق، قال المحامي هيثم عزّو، منسّق الدائرة القانونية لـ"روّاد العدالة"، لـ"العربي الجديد"، إنه لا يمكن إصدار مذكرة توقيف بحق رياض سلامة لسببين، الأول، باعتباره يستجوب أمام قاضي التحقيق كشاهدٍ، بصفة مستمع، والمستمع لا يمكن توقيفه بعكس حالة المدعى عليه.
أما السبب الثاني، يضيف عزو، فهو مرتبطٌ بموضوع الاستجواب الذي ينحصر بتنفيذ الاستنابات القضائية الأوروبية، وليس بالدعوى العامة المقامة عليه في لبنان، وبالتالي، فإن التحقيق الحاصل معه محصورٌ فقط بتنفيذ إجراء التحقيق دون غيره، عملاً بمفهوم الاستنابة القضائية الدولية.
وتقول أوساط قضائية لبنانية لـ"العربي الجديد"، إن "الأنظار بعد مغادرة الوفد القضائي الأوروبي ستتجه إلى التحقيق المحلي مع حاكم البنك المركزي الذي تحوم حوله الخشية من أن يكون سبباً لعرقلة التحقيقات الأوروبية، إذ من المنتظر أن يحدد القاضي أبو سمرا موعداً جديداً لجلسة الاستماع إلى سلامة بدل تلك التي كانت محددة يوم 15 مارس الجاري وجرى إرجاؤها".
وتلفت الأوساط القضائية إلى أن هناك ادعاء حصل أخيراً من جانب الدولة اللبنانية، ممثلة برئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر على سلامة وشقيقه ومساعدته، وكل من يظهره التحقيق بجرائم الرشوة والتزوير واستعمال المزوّر وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتهرّب الضريبي، يجب أن يسلك مساره القانوني القضائي، وهو ليس له علاقة بالاستنابة القضائية الأوروبية.
وكان لافتاً حضور القاضية إسكندر التحقيقات الأوروبية، بعد طلب هيئة القضايا التدخل في الملف، والاستفادة من الأقاويل والإجابات محلياً، في خطوة اعتبرت الأولى من نوعها في قضية استرداد الأموال المنهوبة.
وتأتي هذه الوقائع كلها، في وقتٍ يواصل سعر صرف الدولار في لبنان تحليقه الكبير، ليتجاوز اليوم الجمعة خطّ الـ109 آلاف ليرة لبنانية، الأمر الذي رافقته زيادة جديدة في أسعار المحروقات.
وبحسب جدول وزارة الطاقة والمياه اللبنانية الصباحي، أصبحت أسعار المحروقات على الشكل الآتي: بنزين 95 أوكتان 1945000 ليرة، بنزين 98 أوكتان 1992000 ليرة، المازوت 1838000 ليرة، وقارورة الغاز 1295000 ليرة.
كذلك، تواصل أسعار السلع والمواد الغذائية ارتفاعها في ظلّ مسار الدولار التصاعدي، وذلك بعدما دخل قطاع السوبرماركت مرحلة الدولرة، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم معاناة المواطنين وأصحاب الرواتب بالليرة اللبنانية، في ظلّ تآكل قدرتهم الشرائية التي باتت شبه معدومة، مع فقدان الليرة أكثر من 98% من قيمتها.
وأصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بعد انتهاء الاستماع إليه، اليوم الجمعة، بياناً قال فيه: "حضرت جلسة دعا إليها قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة شربل أبو سمرا، من دون رفقة المحامي، إذ إن حضوري كان كمستمع إليه لا كمشتبهٍ به ولا كمتهم، لقد حضرت احتراماً مني للقانون والقضاة، وتحفظت على وجود رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل اللبنانية القاضية هيلانة إسكندر لأنها خصم، وقد تدخلت بالدعوى اللبنانية ضدّي، وتحفظي ناتج عن الإخلال بمبدأ المساواة بين الفرقاء".
وأضاف سلامة "أكدت خلال الجلسة على الأدلة والوثائق التي كنت قد تقدمت بها إلى القضاء في لبنان والخارج مع شرح دقيق لها. ويتبين من هذه الوثائق والكشوفات أن المبالغ الدائنة المدونة في حساب المقاصة المفتوح لدى مصرف لبنان والذي حولت منه عمولات إلى شركة فوري كانت قد سددت من أطراف أخرى، ولم يدخل إلى هذا الحساب أي مال من مصرف لبنان، ولم يكن هذا الحساب مكشوفاً في أي لحظة".
وتابع: "كما يتبين من هذه الكشوفات أن حسابي الشخصي في مصرف لبنان غير مرتبط بالحسابات التي تودع فيها الأموال العائدة إلى المصرف ولم تحوّل إلى حسابي أموال من مصرف لبنان، وأن التحاويل إلى الخارج الخاصة بي ومهما بلغت، مصدرها حسابي الشخصي".
وأكمل سلامة بيانه "لقد لمست ولأكثر من سنتين، سوء نية وتعطّشاً للادعاء عليّ. ظهر سوء النية من خلال حملة إعلامية مستمرة تبنتها بعض الوسائل الإعلامية والتجمّعات المدنية منها أوجدت غبّ الطلب لتقديم إخبارات في الداخل والخارج، وذلك للضغط على القضاء والمزايدة عليه، فأصبح مدنيّون وصحافيون ومحامون يدّعون أنهم قضاة يحاكمون ويحكمون بناءً لوقائع قاموا بفبركتها".
وأردف "واكبهم بعض السياسيين من أجل الشعبوية، اعتقاداً منهم أن هذا الأمر يحميهم من الشبهات والاتهامات، أو أنه يساعدهم على التطنيش عن ماضيهم، أو يعطيهم عذراً لإخفاقاتهم في مواجهة وحلّ الأزمة، ناسين أن الأوطان لا تبنى على الأكاذيب".