تلقي الانتعاشة التي تحققها العملة الأوروبية الموحّدة مقابل الدولار الأميركي، بظلالها على اقتصاد تونس الذي يعاني من أزمة إيرادات وثقل الدين الخارجي المرجح لمزيد من التأزم، مع اقتراب موعد سداد قسط لقرض سيادي بقيمة 500 مليون يورو في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
ووفق أحدث البيانات المنشورة على موقع البنك المركزي التونسي في 18 يوليو/ تموز الجاري، سجل سعر صرف الدينار انخفاضاً أمام اليورو بنسبة 6% على أساس سنوي. وبلغ سعر صرف اليورو 3.4 دنانير مقابل 3.21 دنانير قبل سنة. ولم يسبق للعملة التونسية أن شهدت مثل هذا الانخفاض في سعر صرفها أمام العملة الأوروبية الموحدة منذ إبريل/ نيسان 2019، وفق بيانات البنك المركزي.
ويشكل تواصل ارتفاع قيمة اليورو خطراً على الديون الخارجية التونسية التي تشكل فيها نسبة الديون المقومة بالعملة الأوروبية الموحدة 60.4% مقابل 24.4% من الديون المقومة بالدولار، وفق تقرير تنفيذ الميزانية الذي نشرته وزارة المالية في مارس/ آذار الماضي.
ويقول الخبير المختص في الأسواق المالية، معز حديدان، لـ"العربي الجديد" إن ارتفاع سعر صرف اليورو في الأشهر الأخيرة يضغط على الدين الخارجي التونسي، في ظل نقص الإيرادات بالعملة الأجنبية، وتواصل تعثر قرض صندوق النقد الدولي، مقابل التزامات مالية ثقيلة للدولة.
ويتوقع حديدان ارتفاع كلفة الدين الخارجي التونسي وسط صعود سعر اليورو، مشيراً إلى أن أكبر تحد تواجهه الخزينة هذا العام هو سداد قسط قرض "اليوروبند" بقيمة 500 مليون يورو في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول القادم، مشيراً إلى أن قيمة القرض ستزيد بنحو 6%، وهي نسبة انزلاق الدينار مقابل العملة الأوروبية الموحدة.
ويرى أنه في مقابل الضغوط على حجم المديونية بفعل قوة اليورو، فإن احتياطي البنك المركزي التونسي سيحقق بعض المكاسب، لأن اليورو يشكل أكثر من 45% من إجمالي العملة الصعبة لدى البنك، كما أن قيمة صادرات البلاد نحو منطقة اليورو ستزيد أيضاً مع ارتفاع صرف اليورو.
وتعاني تونس من تركة ثقيلة من الديون، تؤكد وزارة المالية أنها ستصل إلى 124.5 مليار دينار (حوالي 41.5 مليار دولار) بحلول نهاية العام الجاري 2023، تستحوذ الديون الخارجية على 63.9% منها.
والعام الجاري يتعين على تونس سداد أقساط من الديون الخارجية على غرار قرض باليورو بقيمة 500 مليون يورو في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وأقساط من قرض سابق لصندوق النقد في حدود 412 مليون دولار، وقرض للسعودية بقيمة 100 مليون دولار، وغيرها من القروض.
وإجمالاً تونس مطالبة هذا العام بتسديد ديون في حدود 21 مليار دينار (نحو 7 مليارات دولار)، منها 12 مليار دينار (4 مليارات دولار) من الديون الخارجية بالعملة الصعبة.
ويرجّح الخبير الاقتصادي خالد النوري، استمرار ضغوط اليورو على اقتصاد تونس، مؤكداً أن كل هذه الضغوط يفاقمها تراجع دور القطاع الخارجي في توفير إيرادات مالية بالعملة الصعبة، ولا سيما الاستثمار.
ويقول النوري لـ"العربي الجديد": "بشكل عام، تبدو الظروف الحالية مواتية لاستمرار قوة اليورو في المستقبل القريب"، مدفوعة بتحسّن متجدد في التصورات الخاصة بالعملة الأوروبية الموحدة.
ويشير إلى ضعف الإيرادات من العملة الصعبة مقابل حجم النفقات المطلوبة، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، لافتاً إلى أن أغلب مداخيل العملة الصعبة تأتي حالياً من تحويلات المغتربين، وإيرادات القطاع السياحي، مقابل تراجع كبير في المداخيل التي يوفرها الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يعد من أبرز دعائم القطاع الخارجي.
وسجلت تونس خلال الربع الأول من العام الجاري تدفق استثمارات أجنبية ومختلطة مباشرة بقيمة لا تزيد عن 315 مليون دينار، أي ما يناهز 105 ملايين دولار.
وتتوقع تونس هذا العام مداخيل قياسية من تحويلات المغتربين تفوق 3.3 مليارات دولار، حيث يواصل أكثر من مليون ونصف مليون تونسي في المهجر دعم اقتصاد بلادهم، مع ارتفاع التحويلات إلى 1.1 مليار دولار خلال الخمسة أشهر الأولى من العام الحالي، وفق بيانات البنك المركزي.
كذلك أعلن "المركزي" مؤخراً ارتفاع إيرادات السياحة منذ بداية العام وإلى مايو/ أيار الماضي إلى نحو 1.7 مليار دينار (550 مليون دولار)، بزيادة بلغت نسبتها 57% عن الفترة نفسها من العام الماضي.
وعلى امتداد السنوات الماضية استمر الدينار التونسي في صموده النسبي أمام العملات الأجنبية، رغم الأزمة الاقتصادية وضغوط المالية العمومية على احتياطي النقد الأجنبي، رغم سياسة التعويم الجزئي التي نفذتها السلطات النقدية منذ عام 2018 بتوصيات من صندوق النقد الدولي، الذي طلب من تونس تحرير سعر صرف العملة المحلية، لكن الضغوط الأخيرة التي يواجهها الاقتصاد تقلّص فرص صموده.