تتسع معدلات زحف القات على الأراضي الزراعية في اليمن ما تسبب في نقص واضح في العديد من المحاصيل وأربك حركة الأسواق، ما دفع الحكومة المعترف بها دولياً، وكذلك سلطات الحوثيين في صنعاء إلى اتخاذ قرارات تتعلق بحظر تصدير واستيراد الكثير من المحاصيل لتوفير السلع وتشجيع الإنتاج المحلي حفاظاً على استقرار الأسواق.
وقررت الحكومة اليمنية التي تتخذ من عدن جنوب البلاد مقراً لها، إيقاف تصدير محصول البصل حتى يتم تنظيم تسويقه محلياً وخارجياً مع الجهات المختصة وذات العلاقة، وألزمت جميع المصدرين للمحصول سرعة التصرف وتوزيع الكميات والشحنات الموجودة للتصدير في المنافذ البرية والبحرية خلال مدة أقصاها أسبوع واحد فقط.
يأتي ذلك في وقت تشهد الأسواق المحلية في اليمن أزمة خانقة في محصول البصل مع شح في المعروض وارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية. ويعد البصل ثاني محصول زراعي ينتجه اليمن بكمية تقدر بنحو 232 ألف طن سنوياً بعد البطاطس التي يقدر إنتاجها بنحو 282 ألف طن سنوياً، وذلك من مساحة زراعية تبلغ 15.5 هكتاراً (الهكتار يعادل 10 آلاف متر مربع).
في المقابل، وجهت وزارة الزراعة والري في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين بحظر استيراد 16 صنفاً من المحاصيل والمنتجات النباتية والحيوانية حيث تضمنت إلى جانب البصل المجفف والثوم المطحون والذرة الشامية نحو 11 صنفاً من المحاصيل والمنتجات النباتية تشمل "الدخن، الذرة الرفيعة، الزبيب، التفاح الخارجي بجميع أنواعه، اللوبيا (الدجرة)، البسباس الأحمر الحار، الجوافة، إضافة إلى ورق التوت والخضروات المجمدة بجميع أنواعها.
وأكد مصدر مسؤول في وزارة الزراعة والري في صنعاء أن قرار حظر استيراد تلك الأصناف يأتي حماية للمنتج المحلي، إذ جاء القرار بعد عدة إجراءات اتخذتها الوزارة، بالإيقاف التدريجي لتغطية احتياجات السوق من تلك المحاصيل والمنتجات النباتية والحيوانية.
ويشهد اليمن تغيرات واسعة مع تحول القطاع الزراعي نحو السلع النقدية في أنماط الإنتاج وانعكاس ذلك في زيادة تكلفة المعيشة، في حين يؤدي ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى بروز تحول واسع من زراعة المحاصيل الغذائية إلى "القات" الذي يستمر في التمدد واستقطاع المزيد من مساحة الأراضي المخصصة للمنتجات الغذائية، إذ تظهر بيانات زراعية حديثة اطلع عليها "العربي الجديد"، زيادة بأكثر من 40% في المساحة المخصصة للقات (نبات منشط يستهلك على نطاق واسع في اليمن وفق تصنيف البنك الدولي).
في السياق، دعت وزارة الزراعة والري في عدن الجهات المختصة وذات العلاقة للعمل على إيجاد آلية مناسبة لتنظيم تسويق محصول البصل داخل اليمن لضمان توفيره في الأسواق المحلية وبأسعار مناسبة وتحديد الكميات الممكنة للتصدير حفاظاً على المنتج، وبما يحقق التوازن بين الكميات المطلوبة للسوق المحلية والكميات الفائضة للتصدير منعاً لتكدس المحصول في حالة الوفرة المتوقع حدوثها في شهر مارس/ آذار.
وأكدت أن على جهات الرقابة الداخلية تعزيز الرقابة المشتركة مع الجهات المختصة في وزارة التجارة والصناعة ومصلحة الجمارك والغرف التجارية والسلطات المحلية لمتابعة آلية تنفيذ هذا القرار لمعالجة الفجوة في الأسواق المحلية.
بحسب مبارك المحمدي، بائع خضروات في صنعاء، تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن هناك صعوبة يواجهونها كباعة للمنتجات الزراعية في الحصول على الكمية المناسبة المعتادة من محصول البصل منذ مطلع العام الحالي 2024.
وتسعى صنعاء إلى الاعتماد الذاتي وتنمية القطاع الزراعي خصوصاً في ظل الظروف الراهنة التي ترى أنها تتطلب اتجاه القطاعين العام والخاص نحو النهضة الزراعية بما يعزز الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي.
في حين يتحدث عمار النهاري وهو متعهد تجاري للمنتجات الزراعية لـ"العربي الجديد"، حول أن التجار المصدرين للبصل يستغلون هذه الفترة قبل الوصول لفترة الحصاد الأكبر لهذا المحصول بعد نحو شهر بعقد صفقات مع المزارعين أو مع الجمعيات المعنية بمزارعي البصل والمنتجات الزراعية بما يضمن لهم تصدير ما أمكن من الكميات التي يسعون لتصديرها في ظل غياب الرقابة الرسمية، الأمر الذي ينعكس على شح المعروض من هذا المحصول وارتفاع أسعاره.
وتشهد الأسواق المحلية في معظم المدن اليمنية ارتفاعاً متصاعداً في أسعار البصل مع تجاوز سعر الكيلوغرام الواحد أكثر من 1000 ريال في صنعاء، في حين يتجاوز 2000 ريال في عدن ومناطق الحكومة المعترف بها دولياً. ويتفاوت سعر صرف الدولار بين صنعاء وعدن، إذ يبلغ في مناطق سيطرة الحوثيين 533 ريالا، بينما يصل في عدن إلى نحو 1628 ريالا.
وقال الباحث الزراعي بسام قاسم لـ"العربي الجديد"، إن هناك طلبا كبيرا على البصل اليمني في أسواق دول خليجية خصوصاً الصنف الأحمر الذي يُزرع بدرجة رئيسية في محافظة حضرموت جنوب شرقي اليمن وفي سهول تهامة بمحافظة الحديدة شمال غربي البلاد، لافتاً إلى أن هناك تأثيرا للتغيرات المناخية على زراعة بعض محاصيل الخضروات مع اتجاه كثير من المزارعين لتغطية أراضيهم بزراعة بعض المحاصيل مثل الطماطم والبطاطس بكميات كبيرة على حساب البصل، في حين تظل مشكلة زراعة "القات" مستعصية على الحل مع استمرار تمدده وتوسعه على حساب المنتجات والمحاصيل الغذائية.
وأضاف قاسم أن عشوائية عمل المصدرين ساهم كذاك في استنفاد كمية كبيرة من المحصول، مما أثر على مستوى المعروض منه في السوق المحلي، وبالتالي ارتفاع أسعاره كما يلاحظ حالياً في أغلب المحافظات اليمنية.
وشهدت محافظات يمنية زراعية مثل حضرموت توسعا ملحوظا في زراعة البصل بعد نجاح الفلاحين في تنظيم عملهم وتأسيس جمعية متخصصة بالمزارعين. كما يعد البصل من أهم المحاصيل التي تُزرع على نطاق واسع في مناطق عدة في اليمن، أهمها وأبرزها وادي حضرموت الذي يستحوذ على نحو 20% من إجمالي المساحة المزروعة في اليمن، إذ يقدر متوسط المناطق المزروعة بالبصل سنوياً في هذا الوادي الشهير بإنتاج البصل الأحمر المطلوب بشكل كبير للتصدير بنحو 900 هكتار من الأراضي الزراعية.