افتتح اليمنيون العام 2021 بتصاعد المشكلات التي ترافقهم منذ بداية الحرب. إذ تضرب العديد من المدن والمناطق، خصوصاً الشمالية والغربية، أزمة وقود تشتد تدريجياً في ظل انخفاض مضطرد للمعروض في الأسواق.
وأغلقت محطات التعبئة في صنعاء والحديدة ومناطق أخرى أبوابها مع نفاد كميات الوقود. يترافق كل ذلك مع قيام السلطات المعنية بترشيد ضخ البنزين والديزل إلى المحطات التجارية لانخفاض الكميات الواردة إلى ميناء الحديدة.
ووسط الأزمة، ازدهرت السوق السوداء التي تستحوذ على جزء كبير من تجارة الوقود بسبب الصراع الدائر بين طرفي الحرب على استيراد المشتقات النفطية. وتضاعفت أسعار البنزين في الأسواق غير الرسمية مع وصول سعر الصفيحة 20 لتراً إلى 14 ألف ريال منذ مطلع الأسبوع، ارتفاعاً من 8 آلاف ريال، بينما تلتزم محطات التعبئة التجارية بالسعر الرسمي الذي يناهز 6 آلاف ريال.
ويقول المواطن عمر عبد الواسع، وهو سائق شاحنة لنقل البضائع بين المحافظات، إن اعتماده على السوق السوداء لتعبئة احتياجاته من البنزين تزايد أخيراً، رغم فارق الأسعار مقارنة مع محطات التعبئة الرسمية. ويشرح لـ"العربي الجديد"، أن الكثير من محطات التعبئة الرسمية تعاني من عدم توافر الوقود واضطرار غالبيتها إلى التوقف عن العمل وانتظار ما سيتم ضخه من شركة النفط العامة على فترات متباعدة بكميات ضئيلة يتم استهلاكها بشكل سريع.
وتتبع الجهات المختصة في هذه المناطق اَلية تقنيين وفق كشوفات توزيع يتم فيها تحديد محطات التعبئة التجارية المعتمدة والعاملة في نطاق كل محافظة. ويتم ضخ كميات منخفضة تصل إلى نصف ما كان معتمد سابقاً. ويؤكد ضياء الحاج، وهو سائق باص أجرة في صنعاء، أن الاعتماد على محطات التعبئة الرسمية مناسب كثيراً للسائقين، لكن ذلك يتطلب رحلة مضنية وشاقة لإيجاد محطة عاملة، وإلا الوقوف والانتظار لأيام أمام محطة تنتظر حصتها من الوقود لنفاد الكمية السابقة لديها.
وتؤكد شركة النفط اليمنية في صنعاء العاملة في نطاق سيطرة الحوثيين، احتجاز 72 شحنة وقود رغم حصولها على تصاريح بعثة التحقق والتفتيش الأممية التي تسمح لها بالوصول إلى ميناء الحديدة بعدما تم تفتيشها في جيبوتي. إلا أن مجموع الكميات الواصلة إلى الميناء والمخصصة للاستهلاك العام لا يتجاوز 45 في المائة من الاحتياجات الفعلية في الوضع الطبيعي.
فيما بلغ إجمالي أيام الاحتجاز التراكمية لسفن الوقود 4598 يوماً خلال العام 2020، مقابل 1846 يوماً خلال العام 2019. هذا الواقع أدى إلى مضاعفة غرامات التأخير إلى مستويات قياسية غير مسبوقة تقدر بحوالي 107 ملايين دولار، وهو ما ترتب عنه رفع كلفة المواد الاستهلاكية، وهو ما ضاعف من معاناة المواطنين. وأجبر الانفجار الذي هز مطار عدن واستهدف الحكومة اليمنية الجديدة أثناء وصولها إلى عدن، البنك المركزي اليمني على تمديد إجراءاته للمستوردين في تغطية احتياجات الاستيراد للمشتقات النفطية، وبسعر صرف تفضيلي عن سعر الصرف في السوق المحلية.
هذا الأمر، وفق مراقبين، يعد من الأسباب الأساسية إلى جانب عوامل أخرى في تجدد أزمة الوقود التي تعاني منها العديد من المدن. من جانبها، تقدر شركة النفط اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين خسائر القطاعات الخدمية والصناعية والإنتاجية، المباشرة وغير المباشرة، بسبب استمرار احتجاز سفن المشتقات النفطية بنحو 10 مليارات دولار.
وأوقف انفجار عدن ما كان يحققه الريال اليمني من مكاسب في سوق الصرف منذ أن تم الإعلان عن الحكومة الجديدة. إذ يشهد موجة هبوط في غالبية المدن مع وصوله إلى نحو 720 ريالاً للدولار الواحد بعدما ارتفع إلى أقل من 660 ريالاً للدولار، بينما يشهد سعر صرفه تحسناً واضحاً في مناطق سيطرة الحوثيين ويصل إلى 590 ريالاً للدولار.
وتأتي عمليات المصارفة والتحويل التي يجريها البنك المركزي اليمني في عدن وفق الآلية التنظيمية المعتمدة لذلك، حيث إن المشتقات النفطية تعد من أهم الاحتياجات الأساسية والتي تمثل تغطية استيرادها مستوى كبيرا من الطلب على النقد الأجنبي.
ووفق مصادر مصرفية في البنك المركزي اليمني، فإن تدخل الأخير من خلال هذه الآلية يستهدف تنظيم العرض والطلب على العملات الأجنبية في سوق الصرف المضطرب، والحد من عشوائية الطلب والمضاربة في أسعار العملات، وتوجيه موارد النقد الأجنبي المتاحة لتغطية الاحتياجات ذات الأولوية للبلاد، عبر آليات منظمة وملائمة، وبما يضمن الاستقرار العام للأسعار.
ويشكو مواطنون في مدينة تعز من غلاء متواصل في أسعار المواد الغذائية والأدوية، والذي يعد بمثابة هم كبير يؤرقهم كل عام. ويؤكد ناصر العريقي، وهو متعهد تجاري في مدينة تعز، أن أزمات الوقود التي لا تنتهي تسببت في ارتفاع تكاليف النقل والتوزيع للمواد الغذائية والاستهلاكية وأجور وتكاليف الشحن في الموانئ، وهو ما يؤدي إلى تضخم فواتير التجار الذين يبحثون عن هامش ربح يعوض هذه التكاليف الباهظة. لذا، وفق حديث العريقي لـ"العربي الجديد"، تنعكس مجمل هذه المتغيرات والفواتير المتضخمة على الكلفة النهائية للسلع التي يلمس أثرها المستهلك الذي يعاني سنوياً من غلاء في أسعار المواد الغذائية من دون وجود أي تحسن ملموس. وبموجب الآلية التنظيمية، "يتم حظر استيراد المشتقات النفطية ودخول السفن الناقلة لشحناتها إلى الموانئ إلا بتصريح من المكتب الفني التابع للمجلس الاقتصادي الأعلى"، يصدره بموجب إفادة يمنحها البنك المركزي للتاجر المستورد ويرسلها مباشرة إلى المكتب الفني.
وتتضمن هذه الإفادة إشعار المصارفة عبر البنك المركزي ونموذج التحويل الخارجي لقيمة الشحنة (السويفت)، إضافة إلى إشعار سداد العوائد الرسمية للدولة (جمارك وضرائب وغيرها)، عبر البنك المركزي. ويشدد البنك المركزي على مستوردي المشتقات النفطية بتوريد قيمة مبيعاتهم اليومية أولاً بأول إلى حساباتهم في البنوك التجارية لتقوم البنوك بدورها بتوريدها إلى البنك المركزي أسبوعياً لتتم مصارفتها حسب الآلية المتبعة.