الهجرة العكسية تهدد مستقبل إسرائيل

07 أكتوبر 2024
مسافرون ينتظرون رحلات مغادرة في مطار بن غوريون، 2 سبتمبر/ أيلول (الأناضول)
+ الخط -

ضرب طوفان الأقصى استقرار المجتمع الإسرائيلي في جذوره، ودفع مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى الهجرة إلى خارج إسرائيل. حيث كشف موقع تايمز أوف إسرائيل، نقلا عن مسؤول حكومي إسرائيلي، عن هجرة أكثر من 230 ألف إسرائيلي البلاد في الفترة ما بين بداية الحرب في السابع من شهر أكتوبر/تشرين الأول ونهايته فقط، ونحو 140 ألفاً آخرين غادروا في شهر نوفمبر/تشرين الثاني.

وتضاف هذه الأعداد إلى نحو 800 ألف من المسافرين الذين غادروا إسرائيل لقضاء العطلات ولم يعودوا بسبب الحرب وأصبحوا في عداد المهاجرين، وفق موقع ذا ماركر الإسرائيلي. ولا تشمل هذه الأعداد عشرات آلاف العمال الأجانب الذين غادروا البلاد بسبب الحرب. كما وصلت أعداد الرحلات المغادرة من مطار بن غوريون إلى 120 رحلة يوميا، تحمل 24 ألف مسافر.

وجاء في القناة 12 الإسرائيلية أن ألاف الإسرائيليين تقدموا بطلبات للحصول على اللجوء في البرتغال بعد أن أعلنت الأخيرة أن اليهود الذين يحملون جوازات سفر إسرائيلية يمكنهم الحصول على تأشيرات لجوء. وكشف موقع أخبار تأشيرة شنغن الأوروبية عن زيادة في طلبات الحصول على الجنسية من الإسرائيليين، مع زيادة طلبات الجنسية البرتغالية بنسبة 68%، والفرنسية بنسبة 13%، والألمانية بنسبة 10%، والبولندية بنسبة 10%.

وكشفت دراسة صادرة عن مركز بيغن للتراث أن 59% من اليهود في إسرائيل ذهبوا بالفعل أو يفكرون في الذهاب إلى السفارات الأجنبية للاستعلام وتقديم طلبات الحصول على الجنسية الأجنبية، وأعرب 78% من العائلات اليهودية عن دعمها لسفر أبنائها الصغار إلى الخارج. وفي استطلاع رأي، قال 40% من الإسرائيليين إنهم يفكرون في مغادرة إسرائيل، وطرحوا العديد من التفسيرات لذلك، مثل التدهور الحاصل في إسرائيل لأسباب أمنية واقتصاديه وعدم المساواة وخيبة الأمل بسبب فشل التسوية السلمية مع الفلسطينيين.

الأمن والاقتصاد

بذلت الحكومات الإسرائيلية منذ قيام الكيان في سنة 1948 جهودا جبارة لجذب اليهود من شتى بقاع الأرض للعيش في إسرائيل، ولخص الزعيم الصهيوني ديفيد بن غوريون الأهمية الإستراتيجية لهجرة اليهود إلى الكيان بقوله، إن الهجرة إلى فلسطين هي التي تضمن بقاء أمن إسرائيل. فزورت تلك الحكومات التاريخ وغيرت الجغرافيا وأغرت اليهود بالهجرة إلى إسرائيل باعتبارها أرض الحليب والعسل والأمن والأمان، وقدمت السكن مجانا والوظائف والمساعدات المالية بلا حدود.

ولكن معدل الهجرة لإسرائيل ظل مرتبطا بالأمن والرخاء الاقتصادي. فمنذ وجود البريطانيین في فلسطين عام 1917 وحتى 1975، بلغ عدد المهاجرين اليهود 1.5 مليون فقط. وفي عشر سنوات، في الفترة من 1975 إلى 1985، وعندما طرحت قضية السلام بين العرب والكیان الصهیوني، هاجر 1.5 مليون شخص إلى فلسطين، ما يعادل عدد المهاجرين في ستة عقود تقريبا بسبب الأمن. ولكن بعد انتفاضة عام 1987، انخفض مستوى معدلات الهجرة في السنوات العشر التالية إلى نصف العدد في العقد السابق، بسبب غياب الأمن.

وفي دراسة أعدتها ونشرتها وزارة الاستيعاب الإسرائيلية بعد معركة سيف القدس في مايو/أيار 2021، كشفت أن ثلث اليهود في إسرائيل يؤيدون فكرة الهجرة، بسبب الحرب وانعدام الأمن. في تلك السنة غادر إسرائيل 720 ألف مستوطن يهودي دون عودة، بحسب أرقام الوزارة نفسها.

في عام 2022 ارتفع عدد المهاجرين إلى إسرائيل إلى 75 ألفا، وكان ذلك مرتبطًا إلى حد كبير بالحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا وغياب الأمن هناك، في مقابل 25 ألف مهاجر إلى إسرائيل في عام 2021. وقبل السابع من أكتوبر 2023، هاجر 45 ألف شخص من روسيا وأوكرانيا إلى إسرائيل، ثم توقفت الهجرة إلى إسرائيل تقريبا بعدها بسبب الحرب وغياب الأمن داخل دولة الاحتلال.

أدى قصف حزب الله شمال فلسطين المحتلة بالصواريخ، دعما للمقاومة في قطاع غزة، إلى تهجير نحو مائة ألف إسرائيلي من المستوطنات في الشمال المحتل، وتوقفت الحياة بها تماما، الزراعة والصناعة والسياحة والتجارة. وبعد اغتيال أمين عام الحزب، حسن نصر الله، استهدف الحزب بالصواريخ التقليدية والبالستية والمسيرات المدن والمستوطنات في الجليل والجولان السوري وحيفا، حتى وصلت إلى مدينة تل أبيب على بعد 110 كيلومترات من حدود لبنان، وأصابت مستوطنين وبيوتا ومباني عامة، وتسببت في نشوب حرائق أتت على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والغابات، وأجبرت نحو 3 ملايين إسرائيلي في هذه المناطق على النزوح أو الهروب إلى الملاجئ.

موقف
التحديثات الحية

وفي الأول من أكتوبر الحالي، استهدفت جماعة أنصار الله الحوثي في اليمن بصاروخ فرط صوتي منطقة غوش دان في ضواحي تل أبيب، ما أجبر 1.5 مليون مستوطن على الهروب إلى الملاجئ. وغوش دان هي المركز المالي والتجاري وعصب الاقتصاد في إسرائيل، وبها مقر البورصة ومطار بن غوريون وأكبر شركات التكنولوجيا الفائقة، ويقطنها 42% من سكان إسرائيل الأثرياء وأصحاب الأعمال. وسيكون لقصف هذه المدينة دور كبير في زيادة عدد المهاجرين إلى خارج إسرائيل في المستقبل القريب.

محاولات بائسة

تحولت فكرة الهجرة إلى خارج إسرائيل إلى شعور عام داخل كل إسرائيلي، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، نفتالي بينيت، المستوطنين إلى عدم مغادرة دولة الاحتلال، وخوفهم من عواقب هجرة الكيان، رغم معارضته سياسة نتنياهو. وفي محاولة لبث الأمل وإثنائهم عن فكرة الهجرة، كشف بعفوية عن أزمة الإسرائيلي العميقة، والتي تحاول حكومة نتنياهو إخفاءها طوال الوقت بقوله، إن إسرائيل تمر بأصعب فترة منذ إنشائها، مع ارتباك الحرب والمقاطعة الدولية وتضرر الردع وبقاء 120 إسرائيلياً في الأسر وآلاف العائلات الثكلى وآلاف النازحين وفقدان السيطرة على الاقتصاد والإعاقة، كل هذا صحيح تماماً، لكن هناك أمر واحد يقلقني، وهو الحديث عن مغادرة البلاد!

ونظرا لخطورة الهجرة العكسية على الأمن القومي وفي محاولة لإيقافها، أعلن وزير الهجرة والاندماج الإسرائيلي أوفير صوفر ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش عن خطة في 14 فبراير/شباط 2024، لتقديم حوافز مالية وتخفيض للضرائب لتشجيع اليهود في الخارج للهجرة إلى إسرائيل، ولإغراء الإسرائيليين للبقاء في إسرائيل وعدم الإقدام على الهجرة. وفي المقابل، دشنت مواقع إعلامية يهودية حملات تخوف وتبغض الإسرائيليين في العيش خارج إسرائيل، وتحضهم على العودة لإسرائيل، وتظهر تعرض الإسرائيليين لمضايقات ومعاداة للسامية على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الشوارع والأماكن العامة وفي مقرات العمل بسبب عمليات الجيش في قطاع غزة.

وتزعم هذه المواقع قصصا مشابهة لأكاديميين وأطباء ومهندسين إسرائيليين يقيمون في الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا وقد تعرضوا للتنمر في أماكن عملهم وفي محال إقامتهم بسبب أنهم إسرائيليون. وتؤكد هذه القصص أن أصحابها قرروا العودة لوطنهم والعيش في إسرائيل باعتباره الخيار الأفضل لهم ولأولادهم.

ومن القصص الطريفة، ما رواه موقع غلوبز إسرائيل عن بروفيسور إسرائيلي كان يعمل في جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة ويدير شركة تكنولوجية يدعى يانيف إرليخ كتب تغريدة على موقع إكس يقول أنه "بعد عامين من المرح في لندن، قرر وزوجته العودة إلى القدس". وفي غضون ساعات قليلة، حصل على 2000 إعجاب ومئات التعليقات المؤيدة له من الإسرائيليين، حتى أن خمسة منهم، وهم أكاديميون ومتخصصون في مجال التكنولوجيا الفائقة والطب، كتبوا "أنا أيضًا".

موقف
التحديثات الحية

يقول إرليخ إن أستاذه السابق دعاه للعمل في مصنعه المتخصص في التكنولوجيا الحيوية في إنكلترا. وإنه قضى وزوجته عامين ممتعين في لندن، ثم جاء يوم 7 أكتوبر، يقول: "في ذلك اليوم، حتى قبل رد الفعل الإسرائيلي، رأينا مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين وأشخاصًا سعداء يطلقون أبواق سياراتهم. نحن نعيش في شمال لندن، في حي جميع من فيه إسرائيليون تمامًا. قبل الحرب، كان بإمكانك دائمًا سماع اللغة العبرية هناك، وفجأة أصبح الشارع هادئا، وفي نهاية شهر أكتوبر التقيت بصديق في الشارع، ولاحظت أننا نتحدث همسًا".

يقول إرليخ إنه قرر الانتقال مرة أخرى للعيش مع أسرته في إسرائيل لأن نظام الرعاية الصحية الإسرائيلي أفضل من النظامين البريطاني والأميركي، وأن متوسط العمر المتوقع في إسرائيل أكبر مما هو عليه في إنكلترا، وأكبر بكثير مما هو عليه في الولايات المتحدة.

ويروي الموقع عن الدكتور نير كوهين، وهو محاضر كبير ورئيس قسم البيئة والتخطيط والاستدامة في جامعة بار إيلان وخبير في دراسات الهجرة أنه "صحيح أن إسرائيل أكثر خطورة، ولكن في النهاية هذا هو الوطن، وبالنسبة لبعض الإسرائيليين، أصبح انعدام الأمن في الخارج أكثر أهمية من انعدام الأمن في إسرائيل، لأنه هنا على الأقل هناك شعور بالعمل الجماعي".

ويروي كوهين عن أكاديمي إسرائيلي آخر يقوم بتحضير رسالة الدكتوراه في الكيمياء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا قرر أن يعود بعد السابع من أكتوبر للعيش في إسرائيل بعدما رأى كراهية الطلاب للإسرائيليين وتعاطفهم مع الفلسطينيين يقول: "ما يقلقني هو المستقبل، في غضون 20 عامًا، هؤلاء الطلاب هم الذين سيتخذون القرارات في الجامعة، نحن نخرج منها الآن بقلع أسناننا وعيوننا، لكنني لا أريد أن ينتهي بي الأمر في وضع أكون فيه مصابًا بالجذام لأنني إسرائيلي".

المساهمون