عاد ملف الطاقة في الأردن إلى الواجهة من جديد، بإعلان حكومة المملكة، عن البدء في إجراءات تحكيم دولي في مواجهة تحالف يضم شركات صينية وماليزية وإستونية، يعمل على إنتاج الطاقة الكهربائية في الأردن من النفط الصخري وبيعها إلى الدولة بمقتضى اتفاقية موقعة عام 2014، إلا أن الحكومة الحالية وصفت الاتفاقية بالمجحفة كون الأسعار المحددة لشراء الطاقة من تحالف الشركات بمثابة "غبن فاحش".
وفتح القرار الحكومي باللجوء إلى التحكيم الدولي مطالبات برلمانيين وخبراء اقتصاد بإجراء مراجعة وتحقيق شامل لكافة اتفاقيات الطاقة الموقعة بين الأردن وشركات عالمية، لوجود ما وصفوه بـ" الاختلالات وشبهات الفساد في العديد منها".
ويعتبر ملف الطاقة والتعدين في الأردن والاتفاقيات، التي تم توقيعها مع شركات عالمية في مجالات توليد الكهرباء من الرياح والطاقة الشمسية وشراء الغاز الطبيعي من الاحتلال الإسرائيلي، الأكثر إثارة للجدل ويحوم حوله العديد من الشبهات، ولا سيما بعد اكتشاف حالات فساد في بعضها وتورط متنفذين كبار فيها كبيع شركتي الفوسفات والبوتاس قبل سنوات عدة.
ووفق وزيرة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية هالة زواتي، في تصريح صحافي، يوم السبت الماضي، جرى تقديم طلبي تحكيم من قبل الحكومة وشركة الكهرباء الوطنية المملوكة بالكامل للحكومة، إلى غرفة التجارة الدولية في باريس في مواجهة شركة العطارات للطاقة (تضم شركات صينية وماليزية وإستونية) حول اتفاقية شراء الطاقة من الشركة وكفالة الحكومة لالتزامات شركة الكهرباء الوطنية.
ويقوم تحالف الشركات العالمي بإنتاج الكهرباء من مشروع الصخر الزيتي (النفط الصخري) في منطقة العطارات جنوب المملكة، وبيع الطاقة إلى شركة الكهرباء الحكومية لمدة 25 عاماً، حيث يحوي الأردن رابع أكبر احتياطي في العالم من النفط الصخري بكميات تقدر بحوالي 40 مليار طن.
لكن وزيرة الطاقة قالت إن هناك "غبناً فاحشاً" في اتفاقية شراء الطاقة لارتفاع التعرفة الكهربائية، مضيفة أن من حق شركة الكهرباء الوطنية "فسخ العقد ما لم تتم إزالة ذلك الغبن". وأشارت إلى أن الحكومة طلبت أيضا من هيئة التحكيم "إصدار قرار بأن كفالة الحكومة لالتزامات شركة الكهرباء الوطنية غير قابلة للتنفيذ قانوناً بسبب الغبن الفاحش في اتفاقية شراء الطاقة".
وكانت الوزيرة قالت سابقا: "لقد وجدنا أنفسنا أمام إحدى الاتفاقيات التي لا بد من مراجعتها ومراجعة جدواها حيث ستباع الكهرباء لنا بسعر عالٍ، إذ تكلفنا عشرة قروش وفلسين (منتج في أرضه)، فضلا عن نقله على شبكة النقل والتوزيع ويصل إلى المستهلك بـ 13 قرشا" (الدينار يحوي 100 قرش).
وقال عضو مجلس النواب الأردني النائب موسى هنطش المختص في قطاع الطاقة لـ"العربي الجديد" إن هناك علامات استفهام تدور منذ البداية حول الاتفاقية، وقد تم تنبيه وزارة الطاقة والحكومة آنذاك إلى مخاطرها، لكن لم يتم التعامل مع الملف بالجدية المطلوبة إلى أن شارف المشروع على التشغيل وتوليد الكهرباء.
وأضاف هنطش أن الحكومة بدون قضية التحكيم لا تستطيع إلغاء الاتفاقية، كون ذلك يرتب عليها دفع مبالغ كبيرة بأكثر من 4.5 مليارات دولار، والحل الأمثل من وجهة نظره هو الإبقاء على الاتفاقية شريطة تخفيض سعر شراء الكهرباء من الشركة، واصفا موقف الحكومة بـ"السليم"، حيث توجد عدة نقاط لصالحها، ومنها عدم التزام شركة العطارات بالموعد المحدد للانتهاء من توليد الكهرباء من الصخر الزيتي بواسطة الحرق والذي كان يفترض أن يتم قبل ستة أشهر.
وتابع أن شركة العطارات تأخرت كثيراً في إنجاز المشروع، حيث كانت تبحث لسنوات عن ممول إلى أن تمكنت من الحصول على قروض بحوالي 3 مليارات دولار من مصادر مختلفة، لافتا إلى أنه من دون تعديل أسعار شراء الكهرباء من شركة العطارات فإن خزينة الدولة ستتعرض لخسائر كبيرة تقدر بحوالي 280 مليون دولار سنوياً.
وقال إن لدى الأردن اليوم فائضاً من الطاقة الكهربائية، حيث تقدر حاجته بحوالي 3500 ميجاواط، فيما النظام الكهربائي يولد 4500 ميجاواط من مصادر الطاقة المختلفة، في حين أن شركة العطارات ستزود النظام الكهربائي بحوالي 15% من حاجة البلاد.
وأكد عضو مجلس النواب الأردني، ضرورة إعادة النظر في كافة اتفاقيات الطاقة الموقعة لإنتاج الكهرباء والتحقق منها وتقييم مدى انتفاع الدولة منها والآثار السلبية المترتبة عليها، ولا سيما أن بعض الاتفاقيات يدور حولها العديد من علامات الاستفهام.
بدوره، قال الخبير في قطاع النفط عامر الشوبكي لـ"العربي الجديد" إن "الفساد الإداري وسوء التخطيط والتعاقد الخاطئ أدت إلى وصول الحكومة إلى التحكيم الدولي وتعريض السمعة الاستثمارية للأردن للتشويه"، مشيرا إلى أن شركة "يوديان" الصينية تمتلك وحدها 45% من المشروع.
وأضاف الشوبكي أن "الحكومة لجأت إلى التحكيم لمواجهة شركة العطارات للطاقة على أرضية الغبن الفاحش، ما يعني إيقاف دخولها إلى النظام الكهربائي لحين صدور قرار التحكيم".
وتابع أن الحكومة ستضطر إلى رفع أسعار الكهرباء على المواطن بنسبة 17%، بعد إدخال هذا المشروع في الشبكة الكهربائية، مطالبا بمراجعة كافة عقود توليد الكهرباء والتي تمت بنفس أسلوب تعاقد شركة العطارات، ومراجعة جميع اتفاقيات الطاقة بشكل كامل لتخفيف الأعباء عن خزينة الدولة.