النزوح بين سورية ولبنان وانقلاب المصطلحات

04 أكتوبر 2024
النزوح من لبنان إلى سورية - 4 أكتوبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت سوريا تدفقًا كبيرًا للنازحين السوريين واللبنانيين، حيث بلغ عدد الوافدين حوالي 287 ألف شخص، مع تقديم الحكومة تسهيلات كبيرة لاستقبالهم وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية.
- استقبلت الحكومة النازحين في مراكز إيواء ومواقع سياحية، مع توفير مساكن للإيجار، وأكدت على أهمية المصالحة وتقديم الدعم اللازم للعائدين.
- أثرت موجة النزوح على الاقتصاد السوري بارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود، مع تحذيرات من كارثة إنسانية إذا لم تُتخذ خطوات عاجلة لتحسين الخدمات وضبط الأسواق.

وسط اهتمام حكومي ومع تقديم خدمات كاملة، بلغ عدد النازحين السوريين واللبنانيين الداخلين إلى الأراضي السورية عبر المنافذ الرسمية حوالي 287 ألف وافد حتى صباح اليوم الجمعة، توزع معظمهم على المحافظات الرئيسية حمص وطرطوس ودمشق وريفها، بينما توجه العديد من العائدين السوريين إلى محافظاتهم ومنازل أقاربهم.

وفي آخر تصريحات لها، أكدت إدارة الجمارك السورية عبور نحو 75 ألف وافد لبناني و212 ألف وافد سوري، فيما غصت المعابر بالوافدين منذ بداية الإعلان عن اجتياح بري للجنوب اللبناني، ليلة 30 سبتمبر/أيلول، وبالتزامن مع ارتفاع وتيرة العدوان الجوي وتوسعه ليطاول مناطق مختلفة من لبنان.

معظم السوريين العائدين وصلوا إلى مناطقهم وقطنوا لدى أقارب لهم، أملاً بنهاية قريبة للعدوان، بينما توزع اللبنانيون بين مراكز إيواء هيأتها اللجنة العليا للإغاثة في معظم المحافظات السورية، ومواقع سياحية في اللاذقية والسيدة زينب بدمشق، وفق ظروف إقامة لا تزال وفق الحد المناسب لتأمين الاحتياجات الإغاثية الرئيسية. واتجه العدد الأكبر للإقامة في منازل معدة للإيجار أو خالية بسبب هجرة سكانها، مثل أحياء السبيل والعباسية بمدينة حمص، ومناطق القصير بريفها وأبو الفداء والسنديانة والطوافرة في محافظة حماة، والسيدة زينب وحجيرة والزاهرة القديمة وغيرها في ريف دمشق.

ويقول أحد الوافدين اللبنانيين إلى منطقة السيدة زينب بدمشق لـ"العربي الجديد" إن معظم العائلات الوافدة من لبنان حضرت إلى سورية بسياراتها الخاصة، ووجدت الكثير من التسهيلات، وكان أهمها السماح بدخول السيارات الخاصة لقاء تأمين إلزامي يعادل 6.5 دولارات، وللسيارات الكبيرة حوالي 20 دولارا. وأضاف: "علمنا منذ وصولنا إلى الحدود أن كافة المشافي العامة تستقبل اللبنانيين كما تستقبل السوريين، وكذلك المدارس، وهذا أمر جيد. أما نحن الوافدين فنأمل أن تنتهي هذه الأزمة قريباً ونعود إلى بلدنا لأن معظمنا حتى الآن حضر بما يملك من مال ولجأ إلى منازل وفنادق خاصة، املأ بالعودة قبل أن نضطر للجوء إلى مراكز الإيواء".

وتحدثت إحدى العائلات الوافدة إلى مركز الحجيرة بريف دمشق لـ"العربي الجديد"، فقالت إنهم انتقلوا من أحد مراكز الإيواء في لبنان وعبروا بعد ساعات تجاوزت العشرين على الحدود السورية، مشيرة إلى أنهم منذ الساعات الأولى لاحظوا الاستقبال اللافت والعناية والاهتمام وصولاً إلى مركز الإقامة. وقالت: "بكل تأكيد لا شيء يعادل المنزل ولكن أقر بأن الحكومة والمنظمات أمنوا لنا الخدمات الرئيسية والمواد الضرورية للإقامة، متمنين أن نكون ضيوفا وليس نازحين".

الحكومة السورية، ربما وجدت الفرصة المناسبة للمصالحة مع جزء من شعبها العائد من لبنان، بعد رفض وإعاقة لطريق العودة داما لسنوات تحت ذريعة تهيئة الظروف المناسبة، فاستقبلت السوريين كما اللبنانيين، وسهلت أعمال نقلهم إلى محافظاتهم وإغاثتهم. وأكد عدنان ناعسة عضو لجنة الإغاثة بحمص توفير خدمات نقل للعائدين السوريين من حمص إلى محافظاتهم، وتقديم المساعدات الإغاثية لهم إسوة بإخوتهم الوافدين اللبنانيين. وأشار إلى أن الطواقم الطبية ومنظمة الهلال الأحمر ومنظمات المجتمع الأهلي موجودة على معابر حمص الثلاثة، الدبوسية وجوسية وجسر قمار، طوال الوقت لتقديم الخدمات الصحية والإغاثية اللازمة ونقل الوافدين إلى الداخل.

وتحدث أحد العائدين السوريين من أهالي دير الزور لـ"العربي الحديد" فقال: "نعم هناك تسهيلات وأهمها ما صدر أخيراً بتوقف مرسوم تصريف 100 دولار على الحدود، ولكن جميع العائدين السوريين هم ممن ما زالت منازلهم صالحة للسكن ولهم أقارب في أماكن السكن، بالاضافة الى وضعهم القانوني والأمني في البلد، فلا عائد سورياً مطلوب بقضية أو للخدمة العسكرية، او حتى في سن الخدمة، ومع ذلك انتظر الجميع لأكثر من يوم بعد الأحداث حتى حصلوا على تأكيد وضمان لوضعهم، فيما جميع النازحين السوريين في لبنان، فاقدون لمنازلهم ويخشون من أي مطالبات أمنية وكذلك أبناء المناطق الشمالية ما زالوا يبيتون بسياراتهم الخاصة منذ أيام في قلب العاصمة بيروت، ولم يخصص لهم أي مركز إيواء في لبنان".

وفي هذا الوقت، كان وزير السياحة محمد رامي مارتيني يجول على بعض العائلات الوافدة من لبنان في منطقة السيدة زينب ويطمئن على أوضاعهم في أماكن إقامتهم، بعدما قدمت بعض الفنادق في المنطقة تخفيضات أسعار للوافدين قاربت 60%.

تداعيات النزوح على واقع الحال السوري

شهدت الأسواق السورية انتعاشاً في مبيعات المواد الغذائية والخضر والفواكه قابله ارتفاع يومي في الأسعار، وصل في بعضها لنسب في الزيادة تجاوزت 15% خلال يومين، حيث شهدت أسعار بعض المواد كالبطاطا والبندورة (الطماطم) والبيض، وجميع أنواع المعلبات ارتفاعات لم يتجاوزها سوى أسعار المحروقات في الأسواق الحرة وأجور السكن والمواصلات.

ويقول الاقتصادي "كمال العزام" لـ"العربي الجديد": "نحن في سورية نعيش أزمات كبيرة في قطاع الخدمات العامة، مثل الكهرباء والماء والوقود، وفي قطاعات الصحة والتعليم وغيرها، في الوقت الذي لم تسعَ الحكومات السابقة لوضع خطة أو العمل علي إيقاف هذا الانهيار الذي يتدحرج ككرة الثلج، وأبقت البلاد معلقة على احتمالات استنزاف المواطن والمغتربين والحفاظ على المهاجرين خارج البلد كعائد مادي وعملة صعبة لصالح البلد". وأضاف: "أما اليوم فالأزمات المعيشية ستزداد عسراً، والحكومة تستعرض خدماتها عبر الإعلام دون دراية بمآلات هذا النزوح السوري اللبناني، الذي قد يسبب استمراره انفجارا لا تُحمد عقباه.

وتشير التقديرات الأولية إلى دخول 50 ألف أسرة و12 ألف سيارة لبنانية، فيما تشير التوقعات إلى تضاعف هذه الأرقام خلال الأيام القليلة القادمة، في الوقت الذي تشهد فيه البلاد أزمة وقود طاولت وسائل النقل، ورافقها ارتفاع بأسعار الوقود، خاصة في الأسواق الحرة التي يعتمد عليها معظم السوريين، حيث وصل سعر ليتر البنزين الحر إلى 28 ألف ليرة، بزيادة 6 آلاف خلال أيام، وكذلك المازوت والغاز، وهذا بمجمله انعكس على أجور وسائل النقل الخاصة، في إشارة واضحة إلى اقتراب أزمة النزوح من التحقق على أرض الواقع.

ويقول عماد الشامي، وهو مواطن سوري، لـ"العربي الجديد"، إن الأزمة ليست بالعائدين أو الوافدين، فهم لا يشكلون إلا جزءا بسيطاً جداً من أعداد المهجرين السوريين في العالم، ومن ضمنه لبنان، ولكن الأزمة في الحكومة، التي لم تفكر أو تسعَ لعودة السوريين، بل وضعت كل العراقيل في طريق عودتهم وابتزت العالم بهم.

وأضاف: "ما أراه اليوم هو مورد رزق جديد لهذه السلطات يبدأ بابتزاز منظمات الإغاثة الدولية ولا ينتهي عند المكاسب السياسية. وإذا لم تسارع هذه الحكومة باتخاذ اجراءات تبدأ من وقف الفساد وترميم الخدمات الرئيسية وتأمين الاحتياجات الرئيسية، وضبط الأسواق الموازية، فنحن مُقبلون على كارثة إنسانية تستدعي وضع كل المناطق السورية تحت مسمى المنكوبة".

المساهمون