بات المواطن في حيرة شديدة داخل معظم دول المنطقة العربية، يضرب أخماسا بأسداس من دون أن يصل إلى نتيجة محددة بشأن حاضره ومستقبله ولو بنسبة بسيطة، بات مثلا لا يعرف نهاية وتوقيتا محددا لموجة غلاء أسعار السلع والخدمات، والتي بدأت منذ سنوات ولا تتوقف.
ومتى ينتهى مسلسل التضخم وتهاوي العملة وإهدار المال العام، ومتى يكون قادرا على تلبية الحد الأدنى من احتياجاته الأساسية، المتعلقة بالمأكل والمشرب والمسكن والتداوي والتعليم.
يتلقى مجرد وعود من الحكومات أقرب إلى الأوهام بقرب انتهاء أزمة الغلاء الفاحش ووضع حد لتآكل مدخراته، لكن المواطن لا يجد دليلا واحدا ملموسا على ذلك، كلام وراء كلام، لا يجد حلا أو حتى طاقة نور في نهاية النفق المظلم.
يتلقى المواطن مجرد وعود من الحكومات أقرب إلى الأوهام بقرب انتهاء أزمة الغلاء الفاحش ووضع حد لتآكل مدخراته، لكنه لا يجد دليلا واحدا على ذلك
كل ما يجده هذا المواطن المغلوب على أمره هو مجرد سراب ووعود من قبل كبار المسؤولين لا تمت للواقع بصلة، وتصريحات وبيانات رسمية بعيدة عن الواقع وربما ليست فيها ذرة من الحقيقة، ومحاولات متواصلة لإلقاء الأزمات الحالية على الغير والخارج.
فمرة يُربط الغلاء بحرب أوكرانيا التي وضعت قيودا على تصدير الحبوب الروسية والأوكرانية، ومرة بقفزة التضخم العالمي خاصة لسلع رئيسية مثل النفط والغاز والمواد الخام والسلع الوسيطة، رغم أن ما رصدناه مؤخرا هو حدوث تراجع في أسعار القمح والذرة والزيوت وغيرها من السلع الرئيسية على مستوى العالم، وفقا للتقارير الحديثة الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة " فاو".
دائما ما تضع الحكومات والأنظمة العربية المواطن في "خانة اليك" وفي حيرة شديدة وخيارات كلها صعبة وضيقة كـ"خرم الأبرة".
فالمواطن مخير بين السكوت عن قرارات زيادة الأسعار والضرائب والرسوم والاستدانة الداخلية والخارجية، والتلويح بتعثر الدولة وتوقفها عن سداد أعباء الديون الخارجية، وهو ما يدخل الدولة في فوضى مالية وتعثر مالي ونفق مظلم لا نهاية له، كما يقول محسوبون على السلطات الحاكمة ووسائل الإعلام.
وإما يُربط بين تفادي دخول الدولة في حرب أهلية كما حدث في سورية واليمن وليبيا والعراق، وتوجيه موارد الدولة لزيادة الإنفاق العسكري ومواجهة المليشيات المسلحة كما يحدث حاليا في السودان وقبلها دول عربية أخرى، أو أن يجوع المواطن الفقير ليحيا أصحاب الأموال الأجنبية الساخنة وناهبو المال العام.
المواطن تحول إلى أسير حرب في المنطقة، أسير لقرارات سيادية مفروضة عليه ولم يجرى التشاور معه بشأنها، أسير لموازنة ونفقات عامة تغترف من جيبه
في كل الأحوال، فإن المواطن مغلوب على أمره، فهو لم يُستشر عندما توسعت الحكومات في الاقتراض الخارجي بدرجة مفرطة، ولم تعرض عليه البرامج التقشفية التي تعهدت السلطات لصندوق النقد الدولي بتنفيذها، ولم تتفاوض معه بشأن كيفية إنفاق حصيلة الضرائب والرسوم التي يجرى جمعها من المنبع في مشروعات كبرى لا تمثل أولوية.
حتى موارد الدولة المحدودة التي توجه لتمويل شراء الغذاء والأدوية، بات يقتطع جزء منها لتمويل حرب أهلية أطلق شرارتها الفرقاء والمتنازعون على السلطة، وليس المواطن السوداني أو اليمني أو السوري أو الليبي.
ببساطة، المواطن تحول إلى أسير حرب في المنطقة العربية، أسير لقرارات سيادية مفروضة عليه ولم يجرى التشاور معه بشأنها، أسير لموازنة ونفقات عامة تغترف من جيبه "المخروم" ودخله المحدود، أسير لمشروعات يستفيد منها حفنة قليلة من الناس.
أسير لمعدلات نمو كاذبة وخادعة تخدم الأثرياء وتفرم الفقراء، أسير يأكل ما يقذف إليه من غذاء حتى لو كان ضارا بالصحة العامة، يتناول دواء من إنتاج مصانع بير السلم، وقمح مسرطن.
أسرى الحرب لهم حقوق كما تنص الأعراف الدولية، فهل للمواطن العربي حقوق أصلا حتى مجرد الشكوى من الغلاء والمعيشة الصعبة؟