تعيش المؤسسة العسكرية في لبنان تحت وطأة التقشف والأزمة الاقتصادية في ظل العدوان الإسرائيلي على الجنوب، وسط معاناة الجنود من العديد من الصعوبات المعيشية مع فقدانهم قيمة مداخيلهم بسبب انهيار قيمة العملة.
وبرزت دعوات خارجية لتعزيز قدرات الجيش اللبناني في ظلّ التصعيد الأمني على الحدود مع فلسطين المحتلة، أبرزها كان من فرنسا مع إعلان وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان ليكورنو قبل أيّام أنّ بلاده سترسل عشرات المركبات المدرعة في إطار دعم المؤسسة العسكرية.
ويتعاون الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل في جنوب لبنان في إطار تنفيذ القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 2006 والذي وضع "حداً للقتال بين لبنان وإسرائيل" إبان حرب يوليو/ تموز، وتحظى المؤسسة العسكرية بإشادات دولية بدورها في الحفاظ على أمن واستقرار لبنان رغم محدودية الموارد وتخفيض ميزانيتها ربطاً بالأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد منذ أواخر عام 2019.
وأثرت الأزمة الاقتصادية على مؤسسات الدولة كافة، ضمنها الأمنية والعسكرية، فتآكلت رواتب الجنود والضباط، وضربت قدرتهم الشرائية، وقلّصت الخدمات التي تقدّم لهم، وطاولت حتى نوعية الغذاء وجودته ونوعه الذي يقدم لهم، فغابت في فترات كثيرة اللحوم عن وجباتهم، إضافة إلى شمول الأزمة النواحي اللوجستية، من محروقات، وصيانة آليات، وغيرها من العمليات التي لم تقو المؤسسة على القيام بها، مع تراجع إمكاناتها المالية.
ويقول مصدر عسكري لـ"العربي الجديد"، إن "مليارات الدولارات تقدّم ضمن مساعدات عسكرية أميركية للجيش اللبناني، وتزيد وتيرة المساعدات له من الدول المانحة، سواء من بريطانيا أو فرنسا أو كندا أو إيطاليا، وروسيا والصين، وغيرها من الدول إلى جانب دول عربية بينها قطر، والسعودية، وهي أساس للحفاظ على استمرارية المؤسسة وأدائها مهامها. وتشمل المساعدات، معدات، وأعتدة عسكرية، وخدمات الصيانة والدورات التدريبية لتطوير الكفاءات، والأدوية والغذاء وغيرها".
في السياق، يقول الباحث في "الدولية للمعلومات" (شركة دراسات وأبحاث علمية مستقلة)، محمد شمس الدين، لـ"العربي الجديد"، إن ميزانية الدفاع بلغت في العام 2023، 20838 مليار ليرة، أما في العام 2024 فقد بلغت 39307 مليارات ليرة، والنفقات تشمل بالدرجة الأولى الرواتب والأجور والتعويضات الاجتماعية.
ويبلغ سعر الدولار حوالي 90 ألف ليرة، ومن المتوقع ارتفاعه أيضاً خلال الفترة المقبلة. ولوحظ في السنوات الأخيرة ولا سيما بين عامي 2019 و2021 تراجع في الموازنات المخصصة سواء للتجهيز العسكري أو الصيانة والتقديمات الاجتماعية بنسب تفوق الثمانين في المائة، الأمر الذي دفع قيادة الجيش إلى الإعلان عن حاجتها الملحة للدعم من الدول الصديقة والمانحة.
في الإطار، يقول المحلل الاقتصادي علي نور الدين لـ"العربي الجديد"، إن "هناك نفقات مُخصَّصة للمؤسسة العسكرية في الموازنة العامة للدولة اللبنانية لكنها بغالبيتها الساحقة نفقات تشغيلية، ترتكز على رواتب وأجور الضباط والجنود، والمواد الغذائية، والمحروقات، ومتطلبات تشغيل وصيانة الآليات العسكرية، وبعض الذخائر الخفيفة، ومصاريف أخرى".
ويشير نور الدين إلى أن "نسبة قليلة جداً من الإنفاق تذهب باتجاه التجهيز العسكري ولا سيما في الأربع سنوات الأخيرة ربطاً بالأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد والتي انعكست على موازنة الجيش والخدمات والتقديمات التي كان يستفيد منها، علماً أن التجهيز يعتمد بالدرجة الأكبر على المساعدات، أولاً من الولايات المتحدة الأميركية، ثم بريطانيا، وفرنسا، ودول الناتو بشكل أقلّ".
أيضاً يلفت نور الدين إلى أن "المؤسسة العسكرية أصلاً تعاني نتيجة الانهيار النقدي، وهي ليست فقط عاجزة عن الانفاق على مستوى التجهيز العسكري، بل كذلك، تواجه مشاكل على صعيد تصحيح الرواتب والأجور، وتلبية حاجاتها الأساسية، وقد تلقت مساعدات في هذا الإطار، منها قطرية، شملت الديزل والبنزين، مع نفاد مخزون الجيش من المحروقات، إضافة إلى دعم رواتب عناصر الجيش في إطار الهبة المالية القطرية".
من ناحية ثانية، يشير الكاتب الاقتصادي اللبناني إلى أن لبنان وضمن القرار السياسي في البلاد، لا يعتمد على الجيش بحالة المواجهة المباشرة مع إسرائيل، إنما على حزب الله، ولم يكن هناك أي رهان جدي على الجيش اللبناني بهذا الإطار. ويذكر نور الدين، أن الجيش اللبناني رغم أنه خاض حرباً مع تنظيم داعش وجماعات إرهابية، بيد أنه ليس منظماً أو مُجهزاً بالمعدات اللازمة، لخوض حرب مع جيش نظامي، يملك ترسانة أسلحة جوية وبرية قوية.
إلى جانب ذلك، يقول نور الدين هناك عوامل لا تسمح للجيش اللبناني بالذهاب بعيداً في المواجهة، أبرزها، أنه مستفيدٌ أساسيٌّ من المساعدات الغربية الدولية، ولا سيما الأميركية، البريطانية والفرنسية، ما يجعل هامش المناورة لديه أضيق، كما أنّ نوعية الأسلحة التي تُعطى له لا تمنحه القدرة على كسر توازن الردع مع الاحتلال.