تبدي الحكومة المغربية رغبة كبيرة في تقليص التحفيزات الجبائية (الضريبية) التي تُمنح لبعض القطاعات وتعويضها بدعم مباشر على أساس دفتر تحملات يلزم فيه المستفيد بتحقيق قيمة مضافة اقتصادية وتوفير فرص عمل.
ويأتي الحديث عن تقليص تلك الإعفاءات في وقت تراجعت فيه الإيرادات الجبائية بفعل الأزمة الصحية، بينما يشتد الضغط على الدولة من أجل الزيادة في الإنفاق على قطاعات الصحة والتعليم.
وتأخذ النفقات الجبائية شكل إعفاءات وتحفيزات استثناءً للقاعدة الجبائية، حيث تتخلى الدولة عن جزء من إيراداتها من أجل دعم قطاع إنتاجي أو فئة من الملزمين، غير أن ثمة من يعتبرها مساساً بقانون حرية المنافسة، حيث تستفيد قطاعات على حساب قطاعات أخرى استراتيجية.
ويشير تقرير لوزارة الاقتصاد والمالية حول النفقات الجبائية، بمناسبة عرض مشروع قانون المالية (الموازنة) على البرلمان إلى أنه بعد تقييم 259 تدبيراً من بين 306 تدابير لها علاقة بتلك الإعفاءات والاستثناءات، تجلى أن قيمتها في العام الماضي بلغت حوالى 3.2 مليارات دولار في العام الحالي، مقابل 3 مليارات دولار في العام الذي قبله.
ويتجلى أن الأنشطة العقارية تستفيد من 22 في المائة من الامتيازات والاستثناءات والإعفاءات الجبائية، بينما تمثل تلك الموجهة لدعم القدرة الشرائية نسبة 19.4 في المائة. ويبدو أن التحفيزات ذات الأبعاد الاقتصادية تستفيد من 54.7 في المائة من النفقات الجبائية، وفق البيانات الرسمية.
وكشفت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح علوي، في مؤتمر دولي حول المالية العمومية في القرن الواحد والعشرين، الذي عُقد يومي الجمعة والسبت الماضيين بالرباط، عن التوجه نحو تقليص التحفيزات الجبائية، وتعويضها بالدعم المباشر المقدم من قبل الدولة، الذي سيُربط بتحقيق أهداف محددة سلفاً. وقالت الوزيرة المغربية، في المؤتمر المنظم من قبل الخزانة العامة للمملكة وجمعية المؤسسة الدولية للمالية العمومية، إنه يجري الانكباب حالياً على دراسة النفقات الجبائية، التي تمثل الإعفاءات والتحفيزات والاستثناءات الجبائية الممنوحة لبعض الملزمين، وتحديد كيفية تقييمها بهدف اتخذ التدابير الملائمة.
وليست هذه المرة الأولى التي يثار فيها موضوع الإعفاءات والتحفيزات الجبائية، إذ دأب خبراء على تأكيد ضرورة تقييم الآثار الإيجابية والسلبية للنفقات الجبائية، مؤكدين أن منحها يجب أن يخضع لشروط مسبقة، حيث يفترض أن تكون لفترة زمنية، ومدرجة ضمن عقد برنامج يتضمن التزامات من قبل الدولة والملزمين المستفيدين والعمل على وضع آلية للتقييم.
ويعتبر الاقتصادي المغربي، إدريس الفينا، أن النفقات الجبائية أو التحفيزات أو الإعفاءات يراد منها تشجيع الاستثمار والاستهلاك، وهو ما يسمح للدولة بعدم البحث عن تمويلات إضافية، موضحاً أن الدولة عندما تمنح تحفيزات للمستثمرين في العقار والأسر، من أجل شراء السكن.
ويذهب الفينا في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أنه عندما ينظر إلى بنية تلك التحفيزات، حسب التقرير الأخير، يتجلى أن الأسر تستفيد من 1.5 مليار دولار، ما يشجع على الاستهلاك، بينما آل للشركات 1.4 مليار دولار بهدف تحفيز الاستثمار المحدث لفرص العمل. ويتصور الاقتصادي المغربي أنه لا يجب النظر إلى التحفيزات من زاوية سلبية، بل يفترض التعاطي معها كأداة لتشجيع الاستثمار والاستهلاك وإحداث فرص العمل، ويقلص تدخل الدولة في تلك المجالات.
ولاحظ أمين الخزينة العامة للمملكة، نور الدين بنسودة، في تقديمه لمؤتمر الجباية الذي اختتم أعماله، أول من أمس، أن معدل نمو الإيرادات الجبائية تراجع بين 2010 و2020، مقارنة بالمستوى المسجل بين 2005 و2008، مشيراً إلى أن تلك الإيرادات كانت سالبة في 2013 و2020، رغم التدابير المتخذة من أجل تنمية إيرادات النظام الجبائي.
واعتبر أن من بين العوامل المفسرة لتراجع مردودية الجبائية، اللجوء منذ 2010 إلى منح تحفيزات ضريبية لبعض القطاعات، وتشتت التدابير، عبر تطبيق بعض المعدلات التناسبية لفائدة بعض الإيرادات والتغيير المتواصل لمعدلات الضريبة على الشركات.
وسبق للخازن العام للمملكة، أن اعتبر أن التحفيزات الجبائية تؤدي إلى تركيز الضغط الجبائي على عدد قليل من الملزمين، بينما ذهب وزير المالية الأسبق، محمد برادة، بمناسبة مؤتمر الجباية قبل عامين، إلى أن منح تحفيزات وإعفاءات لفائدة الاستثمار في العقارات، دفع إلى الانصراف عن الصناعة من قبل مستثمرين صناعيين تحولوا إلى الاستثمارات في العقارات، بحثاً عن تحقيق إيرادات وهوامش أرباح مهمة.