المغرب: قلق من الغلاء والبطالة رغم الانتعاش الاقتصادي

13 يناير 2022
تتزايد شكاوى الأسر من ارتفاع أسعار السلع (Getty)
+ الخط -

رغم انتعاش الاقتصاد المغربي في العام الماضي، بعد انكماش العام قبل الماضي، لم تكفّ الأسر عن بعث رسائل متشائمة للحكومة حول قدرتها الشرائية وتصورها لتطور البطالة وقدرتها على الادخار، هذا في الوقت الذي سعت الحكومة إلى دعم النشاط الاقتصادي بموازاة السعي لمحاصرة عجز الموازنة في ظلّ ارتفاع المديونية.

تشير آخر التوقعات التي كشف عنها بنك المغرب أخيراً، إلى أنّ نمو الناتج الإجمالي المحلي قفز إلى 6.7 في المائة في العام الماضي، مدفوعاً بمحصول قياسي من الحبوب، بعد انكماش وصل إلى 6.3 في المائة العام قبل الماضي.

ويفترض أن يساعد معدل النمو الذي حققه المغرب، على محو آثار الأزمة الصحية على الاقتصاد المغربي، الذي يرتقب أن يتراوح معدل النمو في العام الحالي بين 2.9 و3.2 في المائة.

وتذهب مديرية الدراسات والتوقعات المالية، في تقرير لها، إلى أنّ الانتعاش الاقتصادي في العام الماضي تجاوز التوقعات، إذ تؤكد أنّه ستتم استعادة 99.5 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي لعام 2019.

مخاطر تتربص بالانتعاش

ويبقى تحسن النشاط الاقتصادي في البلاد رهيناً بحالة عدم اليقين الناجمة عن الوضعية الصحية على الصعيدين الوطني والدولي، والتدابير التي يتخذها أو سيتخذها المغرب تشديداً أو تخفيفاً، حسب بنك المغرب (البنك المركزي).

وتعتبر مديرية الدراسات والتوقعات المالية، أنّه إذا كان الانتعاش حقيقة، فإنّ المخاطر التي تحيط به يمكن أن تكبح هذه الميزة، حيث تتمثل تلك المخاطر في تحور الفيروس، وتأثير ارتباك سلسلة التوريد على الإنتاج الصناعي وارتفاع أسعار المواد الأولية.

وقد أفضى ارتفاع أسعار المواد الأولية والبترول إلى المساهمة في اتساع العجز التجاري في العام الماضي إلى حوالي 17 مليار دولار، رغم كونه يفسر في جزء منه عودة استيراد المدخلات والآليات التي يتطلبها الانتعاش الاقتصادي.

تضخم وقلق الأسر

تغذي المخاطر المرتبطة بأسعار المواد الأولية التضخم الذي يتجه إلى الارتفاع ليقفز إلى 2.2 في المائة، حسب توقعات البنك المركزي أخيراً، والذي يرى أنّ التضخم يبقى في مستويات متحكم فيها. الباحث في العلوم السياسية، طارق بوتقي، يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ تمثل الأسر للأسعار وقدرتها الشرائية يعكس نوعاً من القلق، خصوصاً في ظلّ تأثر إيراداتها بالأزمة الصحية.

ويسجل بوتقي أنّ القلق لم يأتِ في العام الماضي بسبب المواد الغذائية والوقود التي زادت أسعارها، بل له علاقة كذلك بطبيعة السوق التي تعرف وسطاء يتدخلون للنفخ في الأسعار ما يوسع هوامش أرباحها، ما دفع إلى تدخل الحكومة عبر لجنة الأسعار بهدف تتبع وضعية السوق.

ويرى أنّ النظر لا يجب أن يكون فقط إلى ما يشكل الانشغال اليومي بالأسعار المتمثل في تأمين الغذاء، بل يجب الانتباه إلى أنّ القدرة الشرائية للأسر تأثرت أكثر بسبب تحملها نفقات لها علاقة بالصحة وتعليم الأبناء، ما يساهم في الضغط على قدرتها الشرائية في ظلّ تراجع الإيرادات.

بطالة وهشاشة فرص العمل

ولم تسلم فرص العمل في السياق الحالي من تأثيرات الوضعية التي خلفها الفيروس. في انتظار بيانات نهاية عام 2021، استقر معدل البطالة في حدود 11.8 في المائة في الربع الثالث من العام الماضي، كي تطاول 1.14 مليون شخص حسب المندوبية السامية للتخطيط (حكومية)، التي تؤكد أنّ معدل البطالة يصل إلى مستويات جد مرتفعة بين الشباب.

غير أنّ الخبير في القطاع الزراعي، محمد الهاكش، يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ معدل البطالة العام كان يمكن أن يقفز إلى مستويات جد مرتفعة، لو لم تشر أرقام المندوبية إلى انخفاضه في الأرياف من 6.8 إلى 5.2 في المائة، مشيراً إلى أنّ هذا المعدل لا يعكس حقيقة البطالة والتشغيل في تلك المناطق.

ويرى أنّ البيانات التي تقدمها المندوبية السامية للتخطيط، حول البطالة في الأرياف، لا يمكن أن تخفي حجم الشغل غير المؤدى عنه والشغل الناقص، الناجم عن هشاشة فرص العمل في الأرياف أكثر من المدن، علماً أنّ حجم الشغل الناقص يطاول حوالي 950 ألف شخص.

ويتجلى أنّ هشاشة فرص العمل ترتبط بالقطاعات التي عانت من تداعيات الأزمة الصحية، إذ أفضى تحول الفيروس إلى فقدان فرص عمل في قطاع السياحة، كما أدت المراوحة بين الإغلاق وإجازة النشاط، إلى عدم استقرار وضعية بعض العاملين في أنشطة خدماتية وتجارية.

عجز وضغط جبائي

وإذا كانت الإيرادات العادية للميزانية ارتفعت في ظل زيادات تلك المتأتية من الجباية، فإن ذلك قابلته زيادة في الإنفاق بنسبة 9.3 في المائة العام الماضي، خصوصاً في ظلّ ارتفاع نفقات الدعم بنسبة 44.5 في المائة، إذ يتوقع أن يصل عجز الميزانية إلى 6.9 في المائة عام 2021، قبل أن ينخفض إلى 6.3 في المائة في العام الحالي.

الخبير في القطاع الزراعي، محمد الهاكش، يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ معدل البطالة العام كان يمكن أن يقفز إلى مستويات جد مرتفعة، لو لم تشر أرقام المندوبية إلى انخفاضه في الأرياف من 6.8 إلى 5.2 في المائة

ويؤكد الخبير الجبائي، محمد الرهج، لـ"العربي الجديد" أنّ اللجوء إلى الاستدانة أكثر في العامين الأخيرين، مردّه إلى عدم توازن المساهمات بين الرأسمال والدخل عبر الجباية في دعم إيرادات الدولة، في ظلّ عدم تفعيل الإصلاح الجبائي قبل الجائحة.

ويرى أنّ ذلك يفضي في الظرفية الحالية إلى تحمل الضغط الجبائي من قبل عدد محدود من الشركات والأجراء والموظفين، زيادة على تشديد الضغط على القدرة الشرائية عبر الضريبة الداخلية التي تصيب الاستهلاك، وهو ما يتجلى في موازنة العام الجديد.

المساهمون