استمع إلى الملخص
- الغارات الإسرائيلية استهدفت معابر حيوية مثل "المصنع"، مما أدى لقطع الطريق بين بيروت ودمشق، وتأثرت حركة البضائع والنازحين وارتفعت أسعار المواد المهربة.
- الحكومة اللبنانية شددت الإجراءات الأمنية على المعابر، لكن الأزمة زادت الأعباء الاقتصادية وتهدد بارتفاع أسعار المشتقات النفطية مع اقتراب الشتاء.
لا يكتفي العدوان الإسرائيلي بالتدمير الممنهج للاقتصاد اللبناني، بل يسعى جاهداً من جهة لتقطيع أواصر البلد الداخلية، ومن جهة أُخرى للضغط أكثر من خلال التهديد بقطع المعابر الحدودية التي تشكل الآن فرصة لعشرات آلاف النازحين اللبنانيين والسوريين من لبنان إلى سورية هرباً من الغارات المتوحشة المستمرة بلا هوادة. فما هي هذه الحدود وما أهميتها بالنسبة للاقتصادين السوري واللبناني اللذين يعانيان إما من عقوبات أميركية وغربية قاسية بالنسبة للأول أو من أزمة مالية ومعيشية خانقة نتيجة الفساد والهدر وغياب الإصلاح بالنسبة للثاني؟
تربط لبنان وسورية ستة معابر شرعية، أهمها على الإطلاق المعبر الرئيسي المعروف باسم "المصنع" من الجانب اللبناني و"جديدة يابوس" من الجانب السوري، والذي قصفته غارة إسرائيلية، ليل الخميس ــ الجمعة، وقطعته بالاتجاهين، وهو يربط بيروت بدمشق، ويقع بين بلدة جديدة يابوس في ريف دمشق الجنوبي الغربي ونقطة المصنع اللبنانية في محافظة البقاع. والثاني معبر "الدبوسية"، الذي يربط قريتي "العبودية" اللبنانية و"الدبوسية" السورية، ويناهز طوله 45 متراً. ثم معبر "الجوسية"، الذي يُعد بوابة بين البقاع الشمالي من خلال بلدة "القاع" من جهة وبلدة القصير في ريف حمص، ويصفه البعض بأنه "رئة لبنان" الأساسية نظراً لأهميته في تبادل المنتجات الزراعية خصوصاً.
أما رابع المعابر فهو معبر "تلكلخ" الذي يربط بلدة تلكلخ في ريف حمص بمنطقة "وادي خالد"، أقصى شمال لبنان، ثم معبر "العريضة" الرابط بين قريتين تحملان الاسم نفسه، الأولى في محافظة طرابلس اللبنانية والثانية في محافظة طرطوس السورية. أما المعبر السادس فهو "مطربا"، الذي ضربته غارات العدوان الإسرائيلي أكثر من مرة مانعةً إعادة فتحه، علماً أنه عبارة عن جسر صغير فوق قناة مائية، لكن أهميته الحياتية كبيرة بالنسبة لسكان الجانبين نظراً للتداخل الاجتماعي والاقتصادي في تلك المنطقة.
ومع اشتداد الغارات الإسرائيلية واتساع نطاقها التدميري من أقصى الجنوب إلى أقصى البقاع الشمالي، شكلت معابر المصنع وجوسية والعريضة ممراً لعشرات آلاف العائلات اللبنانية الهاربة من التهديد المتوحش، كما عشرات آلاف العائلات السورية في حركة نزوح معاكسة من لبنان إلى بلدهم الأم. وقد رصدت "العربي الجديد" هذه الحركة الكثيفة في معبر جوسية بأم العين خلال الأيام الماضية، علماً أنه لا يحظى بتغطية إعلامية كما هي الحال بالنسبة لمعبر المصنع.
فالغارة التي شنتها طائرات العدوان الإٍسرائيلي وبترت بقنابلها الطريق المؤدي إلى معبر المصنع، جاء تنفيذها بعد ساعات قليلة من تهديد المتحدث باسم جيش العدو أفيخاي أدرعي، الخميس، باستهداف المعابر المدنية بين البلدين، محذراً الدولة اللبنانية من استخدام "حزب الله" هذه المعابر لنقل الأسلحة، وطالبها بتفتيش صارم للشاحنات، وذلك بعد أسبوع من استهداف عدد من المعابر الأُخرى بهدف قطع الإمدادات عن الحزب، كما تدعي إسرائيل، مشيرة إلى أن الوحدة 4400 التابعة للحزب والمسؤولة عن إمداده بالأسلحة والذخيرة حاولت على مدار الأسبوع الأخير نقلها إلى جبهة جنوب لبنان.
وهذا ما دفع برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الخميس، إلى تأكيد أن الجيش شدد إجراءاته الأمنية على المعابر، لا سيما عند معبر المصنع، موضحاً أنه أوعز للجيش اللبناني والأمن العام بمزيد من التشدد في الإجراءات الأمنية المتخذة على الحدود.
كما نفى وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية مزاعم العدو، مؤكداً في مؤتمر صحافي أن معبر المصنع هو كسائر المعابر الجوية والبرية والبحرية، حيث هناك وجود لكافة الأجهزة الأمنية، وعليه فإن الشاحنات التي تمر عبر المصنع وأي معبر حدودي بين البلدين تخضع للرقابة والتدقيق، مشيراً إلى أن "الشاحنات تقف في ساحة معتمدة من قبل مديرية النقل البري، حيث تخضع البضائع داخل الشاحنات للتدقيق والكشف من قبل الجمارك، ثم تخضع أيضاً إلى كافة الفحوصات من قبل سائر الوزارات المعنية، وبعد نيلها الموافقات من الإدارات المعنية واستيفائها الشروط القانونية وفقاً للقانون، تنتقل بعدها إلى جهاز الأمن العام، للتدقيق والتحقق من عدة أمور، إضافة إلى وجود الجيش اللبناني للتدقيق الأمني".
ولاحظ لبنانيون نازحون إلى سورية الأثر المباشر لمحاولات إسرائيل قطع المعابر بين البلدين، لناحية استفحال غلاء المواد التي يتم تهريبها من لبنان، لا سيما المحروقات، وتحديداً البنزين الذي أصبح سعر صفيحته (20 ليتراً) المهربة في سورية يناهز 30 دولاراً، أي ضعفي سعره في لبنان تقريباً، وكذلك الأمر بالنسبة لقارورة الغاز زنة 14 كيلوغراماً والتي وصل سعرها إلى 31 دولاراً، أي أكثر من ضعفي سعرها في لبنان، حيث يبلغ 10.4 دولارات ووزنها عشرة كيلوغرامات، وفقاً لأحدث لائحة أسعار صادرة عن وزارة الطاقة والمياه، صباح الجمعة، والتي تضمنت زيادة سعر صفيحة البنزين 95 أوكتان 16 ألف ليرة إلى مليون و427 ألفاً، والبنزين 98 أوكتان إلى مليون و467 ألفاً، وسعر المازوت 12 ألفاً إلى مليون و315 ألفاً. (الدولار = 89 ألف ليرة).
ورصدت "العربي الجديد" تزايداً واضحاً بنسب تراوح بين 20% و30% على مختلف البضائع الغذائية والاستهلاكية التي يتم تهريبها من لبنان إلى سورية، لا سيما بعدما استهدفت الغارات الإسرائيلية تكراراً معبر العميرية غير الشرعي في منطقة حوش السيد علي (شمال مدينة الهرمل)، فضلاً عن استهدافها جميع معابر منطقة القصر، ما أدى إلى انقطاع عمليات التهريب نهائياً بشكل خاص مع تركيز العدوان على ضرب كل وسيلة نقل مشكوك فيها، أكانت شاحنات أم "بيك آبات" أو حتى سيارات صغيرة مقفلة، وأشهرها "رينو رابيد". وزادت الطين بلة الغارات على معبر مطربا من الجهة اللبنانية ومحيط الجسر الرئيسي الذي دمرته غارات سابقة.
ويقول أحد بائعي المحروقات المهربة من لبنان إلى سورية لـ"العربي الجديد"، إن المخاوف تتزايد من ارتفاعات كبيرة في أسعار مشتقات النفط إذا ما طالت الأزمة، خاصة مع انطلاق العام الدراسي في سورية وقرب حلول فصل الشتاء، مع ما يصاحبهما من زيادة كبيرة في استهلاك البنزين للنقل والمازوت للنقل والتدفئة، في حين أن المعبر "شبه الشرعي" الوحيد المتبقي على الحدود اللبنانية السورية هو "معبر حرماش"، الذي يتمركز فيه حاجز للجيش اللبناني.