يترقب المصريون إعلان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، غداً الخميس، معدل التضخم عن شهر يوليو/ تموز 2023، بعدما وصل إلى أعلى مستوى على الإطلاق في شهر يونيو/ حزيران الماضي، مع استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية وزيادة الرسوم الحكومية، وذلك وسط مخاوف تعويم جديد للعملة وموجة غلاء.
ويعاني الاقتصاد المصري من التضخم مع تدهور قيمة الجنيه وارتفاع أسعار الدولار والعملات الأجنبية وتآكل القدرة الشرائية للمواطن.
وتشي أسعار السلع الأساسية المكونة لمؤشر أسعار المستهلكين الذي يصدره جهاز التعبئة والإحصاء ويضم 1200 سلعة، يرصدها 200 باحث معلومات من قرابة 11 ألف مواطن بأنحاء الجمهورية؛ بأن رياح التضخم ستواصل بث سمومها على أسعار المستهلكين في ظل استمرار أزمة سيولة عميقة وفشل الحكومة في بيع الأصول العامة الملتزمة بها مع صندوق النقد الدولي، وشح العملة الأجنبية وعدم القدرة على تمويل شراء السلع واحتياجات الموردين.
ويدفع التضخم الأزمة الاقتصادية للوقوع في دائرة مغلقة، مستمرة منذ عامين، إذ زادت حدتها منذ يناير/ كانون الثاني الماضي لتدفع الاقتصاد إلى التباطؤ والشركات إلى البقاء في حفرة الركود وترفع معدلات الفقر والبطالة.
حالة تشاؤم بين مستثمرين وسياسيين وخبراء دعوا إلى وقفة حاسمة مع الحكومة، لفشلها في السيطرة على الغلاء والتدهور الاقتصادي في ظل أزمة صنعتها بأيديها
معدلات التضخم في يوليو سترتفع
وأظهرت استطلاعات للرأي أجرتها مؤسسات مالية وإعلامية دولية، مع مستثمرين وخبراء محليين، أن معدلات التضخم خلال شهر يوليو/تموز الماضي ستشهد ارتفاعاً عما آلت إليه في يونيو/ حزيران الماضي، بمعدلات تصل إلى واحد في المائة، بينما ترتفع خلال سبتمبر/ أيلول بمعدل 2% لتواصل الصعود في أكتوبر/ تشرين الأول بنسبة 3%، على أساس شهري لتبلغ ما بين 43 و45% مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني على أساس سنوي.
ورصد مراسل "العربي الجديد" في القاهرة حالة من التشاؤم، بين مستثمرين وسياسيين وخبراء، الذين دعوا إلى "وقفة حاسمة مع الحكومة، لفشلها في السيطرة على الغلاء والتدهور الاقتصادي في ظل أزمة صنعتها بأيديها، أثرت على معيشة المواطنين وأطفأت نور الأمل أمام الشباب بغد مشرق".
ووصف نائب رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين، حسن الشافعي، أزمة التضخم المتصاعدة، بأنها الدائرة المغلقة التي وقعت بها البلاد، في ظل تراجع الإنتاج والصادرات وعدم قدرة الاقتصاد على توليد موارد بالدولار، وبالتالي زيادة الفجوة بين المصروفات وايرادات الدولة التي تصل إلى 20 مليار دولار سنوياً، وقد ترتفع إلى 25 مليار دولار عام 2024 وسط عدم اتباع سياسات اقتصادية واضحة تهتم بالتنمية الاقتصادية ورفع معدلات النمو.
وقال الشافعي لـ"العربي الجديد" إن "التضخم سيظل قائماً ويتصاعد، طالما ارتضينا البقاء في حفرته العميقة دون اتخاذ إجراءات عملية للخروج منها والاعتماد على مشورة العلماء وخبرة الخبراء والابتعاد عن " الفهلوة" وإقامة مشروعات غير مدروسة".
ويقود التضخم إلى صدمات بارتفاع السلع المستوردة والمحلية، كما يرسم صورة قاتمة للاقتصاد تشل قدرة الشركات على رفع مستوى الإنتاجية مع زيادة الركود في الطلب، وبالتالي تحد من قدرتهم على مواجهة الزيادة في تكاليف الإنتاج، وتحقيق أرباح تعوض الحد الأدنى من معدلات التضخم بالسعر الأساسي، والتي بلغت 41%، كما تشل كذلك قدرة المستهلكين على توفير احتياجاتهم الأساسية من السلع والخدمات.
مستويات قياسية بمعدلات التضخم بأسعار المستهلكين قد تصل لـ45%
وتوقع اقتصاديون ارتفاع معدلات التضخم بأسعار المستهلكين، خلال الربع الأخير لعام 2023، لمستويات قياسية جديدة، تصل إلى 45%، مدفوعة بزيادة أسعار الحبوب والأعلاف والوقود والكهرباء والنقل واستمرار التراجع بقيمة الجنيه مع صعود السعر الرسمي للدولار، وتراجع صافي تحويلات المغتربين والصادرات البترولية والسلعية، وذلك وسط عدم قدرة الحكومة على التحكم في مسار عوائد قطاع السياحة، والبنوك والمؤسسات الرسمية، رغم تعافيه خلال الأشهر الماضية.
توقعت لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي أن تصل معدلات التضخم الأساسي إلى ذروتها، خلال نصف العام الحالي، قبل أن تعاود الانخفاض، مدعومة باستمرار السياسات النقدية المشددة، بينما يحمل محللون تلك السياسات جزءاً كبيراً من زيادة معدلات التضخم، لعدم تلازمها مع إعادة هيكلة اقتصادية شاملة، تدفع النمو وتعتمد على برامج تنمية اقتصادية وتخفض النفقات على مشروعات غير إنتاجية، أهدرت الحكومة عليها أغلب القروض الأجنبية والمحلية التي تقدر بنحو 6 تريليونات جنيه.
توقعات بزيادة التضخم مدفوعاً بارتفاع أسعار الحبوب والأعلاف والوقود والكهرباء والنقل واستمرار تراجع الجنيه
وشهدت أسعار الورق والكتب الخارجية قفزات تخطت 50% عن معدلات العام الماضي، متأثرة بزيادة تكلفة مستلزمات الطباعة من الورق والأحبار وقطع غيار الماكينات.
ويؤكد أعضاء بالغرفة التجارية بالقاهرة أن الزيادة في الأسعار تعود إلى عدم قدرة الموردين على تدبير الدولار مع زيادة تكاليف الشحن وأسعار الورق عالمياً.
وتأثرت أسعار الأعلاف بندرة عمليات الإفراج عن الواردات من الحبوب وفول الصويا والذرة بما يمثل 50% من احتياجات المزارع شهرياً.
وأعلن سيد القصير وزير الزراعة في بيان صحافي الإفراج عن 378 ألف طن من الذرة وفول الصويا خلال الأسبوعين الماضي، بقيمة 183 مليون دولار، بينما بلغت احتياجات مزارع الدواجن والمواشي نحو 600 ألف طن من الذرة و500 ألف طن من فول الصويا و200 ألف طن من الأعلاف شهرياً، وفقاً لتقديرات روابط منتجي الدواجن واللحوم.
نقص حاد في الأدوية
ويدفع النقص الحاد في الأدوية المستوردة إلى رفع الأسعار للمنتجات بالصيدليات، وفقاً لأسعار الدولار وانتشار وسائل البيع عبر مراكز تسويق غير رسمية عبر الانترنت لبيع الأدوية بأسعار هائلة، وفقاً لندرة الدواء وحجم الطلب. وتشمل قائمة الأدوية الشحيحة، أمراض القلب والأورام السرطانية والغدد ومعدات الطوارئ بالمستشفيات.
وارتفعت أسعار السيارات وقطع الغيار مع تراجع الاستيراد بنسبة 80% وتوقفت أغلب المصانع المحلية عن تجميع السيارات محلياً، لصعوبات تدبير الدولار وشراء مستلزمات الإنتاج من الخارج، وفقاً لتقارير رابطة موزعي السيارات "أمك".
ويرجع محللون توقعاتهم باستمرار موجات التضخم، إلى استمرار نقص المواد الخام اللازمة لعمليات الإنتاج التي قد تؤدي إلى نقص المعروض من السلع والتشدد في عمليات الاستيراد وشح النقد الأجنبي وصعوبة تدبير الدولار وزيادة أسعار الوقود وتباطؤ الإفراج عن السلع المستوردة وارتفاع معدلات الفائدة بالبنوك.
ارتفعت أسعار السيارات وقطع الغيار مع تراجع الاستيراد بنسبة 80% وتوقفت أغلب المصانع المحلية عن تجميع السيارات محلياً
وسجل جهاز التعبئة والإحصاءات زيادة بالموجات التضخمية الحادة، اعتباراً من يناير/كانون الثاني من العام الجاري 2023، مع تراجع بقيمة الجنيه افقدته نحو 50% من قيمته أمام الدولارليتراجع منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي من مستوى 18 جنيهاً مقابل الدولار إلى 31 جنيهاً ليصل إلى 39 جنيهاً بالسوق السوداء.
ويرتفع التضخم شهرياً بمعدلات تتراوح ما بين واحد إلى 2% على أساس سنوي، وفقاً لبيانات جهاز التعبئة والاحصاء، وجاءت القفزات القياسية، بالحضر من 32.7 %مايو/ أيار 2023، ليبلغ أعلى مستوياته التاريخية في يونيو/ حزيران الماضي، وبنسبة 34.5% بالحضر و37.3% بأنحاء البلاد، متجاوزاً المعدلات التاريخية المسجلة عام 2017، التي أعقبت تعويم الأول للجنيه عام 2016.
وبلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة" الفاو" لأسعار الأغذية 123.9 نقطة في يوليو/ تموز 2023، بزيادة 1.5 نقطة، عن مستواه في يونيو/ حزيران الماضي، مع بقائه دون المستوى المسجل في يوليو/تموز 2022، متأثراً بزيادة طفيفة بأسعار الزيوت النباتية والقمح مع شكوك بعدم القدرة على التصدير من أوكرانيا، وانخفاض ملحوظ في مؤشر أسعار السكر والحبوب ومنتجات الألبان واللحوم.
الجنيه نخو انخفاض جديد خلال أسابيع
وفي ذات الصدد، توقع بنك الاستثمار الأميركي "مورغان ستانلي"، انخفاضاً جديداً بالجنيه، خلال الأسابيع المقبلة، مع تنفيذ الحكومة لطلبات لجنة المراجعة الثانية لصندوق النقد الدولي بتحقيق مرونة كاملة بسعر الصرف للجنيه مقابل الدولار والعملات الصعبة، سعياً للحصول على القسط الثاني من قرض إجماليه 3 مليارات دولار، خلال 46 شهراً وشهادة صلاحية للاقتصاد تسمح للحكومة بطلب قروض عاجلة من الأسواق الدولية.
وتواجه الحكومة مخاطر صعوبة الحصول على التمويل خلال الأيام المقبلة، بمراجعة "موديز" للتصنيف الائتماني للاقتصاد، وبروز مخاوف وضع تصنيف إصدارات مصر بالعملتين الأجنبية والمحلية، عند B3 بدلاً من B2 الذي هبطت إليها في مايو/ أيار الماضي، بما يعكس المخاطر المتزايدة للسيولة السيادية والقدرة على تحمل الديون.
وخفض صندوق النقد والبنك الدوليين توقعاتهما للنمو للاقتصاد المصري بنسبة تصل إلى واحد بالمئة ليظل عند 4% في العام الجاري 2023، وسط التضخم المتصاعد، الذي أصبح مألوفاً لدى المصريين منذ عام 2016، يصحبه تراجعاً للقوة الشرائية للمستهلكين والشركات، كنتيجة حتمية لتراجع قيمة الجنيه وارتفاع أسعار الوقود والتشديد النقدي.
ويعتبر البنك الدولي مصر من بين أكثر الدول، تأثراً بموجة التضخم بأسعار السلع الغذائية، جعلها سادس أعلى دولة في العالم في يوليو/تموز الماضي، عندما ارتفعت معدلات التضخم إلى 37.3%، بينما كانت 16% لنفس الفترة عام 2022.
وفي محاولة لمواجهة شح العملة الصعبة اللازمة لاستيراد السلع الأساسية ودفع المواطنين على توجيه حصيلة الدولار المتراكمة لديهم إلى البنوك الرسمية، وافق البنك المركزي للبنوك على إصدار شهادات إيداع ذات العائد بالدولار، يصل عائدها إلى 9%، وصفها خبراء بأنها محاولة انتحارية، حيث لا يوجد مشروع إنتاجي قادر على توليد هذا العائد، المطلوب سداده للمودعين.