المشكلة الكافيّة

27 فبراير 2022
مأساة الغزو الروسي ترفع من البؤس في أوكرانيا (getty)
+ الخط -

اليوم هو الثلاثاء، حيث أخطّ المسودة الأولى لمقالتي الأسبوعية التي تنشر يوم الخميس من كل أسبوع في صحيفة "العربي الجديد" الغرّاء. وقد لفت نظري أن العالم يعاني، هذا الثاني والعشرون من الشهر الثاني من العام 2022، من مشكلتين أساسيتين، جائحة كورونا ومتحوراتها، وأزمة أوكرانيا.

ولو وسَّعنا إطار المشكلات العالمية لوصلنا إلى كوريا الشمالية التي تجري اختبارات متتالية على صواريخ تحمل رؤوساً نووية، ولكن يبدو أن جهود رئيسها كيم جونغ أون للفت الانتباه إليه لم تنجح.
وما يميز كلاً من أزمتي كورونا وأوكرانيا ليس التجانس في حروفهما فحسب، ولكن لأن حرف الكاف في كليهما يأخذ السبق، وهو الأبرز في حروف الكلمتين. ومن الطرائف أن حرف الكاف يحمل رقم 22 من بين الأحرف الأبجدية باللغة العربية.

ولزيادة التشويق، فإن حرف الكاف مشتق كما يقولون صورة وكتابة من شكل كف اليد. ولكن اليد هي إحدى مصادر القراءة لدى المنجّمين. ولذلك، لا نبتعد كثيراً عن الحقيقة، إذا خرجنا باصطلاح "المشكلة الكافية" خلال العام الجاري 2022.
وقد وصلت القلوب إلى الحناجر يوم الأحد قبل الماضي، حين وصلت التصريحات النارّية للمسؤولين الغربيين والمسؤولين الروس سقوفاً عالية، أكّد فيها الرئيس الأميركي، جو بايدن، أن روسيا على وشك غزو أوكرانيا، وهو ما حدث بالفعل، في وقتٍ اتهم فيه الروس القوات الأوكرانية بإطلاق النار على القسم المنشقّ في أوكرانيا (دونباس)، والذي تسكنه أكثرية من أصول روسية.
ولكن لما تضافر عنصر ارتفاع حالات "أوميكرون" مع اشتداد الأزمة الأوكرانية، وباتت الحرب هي الخيار الحتمي لمآلات التحشيد والتجييش، طلع علينا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ليبلغ الدنيا أن الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين، والأميركي جو بايدن، قد اتفقا على عقد قمة ثنائية في أوروبا من أجل احتواء احتمالات الحرب، وهذه القمة لم تحدث بسبب غزو روسيا أوكرانيا.

وفي المقابل، هبطت أسعار الأسهم المتداولة في البورصات العالمية وتراجعت قيم الثروة المجسّدة في الأسهم والسندات والأوراق المالية المتداولة في أسواق المال في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار النفط والغاز الطبيعي.

ولكن هذا الأمل لم يدم طويلاً، إذ فوجئنا بتوقيع الرئيس فلاديمير بوتين قرارا يعترف فيه باستقلال مقاطعتين انفصاليتين شرقي أوكرانيا هما دونيتسك ولوغانسك، ويعيش فيهما مقيمون روس بحجّة حمايتهم، وبعدها قرر غزو أوكرانيا. وهكذا انقلبت الطاولة وتبخّر الأمل في احتمال عقد قمة بين الرئيسين الروسي والأميركي.

دعونا نسير في هذا الحوار قليلاً، يوم الخميس الماضي، حيث كان من المفروض أن يجتمع وزير خارجية الولايات المتحدة، أنتوني بلينكن، مع وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، وكان يتوقع أن يلعب كل دوره المعهود، وأن يتصرّف الوزير الروسي لافروف على أنه الأكثر خبرة ودراية من نظيره الأميركي بلينكن. أما الأخير، فكان يتوقع أن يسعى إلى تبديد الوهم أن منظره، شخصا متواضع البنية مصفوف الشعر بدقّة وناعم الصوت، قادر على أن يقول كلاماً فيه تهديد ووعيد. ولكن كليهما يعلمان أن اجتماعهما يجب ألا يفشل، هذا إن حصل، وأنهما يجب أن يتفقا على خطوط رئيسية يتفاهم عليها رئيساهما. وعلى المحللين ألا يقعوا في فخّ الحكم على قرب الحرب، عندما تستمر الألفاظ والمصطلحات تهدّد بالويل والثبور.
ولكن الأمور لن تقف عند هذا الحد. فالجانبان، الأميركي والروسي، وحلفاؤهما لن يتورّطا بحرب، وإن فعلا، فسوف تكون الحرب محدودة ومحسوبة. ولكن السؤال الأهم: هل سينتهي التنافس الضار بين الكتلتين في غياب احتمال الحرب؟ أم أن هذا الغليان سيأخذ أشكالاً أخرى، وأهمها الحروب الاقتصادية، والمقاطعات، والحصارات، والاصطفافات، والطاقة (خصوصا الغاز الطبيعي) وغيرها؟

الغاز الروسي مهم جداً لأوروبا حيث يوفر للقارة 40% من احتياجاتها، ولكن ماذا يحصل إذا اتفقت دول الخليج مع إيران على بيع مزيد من الغاز لأوروبا؟ وماذا يمكن أن يكون أثر حربٍ كهذه على مستقبل استخراج الغاز وتصديره في البحر المتوسط؟ هل ستعود بعض الدول الأوروبية (كما تخطّط فرنسا) لتوليد الكهرباء عن طريق الطاقة النووية؟
هنالك مدارس في ألمانيا تقول إن الطاقة النووية ليست قذرة، بل هي مصدر طاقة نظيفة. هل نحن مقبلون، ولمدة ثلاثة عقود، على توليد الكهرباء من مصادر الغاز والطاقة النووية؟ ماذا لو وقعت اتفاقية نووية بين إيران والغرب، وسمح لإيران بأن تشغل مفاعلات نووية سلمية لتوليد الكهرباء، وتصدّر في المقابل غازها إلى أوروبا؟ هل هذا السيناريو ممكن؟
وهل بحث الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، هذا الملف في أثناء زيارته خلال الأسبوع الماضي دولة قطر للمشاركة في المنتدى الدولي لمصدري الغاز ولقائه بأميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني؟

تتطوّر الأمور نحو مواجهات اقتصادية دولية. والهدف، في نهاية المطاف، من كل المحاولات الغربية ليس أوكرانيا، ولكن الهدف الأساسي هو روسيا نفسها. وماذا سيقول الروس لأنفسهم عندما يحلّلون بعمق الموقف الصيني من المواجهة الروسية مع الغرب؟

يرى العالم خلال هذا العام الكافيّ بامتياز بداية تحولاتٍ شديدةٍ في خريطة القوى الدولية. والناس الذين يعتقدون أن روسيا ستشهد بعد بوتين، إن لم يكن خلال حكمه، تحولاً واضحاً نحو الغرب قد يكونون على صواب. الكل يريد روسيا حليفاً وليس شريكاً. وهذا ينطبق على الصين وعلى الولايات المتحدة.

المساهمون