- الاتحاد الأوروبي يُظهر كرماً غير مسبوق تجاه الدول العربية بتقديم مساعدات بمليارات الدولارات رغم الأزمات المالية الشديدة التي يعاني منها، مما يثير التساؤلات حول الدوافع الحقيقية لهذه المساعدات.
- الأهداف المُعلنة للمساعدات تتنوع من دعم الاقتصادات العربية إلى وقف موجات الهجرة غير الشرعية، لكن تُثار تساؤلات حول إمكانية أن تكون هذه المساعدات مكافآت لمواقف سياسية تخدم مصالح الاتحاد الأوروبي.
قيل في الأمثال الشعبية إن "الحداية مابتحدفش كتاكيت"، أي أن الحداية، وهي أنثى الغراب، لا تتوقع منها الكرم والعطاء، بل السطو على حاجات الغير وخطف ما في أيدي الآخرين، فهل نتوقع من الحداية مثلا العطاء ونظافة اليد وهي أصلا طائر يأكل حتى الجيف الميتة. وإذا ألقت شيئا فإن هدفها في النهاية هو الخداع واصطياد شيء أثمن. فما قصة المساعدات الأوروبية المليارية للدول العربية؟
لا أعرف لماذا تذكرت هذا المثل وأنا أتابع الأخبار المتتالية عن كرم الاتحاد الأوروبي الشديد مع الدول العربية الواقعة جنوب وشرق البحر المتوسط، والأموال والمنح والمساعدات الضخمة التي يوزعها على العديد من تلك الدول هذه الأيام وبشكل متسارع.
المفت هنا إنه يحدث ذلك رغم أن دول الاتحاد تعاني من أزمات مالية وهروب للأموال والاستثمار الأجنبي بسبب حرب أوكرانيا والتضخم المرتفع وتداعيات العقوبات الغربية القاسية بحق الاقتصاد الروسي وقطاعه النفطي، وقبلها بسبب تداعيات جائحة كورونا، بل إن الاقتصادات الكبرى داخل الاتحاد، ومنها الألماني والفرنسي والبريطاني، تواجه أزمات دفعت بعضها إلى الدخول في حالة ركود وربما كساد.
الاتحاد الأوروبي، الذي سطا لسنوات على ثروات الشعوب العربية والأفريقية أثناء فترات الاحتلال، أصبح اليوم كريما لدرجة أن كرمه بات حاتميا ومبالغا فيه
الاتحاد الأوروبي، الذي سطا لسنوات طويلة على ثروات الشعوب العربية والأفريقية أثناء فترات الاحتلال الطويلة، أصبح اليوم كريما لدرجة أن كرمه بات حاتميا ومبالغا فيه، حيث أعلن عن تقديم المساعدات الأوروبية والمنح والقروض والاستثمارات بمبالغ تناهز قيمتها 10 مليارات دولار للدول العربية المطلة على البحر المتوسط ومنها مصر وتونس والأردن ولبنان والمغرب.
فيوم أمس الخميس، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أوسولا فون ديرلاين، عن حزمة مالية بقيمة مليار يورو للبنان في إطار دعم الاقتصاد والتصدّي لأزمة اللاجئين السوريين.
وقبل أيام خصصت المفوضية، 68 مليون يورو في صورة المساعدات الأوروبية الإنسانية للفلسطينيين في غزة والمنطقة. كما ستقدم المفوضية 125 مليون يورو مساعدات إنسانية للشعب الفلسطيني في عام 2024.
ويوم 17 مارس/آذار الماضي أعلن الاتحاد الأوروبي عن تقديم مساعدات لمصر بقيمة 7.4 مليارات يورو، أي ما يعادل نحو 8 مليارات دولار، على مدى 4 أعوام في مجالات عدة، تشمل قروضا واستثمارات وتعاونا في ملفي الهجرة إلى أوروبا ومكافحة الإرهاب.
كما أعلن البنك الدولي عن تقديم 6 مليارات دولار لمصر على مدى 3 سنوات، في حين أعلنت بريطانيا عن تقديم دعم لمصر بقيمة 400 مليون دولار في إطار خطة إنقاذ دولية للاقتصاد تجاوزت قيمتها 58 مليار دولار.
ويوم 5 مارس الماضي، أعلن الاتحاد عن صرف تمويل لتونس على شكل هبة مالية بقيمة 150 مليون يورو لدعم ميزانية الدولة وبرامج الإصلاحات الحكومية، وجاءت تلك الأموال في الوقت الذي تعصف فيه أزمة مالية حادة بتونس قد تقذف بها إلى خانة التعثر وربما الإفلاس.
بعد مصر وتونس وموريتانيا التي وقع معها الاتحاد الأوروبي اتفاقيات شراكة شاملة، تحضّر بروكسل لتوقيع اتفاقية مماثلة مع المغرب
وأعلن الاتحاد الأوروبي يوم 7 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عن تقديم مساعدات جديدة للأردن تزيد عن 900 مليون يورو.
وبعد مصر وتونس وموريتانيا التي وقع معها الاتحاد الأوروبي اتفاقيات شراكة شاملة تعهد من خلالها بتقديم حزمة مساعدات مالية لمكافحة الهجرة غير النظامية، تحضّر بروكسل لتوقيع اتفاقية مماثلة مع المغرب.
علما أن المفوضية الأوروبية اعتمدت بالفعل برنامج مساعدة لدعم المغرب بقيمة 177 مليون يورو في جهود إعادة الإعمار الشامل والتأهيل للمناطق المنكوبة من الزلزال المدمر الذي ضرب المملكة في 8 سبتمبر/أيلول 2023.
السؤال: ما هو سر تدفق تلك المساعدات الأوروبية بالمليارات على خزائن بعض البلدان العربية في الوقت الذي تعاني فيه دول القارة من أزمة مالية وقفزات في أسعار السلع والخدمات وغلاء تكلفة المعيشة؟
هل الهدف هو مساعدة تلك الدول في وقف موجة الهجرة غير المشروعة التي تخشاها دول القارة سواء من دول جنوب المتوسط أو من القارة الأفريقية أو من سورية ولبنان ودول القلاقل في المنطقة؟
أم أن الهدف هو مساندة اقتصادات تلك الدول التي تواجه أزمات مالية ومعيشية حادة لأسباب منها ما هو خارجي مثل حربي غزة وأوكرانيا، ومنها ما هو داخلي مثل سفه الاقتراض الخارجي والمحلي وإهدار المال العام؟
ما هو سر تدفق المليارات الأوروبية على خزائن بلدان عربية في الوقت الذي تعاني فيه دول القارة من أزمة مالية وقفزات في أسعار السلع والخدمات وغلاء تكلفة المعيشة؟
أم أن المليارات الممنوحة باسم المساعدات الأوروبية من الاتحاد هي عبارة عن مكافأة على مشاركة بعض تلك الدول المتلقية للمح والمساعدات في فرض حصار خانق على أهالي غزة، وهو ما يخدم إسرائيل في حربها المجنونة على القطاع؟
أم لأن حكومات بعض الدول العربية خلصت الغرب من بعض الملفات المزعجة التي كانت تؤرقه في السنوات الماضية ومنها ملف تيار الإسلام السياسي وتكرار ثورات الربيع العربي؟
شخصيا، لا أمتلك الإجابة.