تتصاعد المخاوف من إعلان قمة القادة الأوروبيين التي تنعقد يومي الخميس والجمعة، عقوبات على أشخاص أو شركات تركية، ما من شأنه أن يؤثر، بحسب مراقبين، على سعر صرف الليرة وتدفق الاستثمارات المباشرة إلى تركيا.
وشهدت الساعات الأخيرة جملة من الاتصالات والمساعي لتقليل حدة التوتر التركي الفرنسي واليوناني، آخرها بحسب دائرة الاتصالات في الرئاسة التركية، محادثات الرئيس رجب طيب أردوغان اليوم الأربعاء، مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين و الأمين العام لحلف شمال الأطلسي الـ"ناتو"، ينس ستولتنبرغ.
يأتي ذلك بعد القمة الثلاثية التي عقدها الرئيس التركي مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الاتحاد الأوروبي شارل ميشيل والاتصال مع الرئيس الفرنسي، الذي رآه مراقبون، تأكيداً لتراجع فرض عقوبات وتشديداً على الحوار لحل الخلافات حول التنقيب شرقي المتوسط.
لكن التصميم التركي حيال ما تراه أنقرة حقوقها وحقوق قبرص التركية شرقي المتوسط، يزيد من احتمال فرض عقوبات، ولو جزئية، بعد أن فُرضت أول من أمس، عقوبات على شركة "أوراسيا" وتجميد أصولها في أوروبا.
وتزداد المخاوف والترقب في تركيا من عقوبات أو تصعيد أوروبي، ستزيد من التباطؤ والتضخم ويدفع أنقرة أكثر إلى تعزيز العلاقات مع روسيا الاتحادية، فضلاً عن عرقلة حجم التبادل التجاري الذي يزيد على 200 مليار يورو. وتتطلع تركيا والاتحاد الأوروبي، بعد تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي عام 2018، إلى إيصال حجم التبادل إلى 500 مليار يورو سنوياً.
ويقول المحلل التركي سمير صالحة: "الأرجح أن لا يستجيب قادة دول الاتحاد الأوروبي لرغبات فرنسا واليونان وتحريضهما، وإن صدرت عقوبات، فستكون محدودة جداً لئلا يُقطَع الحوار والتفاوض المستمر حتى اليوم، لأن استجابة الاتحاد الأوروبي لمخططات فرنسا سيعطيها فرصة للتصعيد المستمر وفرض نفسها على المشهد، خاصة بواقع التحرش الفرنسي، سواء بالعراق أو ليبيا، أو حتى سباقها لمساعٍ تركية بلبنان".
وحول نوع العقوبات، إن فُرضت، والرد التركي، يضيف صالحة لـ"العربي الجديد": "قد تصدر عقوبات لها علاقة بأشخاص أو شركات وسفن التنقيب، لكنها ستبقى بسيطة، وأغلبها تقني، ولن يكون لها أي تأثير، سواء على الاقتصاد التركي الداخلي أو بشأن عمليات التنقيب وحماية حقوق ومصالح تركيا وقبرص التركية شرق المتوسط".
ولم يستبعد المحلل التركي أن يكون رد بلاده مباشراً على الصعيد الاقتصادي والتنقيب خاصة، فيما لو صعّدت فرنسا وساندها الاتحاد الأوروبي بقرارات وعقوبات، معتبراً أن كل ما سبق القمة الأوروبية من تصعيد وتسريبات وربما قرارات محدودة، إنما الهدف منه إرسال رسالة إلى تركيا لتغيّر أسلوبها وخططها في ملف شرق المتوسط وعلاقتها باليونان.
ويختم الأكاديمي التركي صالحة، بأن رد تركيا سيكون موازياً لقرارات قمة القادة الأوروبيين، وفي حال التصعيد، فإن تركيا سترسل مزيداً من السفن وتزيد من عمليات التنقيب والتنسيق مع قبرص التركية، غير مستبعد الإسراع بفتح أبواب مرعش في مدينة غازي ماغوصة المعلقة منذ عام 1974...
بالمقابل، يرى مراقبون أن العقوبات التي يمكن أن تصدر غداً الخميس، لن تقتصر على أشخاص، بل ستمتد إلى الشركات المساهمة في التنقيب عن الغاز وإغلاق الموانئ الأوروبية في وجهها وحرمانها قطع الغيار، غير مستبعدين عقوبات على المصارف الممولة للمؤسسات المشاركة في التنقيب.
ويرجح هؤلاء أن تلك العقوبات ستكون مرحلية، إذ يمكن بعدها، بناءً على الرد التركي، فرض عقوبات على قطاعات اقتصادية بأكملها والإعلان رسمياً عن إنهاء مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد، هذه المفاوضات التي تسير ببطء شديد أصلاً.
ويرى المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو، أن فرض عقوبات أوروبية على تركيا، هو بمثابة قطع الغصن الذي يقفون عليه، لذا يتوقع عدم الإقدام على فرض عقوبات، لأسباب عدّدها بأن دول الاتحاد ليست على قلب واحد، ولن تمرّ العقوبات من دون إجماع، بل الصراع اليوم داخل أروقة الاتحاد، بين فرنسا الضاغطة لإصدار عقوبات وألمانيا الداعية إلى الحوار والتهدئة.
يشير إلى أن ألمانيا التي تستثمر بعشرات المليارات في تركيا، وآخرها استثمارات شركة سيمنس، وهي خامس أكبر شريك لتركيا، لن تسمح بتوتر العلاقات.
ويضيف كاتب أوغلو لـ"العربي الجديد" أن تركيا لن تقف مكتوفة الأيدي بحال التصعيد وفرض عقوبات، ويكفي برأيه الإشارة إلى السلع التركية الرخيصة بأوروبا وقطع المجال الجوي أمام قطاع الطيران الخاسر جراء كورونا أصلاً، فضلاً عن أن لبلاده خيارات وبدائل كثيرة للسوق الأوروبية.
ولم يستبعد المحلل التركي أن ترمي بلاده، بحال صدور عقوبات أوروبية، بورقة الهجرة غير الشرعية، التي ستنهك الاتحاد الأوروبي اقتصادياً، بل يمكن أن تُسقط حكومات.
وحول الآثار على العملة التركية التي تشهد تراجعاً بالأصل، يختم المحلل التركي بقوله إنه سيكون هناك تأثير سلبي على الليرة، وقد يتراجع سعرها، ولكن إلى أجل قصير، كذلك لا يمكن النظر إلى تراجع العملة بالمنظار السلبي على الدوام، فتركيا تستفيد من التضخم بزيادة الصادرات وقدرة السلع التنافسية.
ويذكر أن حجم التبادل التجاري التركي مع دول الاتحاد الأوروبي تعدى 200 مليار يورو العام الماضي، وتضاعف أربع مرات منذ تأسيس الاتحاد الجمركي بين الجانبين عام 1995.
وكانت حصة الاستثمارات الأوروبية المباشرة في تركيا، بحسب البنك المركزي التركي، 2.3 مليار دولار العام الماضي، من أصل 4.28 مليارات جذبتها تركيا خلال النصف الأول من العام الماضي.