المخاوف الجيوسياسية تقض مضاجع البنوك المركزية والصناديق السيادية

05 اغسطس 2024
اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، 16 يناير 2024 (فابريس كوفريني/ فرانس برس)
+ الخط -

يساور قلق كبير صانعي سياسة البنوك المركزية والصناديق السيادية نتيجة المخاوف الجيوسياسية المتصاعدة في الشرق الأوسط والتي باتت تهدد بحرب إقليمية أوسع نطاقاً، امتداداً للعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة والاغتيالات التي نفذها الاحتلال في لبنان وطهران.

ووفقاً لمسح جديد كشف عنه "المنتدى الاقتصادي العالمي" اليوم الاثنين، تجاوزت المخاوف الجيوسياسية التضخم باعتباره عامل خطر أساسياً للبنوك المركزية وصناديق الثروة السيادية، حيث تبيّن أن 53% من البنوك المركزية تخطط لزيادة الاحتياطيات، في حين تهدف 52% إلى تنويع الحيازات.

ويشير تقرير "المخاطر العالمية" الصادر عن "المنتدى الاقتصادي العالمي" لعام 2024 إلى نظرة متشائمة، حيث يتوقع أكثر من 60% من المستطلعين أوقاتاً عاصفة أو مضطربة خلال الأعوام العشرة القادمة، علماً أن التقرير استند إلى دراسة جديدة أجرتها شركة إدارة الأصول "إنفيسكو" (Invesco)، وهي تعكس الاتجاهات الموضحة في دراسة إدارة الأصول السيادية العالمية لعام 2024، وتظهر عالماً أكثر تعقيداً وحالة عدم يقين بالنسبة للبنوك المركزية وصناديق الثروة السيادية.

ويرى 83% من المشاركين أن التوترات الجيوسياسية تشكل الخطر الرئيسي الذي يهدد النمو الاقتصادي العالمي في العام المقبل، متجاوزة بذلك المخاوف بشأن ارتفاع التضخم وتشديد السياسة النقدية (73%). وبالنظر إلى العقد المقبل، يرى 86% من المشاركين أن التفتت الجيوسياسي المتزايد والحمائية يشكلان التهديد الأشد أهمية على المدى الطويل.

ويخلص الاستطلاع إلى أن الصراعات المستمرة في أوكرانيا والشرق الأوسط والتوترات بين القوى الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين، وعدم اليقين المحيط بنتائج العديد من الانتخابات في عام 2024، كلها عوامل تدفع هذا التركيز المتزايد على المخاطر الجيوسياسية.

لكن كيف تستعد البنوك المركزية والمؤسسات المالية للمخاطر؟

واستجابة لهذه التحديات، تعمل البنوك المركزية على تعزيز وتنويع احتياطياتها. كما يخطط أكثر من نصفها (53%) لزيادة حجم احتياطياته خلال العامين المقبلين، في حين تعتزم 52% تنويع حيازاتها بشكل أكبر. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى خلق حاجز ضد الصدمات المحتملة وضمان الموارد الكافية للتدخل في حالة حدوث اضطرابات في السوق.

وتسلط دراسة "إنفيسكو" الضوء أيضاً على التحوّل المتزايد نحو الذهب وأصول الأسواق الناشئة وسيلةً للتنويع للبنوك المركزية وصناديق الثروة السيادية. وقد أدى التحصين المحتمل لاحتياطيات البنوك المركزية إلى جعل الذهب أكثر جاذبية لـ56% من المستجيبين، في حين من المتوقع أن تزيد المخصصات للأسواق الناشئة بشكل كبير على مدى السنوات الخمس المقبلة.

يخطط 53% من البنوك المركزية لزيادة احتياطياتها خلال العامين المقبلين، في حين يعتزم 52% تنويع حيازاتهم بشكل أكبر

ومع تكيف المستثمرين السياديين مع هذا المشهد المتغير، تعكس استراتيجياتهم توازناً دقيقاً بين إدارة المخاطر الجيوسياسية المباشرة ووضع أنفسهم للاستقرار والنمو على المدى الطويل في عالم متعدد الأقطاب بشكل متزايد، وفقاً لتقرير "المنتدى الاقتصادي العالمي".

لا حل سريعاً لحالة الغموض المحيطة بالاقتصاد العالمي؟

هذا ومن المرجح أن يستمر عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي الناجم عن التوترات الجيوسياسية في المستقبل. فقد أبرز تقرير المخاطر العالمية الصادر عن "المنتدى الاقتصادي العالمي" لسنة 2024 أن ثلثي المستجيبين لاستطلاع إدراك المخاطر العالمية لهذا العام يعتقدون أن "النظام متعدد الأقطاب سوف يهيمن في السنوات العشر المقبلة، حيث تضع القوى المتوسطة والعظمى القواعد والمعايير الحالية وتنفذها".

ومن نتائج الاستطلاع أن 54% من المشاركين في الدراسة يتوقعون درجة من عدم الاستقرار والخطر المعتدل من الكوارث العالمية على مدى العامين المقبلين، كما يتوقع 30% آخرون ظروفاً أكثر اضطراباً في الفترة نفسها. وبالنظر إلى الأفق الزمني الممتد لعشر سنوات، فإن التوقعات تصبح أكثر تشاؤماً بشكل ملحوظ، حيث يتوقع نحو ثلثي المشاركين ظروفاً عاصفة أو مضطربة.

هل من الممكن إعادة الاستقرار لعالم غير مستقر؟

وإضافة إلى تسليط الضوء على التوترات الجيوسياسية والطبيعة الاستقطابية للخطاب السياسي العالمي، يحدد تقرير المخاطر العالمية مجموعة من الاستراتيجيات، من الدولة القومية إلى الفرد، لإعادة العالم إلى نظام أكثر استقراراً. وسيكون التعاون عبر الحدود على نطاق واسع أمراً بالغ الأهمية، بحيث قد يؤدي البديل إلى صراع مسلح بين الدول أو تهديدات أخرى للأمن البشري والازدهار. وإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام الاستثمار والتنظيم المحلي للتخفيف من المخاطر المتوقعة، حيث يلعب القطاعان العام والخاص أدواراً حاسمة، وفقاً للتقرير نفسه.

وفي مواجهة التحديات العالمية، قد تبدو الإجراءات الفردية غير مهمة، بحسب التقرير الذي يشير إلى أن الإجراءات الصغيرة مجتمعة يمكن أن تقلل بشكل كبير من المخاطر العالمية. وهو يتوقع أن يجلب العقد القادم تغييراً غير مسبوق، ما يختبر قدرة العالم على التكيّف. ثم يخلص إلى القول: "ينتظرنا العديد من الاحتمالات المستقبلية، ويمكن لجهودنا الحالية لمعالجة المخاطر العالمية أن تشكل نتيجة أكثر إيجابية".

المساهمون