تعد الزيادة الجديدة في أسعار تذاكر المترو في مصر، والتي أعلن عنها وزير النقل هشام عرفات اليوم، دليلا آخر على كيفية صناعة القرار في البلاد، وكيف أن صدور مثل هذه القرارات الحساسة بات يتسم بالارتباك والتردد والتناقض حتى على مستوى فترة زمنية قصيرة.
كما تكشف الزيادة في أسعار مترو الأنفاق عن عدم مراعاة صانع القرار للأحوال المعيشية لملايين المصريين الذين باتوا يئنون تحت وطأة الغلاء الفاحش والمتواصل للأسعار والذي بات لا يرحم حتى الطبقة المتوسطة، ولا أقول الطبقة الفقيرة والمعدومة المطحونة أصلا.
كما تكشف الزيادة ثالثاً عن أن الأجهزة التنفيذية والوزارات، وحتى الوزراء، ليسوا هم من يرسمون السياسات الاقتصادية أو حتى يشاركون في صنع القرار، وأكبر دليل حالة الارتباك التي سادت بين المصريين حول سعر تذكرة مترو الانفاق الذي يقل نحو 3 ملايين مصري يوميا، وما إذا كانت هناك زيادة جديدة في الأسعار وما هو موعدها، فالتصريحات بهذا الشأن خلال الفترة الماضية كانت متناقضة ما بين النفي المطلق للزيادة ثم التأكيد السريع على الزيادة بعد يومين من تصريحات السيسي التي أكد فيها أن "تذكرة المترو لن تبقى بنفس السعر، أو بضعف ثمنها، أو بثلاثة أضعافها".
كما تكشف الزيادة الجديدة في أسعار تذاكر مترو الأنفاق عن عدم معرفة صانع القرار بما يحدث في الخارج، وضرورة وجود حالة من التقارب والتناغم بين متوسط دخل المواطن في مصر والزيادات المتواصلة في أسعار الخدمات، سواء كهرباء أو مياه أو مرافق عامة مثل مترو أنفاق وقطارات ووسائل نقل عام، إذ لا يجوز إجراء زيادات متواصلة في الأسعار، في الوقت الذي يحدث فيه جمود في الرواتب والدخول منذ سنوات.
وتكشف زيادة سعر تذكرة مترو الأنفاق خامسا عن أن جزءا من المشاركة في صناعة القرار الاقتصادي في مصر تأتي من الخارج وتحديداً من واشنطن، حيث مقر صندوق النقد الدولي، والذي يطالب الحكومة المصرية دوماً برفع الأسعار وخفض الدعم المقدم للسلع الرئيسية دون الأخذ في الاعتبار مدى قدرة المصريين على تحمل هذه الزيادات القاسية.
ومن هنا جاء قرار الحكومة زيادة سعر تذكرة مترو الأنفاق في بداية شهر يوليو/تموز المقبل، ليسبق القرار زيارة بعثة صندوق النقد الدولي التي ستزور البلاد في شهر مايو/أيار المقبل لمراجعة ما تم إنجازه في ما أطلقت عليه الحكومة "برنامج الإصلاح الاقتصادي"، ومناقشة طلب الحكومة الإفراج عن الشريحة الرابعة من قرض الصندوق بقيمة ملياري دولار والتي توقع أحمد كوجك، نائب وزير المالية، يوم السبت، الحصول عليها في يونيو/حزيران أو يوليو المقبلين، وهو ما يكشف في النهاية الكلفة السياسية والاقتصادية التي تتحملها مصر مقابل الحصول على قرض تقل قيمته عن إيرادات قطاع السياحة في عام واحد وذلك قبل سنوات سابقة.
وما يكشف عنه هذا الخلل في صناعة القرار داخل البلاد 3 تصريحات صادرة خلال فترة وجيزة لا تتجاوز يومين بشأن تذاكر مترو الأنفاق، الأول صادر عن لجنة النقل بالبرلمان، يوم السبت 23 ديسمبر/ كانون الأول 2017، ويؤكد فيه أعضاء اللجنة على أنه لا زيادة في أسعار تذاكر المترو، وبعدها يصدر تصريحان متناقضان عن وزير النقل ويتناقضان أصلا مع تصريح اللجنة، حيث أكد الوزير يوم الأحد 24 ديسمبر 2017، أي بعد يوم من تصريح لجنة النقل بالبرلمان، أن زيادة أسعار تذاكر المترو ستتم في شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، والثاني صدر اليوم، الإثنين 25 ديسمبر/كانون الأول 2017، ويعلن فيه الوزير أن زيادة سعر تذاكر المترو ستتم بداية شهر يوليو/تموز وأنها ستصل إلى 6 جنيهات.
نستطيع هنا أن نرصد عشرات التصريحات المتناقضة حول زيادة أسعار تذاكر مترو الأنفاق وهي وسيلة النقل الجماهيرية للمصريين، منها مثلا تصريح لوزير النقل، يوم الإثنين 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، يؤكد فيه أنه لا زيادة في أسعار تذاكر المترو، وقبلها بأسبوع كرر المعنى المتحدث باسم مرفق مترو الأنفاق، والذي أكد أنه لا زيادة جديدة على سعر التذكرة خلال العام المقبل، وأن الزيادة ستتم نهاية العام المقبل 2018 مع افتتاح مترو مصر الجديدة، وأنه سيتم تقسيم الخطوط لـ4 قطاعات.. وأسعارها تراوح بين 2 إلى 4 جنيهات.
في مصر الجديدة بات القرار يصدر من أعلى وعلى الجميع التنفيذ، حدث ذلك في مشروعات كبرى، مثل تفريعة قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة، لا أحد يسأل عن دراسات جدوى اقتصادية لهذه المشروعات، وعن مدى تناسب الكلفة الاستثمارية مع العائد الاقتصادي والربحية المتوقعة، لا أحد يسأل عن مدى تأثير هذه القرارات على الاقتصاد، أو على الأغلبية الساحقة من المصريين.
المهم القرار صدر وعلى الجميع التنفيذ بلا نقاش.