لم يكد متحور أوميكرون يبدأ زيارته غير المرغوب فيها للأراضي الأميركية، حتى توالت الخسائر على أسواق المال بتنوعاتها المختلفة، على الرغم من وضوح توجه الإدارة الأميركية الحالية بعدم اللجوء إلى فرض إغلاق عام أو إجبار المواطنين على البقاء في منازلهم، كما حدث عند ظهور فيروس كوفيد-19 الأول مع بداية العام الماضي، خوفاً من التسبب في حدوث تأثيرات سلبية على معدل النمو الاقتصادي والوظائف، الأمر الذي قد يعمق أزمة تراجع نسب رضاء المواطنين عن أداء الرئيس المنتخب خلال عامه الأول في البيت الأبيض.
وفي أسبوع لم يخل من الأحداث المهمة، شهد استدعاء جيروم باول رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي، وجانيت يلين وزيرة الخزانة، للاستماع إلى رؤيتهما في ما يخص مسار الاقتصاد ومعدلات البطالة والتضخم والأجور في عصر متحورات الفيروس الجديدة، وإعلان باول استعداده للإسراع بتقليص مشتريات البنك الفيدرالي من السندات من السوق الثانوية، تمهيداً للتعجيل برفع معدل الفائدة على أموال البنك، ثم ظهور حالات إصابة بالمتحور الجديد في العديد من الولايات الأميركية، تجاوز عددها خمس عشرة حالة قبل نهاية الأسبوع، شهدت أسواق الأسهم الأميركية موجات بيعية متتالية، تراجعت معها مؤشرات الأسهم الرئيسية بصورة كبيرة، وتسببت في إصابة المتعاملين بما يشبه الهلع، بعد ضياع عشرات وربما مئات المليارات من القيمة السوقية لأسهم الشركات المتداولة.
ورغم اعتياد المستثمرين نهاية عام سعيدة لأغلب الأسهم التي تشكل مؤشر إس آند بي 500 في معظم السنوات السابقة، فقد تراجع المؤشر الأكثر تعبيراً عن السوق الأميركية بنسبة 1.2% من قيمته في ثاني تراجع أسبوعي له، وسجل مؤشر ناسداك الأكثر تأثراً بتوقعات رفع الفائدة خسارة أسبوعية بنسبة 2.6%، جعلت خسارته في آخر أسبوعين هي الأعلى منذ شهر فبراير / شباط الماضي، وواصل مؤشر داو جونز الصناعي الأشهر تراجعاته للأسبوع الرابع على التوالي، مسجلاً خسارة بنسبة 1.25%.
نظرة تشاؤمية
ورغم أن خسائر الأسبوع لم تكن كبيرة بمعايير أي بورصة في العالم، إلا أن الجديد هذه المرة هو النظرة التشاؤمية التي ظهرت في حديث العديد من المحللين بعد تقلبات يوم الجمعة.
وفي لقاء له مع تيفزيون بلومبيرغ، أكد مات مالي، كبير استراتيجي الأسواق في شركة إدارة الأصول ميلر تاباك، أن شهادة رئيس البنك الفيدرالي هذه المرة حملت نبرة تشاؤمية مختلفة عن المرات السابقة، مشيراً إلى أنه "كان لديه الفرصة في اليوم التالي، حيث امتد الاستجواب ليومين، لتعديل أقواله أو توضيح ما قصد، بعد أن شاهد التأثير السلبي على الأسواق، إلا أنه زاد إحباط المستثمرين".
لم تكن الأسهم الأميركية وحدها المتأثرة بالظروف الحالية في الولايات المتحدة، حيث اصطحبت معها أسهم الشركات الصينية المتداولة في الأسواق الأميركية
وترجم مؤشر تقلبات الأسواق VIX، والمعروف باسم مؤشر الخوف، قلق محللي الأسواق، حيث حلق إلى أعلى مستوياته منذ شهر يناير / كانون الثاني الماضي، مرتفعاً بنسبة 24% خلال تعاملات نهاية الأسبوع أول من أمس الجمعة، ومسجلاً 35 نقطة، بعد أن كان في حدود 22.5 نقطة قبلها بيومين فقط.
ويعتمد VIX على مؤشر إس آند بي 500 لقياس توقعات المتعاملين للتقلبات خلال فترة الثلاثين يوما القادمة، فيرتفع مع انخفاض أسعار الأسهم وينخفض مع ارتفاعها، الأمر الذي جعله التعبير الأفضل عن مخاوف المستثمرين.
وحام المؤشر حول متوسطه التاريخي المقدر بنحو 19.5 خلال الفترة الماضية، حتى ظهر متحور أوميكرون في الأراضي الأميركية الأسبوع الماضي، ليبدأ انطلاقه لأعلى بعدها.
ولم تكن الأسهم الأميركية وحدها المتأثرة بالظروف الحالية في الولايات المتحدة، حيث اصطحبت معها أسهم الشركات الصينية المتداولة في الأسواق الأميركية، والتي بدأت معاناتها في وقت مبكر من العام الحالي، بضغوط تعرضت لها من الجهات التنظيمية في الاقتصادين الأكبر في العالم.
وفي حين لم ترحب بكين بتسجيل أسهم الشركات الصينية للتداول في البورصات الأميركية، كانت واشنطن تضيق عليها الخناق لإجبارها على تحقيق المزيد من الشفافية واتباع الضوابط المحاسبية الأميركية.
ومع اتخاذ المسؤولين في شركة ديدي (أوبر الصينية) قرارهم بالخروج من سوق الأسهم الأميركية قبل نهاية الأسبوع، بعد رحلة قصيرة لم تكمل الأشهر الستة، تعاظمت خسائر الشركات الصينية التي يتم التعامل عليها في السوق الأميركية، لتصل إلى أكثر من تريليون دولار منذ شهر فبراير / شباط من العام الحالي.
وكان لشركة ديدي، التي خسرت أكثر من نصف قيمتها السوقية منذ طرحها للاكتتاب العام منتصف العام الحالي، نصيب غير قليل في تلك الخسائر.
وخلال تعاملات يوم الجمعة فقط، خسر مؤشر ناسداك التنين الذهبي للشركات الصينية المتداولة في أميركا أكثر من 9% من قيمته، في أكبر خسارة يومية له منذ عام 2008، الذي شهد ذروة الأزمة المالية العالمية.
خسائر العملات المشفرة
وامتدت توترات أسواق السهم الأميركية إلى سوق العملات المشفرة، التي خسرت كبراها سعراً وقيمةً سوقية "بيتكوين" أكثر من عشرة آلاف دولار من سعر الوحدة الواحدة منها، تمثل أكثر من 17% من قيمتها في أقل من 24 ساعة، امتدت حتى الساعات الأولى من صباح يوم السبت.
وانخفضت العملة المشفرة الأشهر حول العالم، والتي يرى فيها الكثيرون الاستثمار الأفضل في زمن التضخم المرتفع، إلى ما دون 43 ألف دولار، بعد أن كانت تباع بسعر 57 ألف دولار في الساعات الأولى من يوم الجمعة.
ورغم أن السبت يمثل مع يوم الأحد العطلة الأسبوعية المعتادة للأسواق الأميركية الأكبر في العالم، فقد تراجعت أسعار أغلب العملات المشفرة الأخرى فيه بنسبة مقاربة لما خسرته بيتكوين، حيث خسرت عملة إيثر، ثاني العملات أكثر من 16% من قيمتها التي تم التعامل عليها صباح يوم الجمعة لتسجل 3500 دولار للوحدة الواحدة.
ومع تأكيدها أن الاتجاه ما زال "صعوداً" للعملات المشفرة، أشارت كاتي ستوكتون، محللة الأسواق في شركة استراتيجيات فيرليد للاستشارات الاستثمارية في لقاء مع قناة "سي إن بي سي" الإخبارية إلى أن "موجة البيع الكبيرة في العملات المشفرة إنما تعكس تفضيل المستثمرين اللجوء إلى الأصول الأقل خطورة، خاصة بعد التراجعات الكبيرة في أسعار الأسهم".