"ملامح انهيار الليرة السورية صارت واضحة إن استمر المصرف المركزي بسياسة الهروب"، هكذا يرى الاقتصادي السوري عبد الناصر الجاسم الأزمة، معتبراً أن تبدّل دور المصرف المركزي من حام ومراقب ومتدخل إلى مضارب ومحايد يزيد مخاوف السوريين ويعمق تهاوي سعر الصرف، الذي سجل اليوم الخميس أدنى سعر تاريخي بعد أن تعدى الدولار 9200 ليرة وبلغ اليورو 10200 وزاد سعر غرام الذهب عيار 21 قيراطاً عن 540 ألف ليرة سورية.
ويؤكد الجاسم لـ"العربي الجديد" أن رفع سعر الدولار الجمركي، أول من أمس، زاد الطلب على العملات الأجنبية بالسوق السورية ورفع أسعار السلع والمنتجات، ليأتي اليوم قرار المصرف المركزي تخفيض سعر الليرة مقابل دولار الحوالات بنحو 300 ليرة، فيزيد الأسواق اضطراباً ويفاقم من الغلاء وهلع السوريين.
ويتوقع استمرار تدحرج سعر الليرة إن لم يجرى التدخل بتغيير السياسة النقدية في سورية، كأن يُرفع سعر الفائدة المصرفية ويُطرح الدولار في السوق عبر جلسات تدخل مباشرة، وإلا فالمزيد من الفقر للمستهلكين والتهاوي للعملة.
وكان مصرف سورية المركزي قد حدد، خلال نشرة أسعار العملات اليوم، سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي بـ7800 ليرة للدولار الواحد، ومقابل اليورو بـ8563.62 ليرة لليورو الواحد، مبرراً خلال بيان أن هذه النشرة تصدر بغرض التصريف النقدي وشراء الحوالات الخارجية التجارية والحوالات الواردة إلى الأشخاص الطبيعيين، بما فيها الحوالات الواردة عن طريق شبكات التحويل العالمية.
ويأتي تخفيض سعر الليرة مقابل الدولار بنحو 300 ليرة اليوم بعد تخفيض سعرها أول من أمس أمام الدولار الجمركي وحجز تذاكر الطيران من 4000 إلى 6500 ليرة، وبعد ثلاث تعديلات لسعر الصرف مقابل الحوالات الخارجية هذا العام، بدأت في 2-1-2023 بزيادة سعر صرف الدولار من 3015 إلى 4522 ليرة، ليتبعها بنشرة 2-2-2023 تعديل ثان برفع سعر تصريف الدولار بنسبة 47% من 4522 إلى 6650 ليرة، من دون أن يستقر سعر الصرف أو يتوقف تهاوي الليرة عند أسعار المصرف المركزي، ما دفعه مطلع مايو/أيار الجاري إلى رفع ثالث من 6650 إلى 7500 ليرة واليوم إلى 7800 ليرة.
ويقول المستشار الاقتصادي أسامة قاضي، لـ"العربي الجديد"، إن التخلي عن حماية العملة الوطنية والتسابق مع السوق السوداء لتسعير الليرة يزيدان من تدهور سعرها، و"ما هكذا تدار الأمور".
ويعتبر أن ما يجري تخبطاً ودليل إفلاس وقلة حلية، فواجب المصرف المركزي ليس التفكير فقط بجذب الحوالات الخارجية، بل من دور الحكومة والمصرف المركزي إيقاف تدهور سعر الليرة لأن المستهلك السوري يدفع ثمن هذا التناقض بالقرارات والفوضى بالأسواق.
ويشير قاضي إلى أن استمرار السياسة الحالية سيوصل الليرة إلى قاع عميق ويضطر نظام الأسد لطرح فئات نقدية كبيرة، ما يوصل التضخم النقدي وغلاء الأسعار إلى مستويات قياسية ويزيد من فقر السوريين، الذين تراجعت قدرتهم الشرائية وتحولوا بمعظمهم إلى ما دون خط الفقر، بعد أن تأثرت الأسعار بتهاوي الليرة وزادت، بمجملها، بين 20 و40% خلال الشهر الجاري.
ويذكر أن متوسط إنفاق الأسرة السورية نحو 6.5 ملايين ليرة بحسب مركز "قاسيون" البحثي بدمشق، في حين لا يزيد متوسط الأجور عن 100 ألف ليرة، ما حوّل أكثر من 95% من السوريين إلى فقراء.