"الكورك" كسوة تراثية تزدهر في الجزيرة السورية

13 ديسمبر 2023
استمرار مهنة حياكة "الفروة" رغم المنافسة مع منتجات أخرى (العربي الجديد)
+ الخط -

ازدهرت صناعة وحياكة "الفروة"، أو الكورك حسب التسمية المحلية المتداولة بين سكان منطقة الجزيرة السورية، في السنوات الأخيرة، بعد انحسارها لفترات طويلة بسبب انتشار الكسوة والملابس الرجالية الشتوية المعاصرة بما فيها "الجاكيت، المانطو"، التي تناسب حياة الحداثة ومتطلباتها العملية والشكل الجمالي.
لكن تغير الظروف دفع السكان للعودة إلى ارتداء الفروة، لكن ليس النوع التقليدي منها، حيث يتكون التقليدي من غطاء خارجي أشبه بالعباءة وبطانة داخلية، تصنع بطانتها من جلد الخروف، وأفضلها الطفيلة أو الطفيلية أي من فراء الخراف الصغيرة التي لا تتجاوز الشهرين من العمر. وبسبب الكلفة الكبيرة للفروة الصوف في الفترة الأخيرة صارت تصنع من فرو رخيص صناعي وقطن وغيره.
يقول تاجر القماش من مدينة القامشلي خالد أمين، لـ"العربي الجديد": تعود صناعة وحياكة الفرو وارتدائه واستعماله منذ عصور، ومع تدجين الإنسان للحيوانات وتربيتها له بغرض الاستفادة منها، سواء من لحمها أو من حليبها، الاستفادة من ريشها وشعرها ووبرها وصوفها وجلدها.

ويضيف أمين: بالنسبة لمنطقتنا في الجزيرة السورية فهي منطقة سهلية وجبلية في قسم منها والقسم الآخر صحراوي، وحرص الناس عموما على استخدام الفروة وارتدائها، وخاصة رعاة الغنم.
والفروة تنقسم لنوعين، الأولى وتسمى "الرعيانية"، يلبسها الرعاة كون أغلب أوقاتهم يقضونها في البرية والسهول ليلا ونهارا، فكانت تقيهم من برد الليل وحر الشمس نهارا، والنوع الثاني تسمى "الخرفانية" تلبس عادة في المنزل ويكون صوفها أنعم ملمسا، كونها مأخوذة من صوف الخراف الصغيرة، حسب أمين.
صناعة الفروة الطبيعية والصناعية وتفصيلها وخياطتها تكون على مدار العام، وفق ما بين أمين، أما موسم بيعها فيكون عادة مع نهاية فصل الخريف وبداية فصل الشتاء، وتصنع من الجلد والصوف بشكل أساسي، ويختلف تصميمها باختلاف المنطقة الجغرافية في الجنوب، وكونها منطقة سهلية فيستخدمون الفروة الطويلة التي تصل إلى أسفل الركبة.
وكانت كافة الشرائح المجتمعية تلبس الفروة سابقا، الآن الكثير من الناس يلبسونها كنوع من "الستايل" أو كموديل خاص في مناسبات معينة، حيث يرتديها الشباب في الجلسات الخاصة والسهرات أو أثناء رحلات ترفيهية.
ويعزو أمين تراجع استخدام الفروة في المدن لأسباب عديدة، لعل من أهمها طابع الحياة المدنية وطبيعة الأعمال التي لا تتفق مع ارتداء الفروة، وأيضا لأن الفروة مصنوعة من مواد لها رائحة كونها مصنوعة من الجلد الطبيعي، ومن الصعب إزالتها.
ومن أسباب تراجع استخدامها غلاء أسعارها والتي تصل إلى قرابة 1000 دولار، بالإضافة إلى قلة العاملين في صناعتها وصعوبتها، وعدم وجود دعم لها، ومواجهتها منافسة من الصناعة الصينية، والآن هناك أنواع عديدة للفروة في الأسواق منها الحورانية والحموية والخرفانية.. وتسمى محليا بـ"الكورك"، وتعني الدفء.

بدوره، يقول فرحان عباس مراد (80 سنة)، وهو من أقدم صناع الفروة واللباس العربي في القامشلي، إذ يمارس مهنة الحياكة منذ 1964، لـ"العربي الجديد": "تمر صناعة الفروة بعدة مراحل بدءا من الحصول على المواد الأولية من الأغنام والخراف ومن ثم تحضير هذه المواد للحياكة، فنبدأ برش الجلد بالملح ومادة تعرف محلياً بـ(الشب) ثم نقوم بلفها، وتركها عدة أيام لمنع تساقط الصوف عن الجلد، والحفاظ على الفراء والجلد من التسوّس ومن ثم نقوم بتجفيفها من خلال تعريضها لأشعة الشمس".

ويضيف: "وبعد مرحلة تجفيف الجلد، نقوم بتنظيفه من الشوائب ونقعه في الماء وغسله بشكل جيد ليصبح طريّاً وجاهزاً للحياكة، وتتم عملية الحياكة بإكساء الغطاء الخارجي بقماش مطرّز بأشكال مختلفة لإضفاء الجمالية على الفروة". 

بدوره، يقول يوسف علوان من سكان مدينة القامشلي لـ"العربي الجديد"، في السنوات الأخيرة ازدهرت تجارة ومهنة حياكة الفرو بسبب الظروف ومنها فقدان وقود التدفئة وانقطاع التيار الكهربائي وخاصة في فصل الشتاء، وهو ما أثر إيجابيا على زيادة الطلب والشراء، فضلا عن زيادة طلب المهاجرين إلى الدول الأوروبية والذين يحرصون خلال زيارتهم للبلد على شراء الفروة بسبب الظروف المناخية الباردة في دول مثل السويد والدنمارك وغيرها.

المساهمون