هبطت أسعار النفط دون 120 دولاراً بعد استبعاد قمة بروكسل الموسعة لحظر النفط الروسي من قائمة توسيع العقوبات على روسيا. وكانت الأسواق العالمية قد استبعدت في حساباتها حظر النفط الروسي ومشتقاته في التعاملات الصباحية أمس الخميس، بدليل عدم وجود اضطرابات سعرية في الخامات الرئيسية.
ويلاحظ أن أسعار خام برنت لعقود مايو/أيار ظلت لدى مستويات يوم الأربعاء عند 121 دولاراً للبرميل، كذلك استقرت أسعار الخام الأميركي لعقود ذات الشهر، عند مستوياتها في يوم الأربعاء عند 115 دولاراً في التعاملات الصباحية في لندن دون تغيير يذكر. وعادة ما تشهد أسعار الخامات النفطية تعاملات مضطربة إذا وضعت في اعتبارها حظر الخامات الروسية من قبل التحالف الغربي.
ويميل محللون إلى أن القوى الغربية قد تكتفي بالحظر الأميركي والبريطاني للنفط الروسي وتتفادى الدخول في خلافات "شق الصف" بشأن الحظر النفطي على روسيا، حيث تعارضه دول رئيسية مثل ألمانيا. كذلك، ترى بعض الدول أن مضارّ الحظر على الاقتصادات الغربية أكبر من منافعه وسط ظروف ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وتصريحات كبار تجار النفط في سويسرا التي ذكرت أن العالم يواجه أزمة ديزل.
وسعت الدول الغربية في اجتماعها الموسع الذي بدأت اجتماعاته صباح أمس، وضمّ المجموعة الأوروبية والدول الأعضاء بمجموعة السبع وأعضاء حلف شمال الأطلسي" ناتو"، لإقرار حظر رابع على روسيا ناقشت فيه احتياطات الذهب الروسية ومواد حظر أخرى إضافية تخصّ حظر المزيد من صادرات التقنية وأمن الفضاء السيبراني وشخصيات سياسة في الكرملين، ولكنه لم يشمل النفط أوالغاز الروسي.
وأعلنت الولايات المتحدة بالفعل عقوبات جديدة على روسيا. وبحسب شبكة "سي إن بي سي"، أعلن مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية الخميس أن الولايات المتحدة ستطبق عقوبات جديدة على أكثر من 400 شخص وكيان روسي، بما في ذلك أكثر من 300 مشرع في مجلس الدوما، إلى جانب ما يزيد على 40 شركة روسية مملوكة للدولة.
وتخطط الولايات المتحدة لاتخاذ خطوات إضافية تهدف إلى منع روسيا من محاولة إنعاش اقتصادها، وأكد البيت الأبيض أنه سيسمح لـ100 ألف شخص أوكراني بدخول الولايات المتحدة.
وحتى الآن، ودون حظر رسمي للنفط الروسي، تتعرض مبيعات الخامات الروسية لحظر طوعي من قبل تجار النفط الذين يتفادون شراء صفقات خام الأورال الروسي. ووفق تجار نفط دوليين "يتفادى التجار والمصافي الغربية شراء النفط الروسي خشية من العقوبات الثانوية التي تفرضها الولايات المتحدة على الشركات التي تتاجر مع روسيا". ويتفادى التجار كذلك النفط الروسي بسبب الصعوبات التي تواجهها الشركات العالمية والمصافي في التعامل مع روسيا مالياً.
وتعتقد وكالة الطاقة الدولية أن هذا الحظر الطوعي من قبل التجار سيخفض مبيعات النفط والمشتقات النفطية الروسية بنحو 3 ملايين برميل يومياً في الأسواق العالمية خلال شهر إبريل/ نيسان المقبل. من جانبه، يقدر معهد الدراسات الأوروبية "بروغيل"، ومقره في بروكسل كمية النفط الروسي التي قد لا تُباع في السوق العالمية خلال شهر إبريل بنحو 4 ملايين برميل يومياً، وبالتالي قد تخسر مبيعات النفط الروسي أسواقها تلقائياً حتى من دون الحظر.
وقد يبقى على الدول الغربية العمل على استحداث وسائل لسد الثغرات التي تنفذ منها الشركات الصينية التي تتربح من تسويق النفط الروسي في الأسواق العالمية، وكذلك إقناع الدول التي تواصل شراء النفط الروسي الرخيص مثل الهند بالتوقف عن تنفيذ صفقات جديدة.
في هذا الصدد، ذكرت مصادر لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية أمس الخميس أن مؤسسة النفط الهندية اشترت يوم الأربعاء ثلاثة ملايين برميل من خام الأورال الروسي. وأكدت مصادر الوكالة أنه جرى شراء خام الأورال الروسي من قبل شركة "فيتول" السويسرية بسعر مخفض، على أن تجري عملية التسليم في مايو/أيار. وهذه الصفقة الثانية التي تنفذها الشركة الهندية منذ غزو أوكرانيا.
على صعيد تراجع سعر الخامات الروسية، تقول شركة "رايستاد" النرويجية لاستشارات الطاقة، إن خام الأورال، وهو المؤشر الرئيسي لأسعار النفط الروسي، يباع حالياً بسعر 85 دولاراً للبرميل، بينما يباع خام برنت بسعر 121 دولاراً.
من جانبه، يقول معهد الدراسات الأوروبية "بروغيل"، في دراسة معمقة عن النفط الروسي، إن الخامات الروسية بيعت بحسم بلغ 27 دولاراً للبرميل، أي بسعر يقلّ بنسبة 24% من سعر خام برنت في منتصف الشهر الجاري.
ويأتي هذا التراجع السعري الكبير، لعدم رغبة التجار في شحنات البترول الروسي. ويرى محللون أن الحظر المالي والاقتصادي الغربي المشدد على روسيا يضرب صناعة النفط الروسية في العصب الحيّ، حتى إذا لم يُفرَض حظر غربي رسمي عليه.
في هذا الشأن، قال محلل الطاقة بشركة "أبريو إنتيليجنس" الأميركية، لصحيفة "وول ستريت جورنال"، إنه "إذا تواصل الحظر الغربي على روسيا، فإن الخزانات المحلية بروسيا ستمتلئ بالخامات، كذلك ستواجه ناقلات النفط الروسية صعوبة أكبر لبيع حمولاتها في الأسواق العالمية".
وفي ذات الشأن، ترى وكالة الطاقة الدولية أن نحو 3 ملايين برميل يومياً من الخامات الروسية قد لا تُباع في الأسواق العالمية خلال شهر إبريل المقبل، بسبب رفض التجار والبنوك المستثمرة في الخامات، والصعوبات التي تواجهها الشركات العالمية والمصافي في التعامل مع روسيا مالياً.
وتنتج روسيا نحو 11.2 مليون برميل يومياً، تصدّر منها نحو 7.8 ملايين برميل يومياً، أي نحو 8% من إجمالي الاستهلاك العالمي للنفط المقدَّر بنحو مائة مليون برميل يومياً من الخامات والمشتقات النفطية، وفقاً لبيانات معهد بروغيل الأوروبي للدراسات، ولكن مصادر أخرى تقدِّر صادراتها بنحو 7.5 ملايين برميل يومياً. وبالتالي، فهي المصدر الأساسي لتمويل الحرب الشرسة التي تشنها على أوكرانيا.
وحسب بيانات المعهد، في ديسمبر/ كانون الثاني صدّرت روسيا نحو 5 ملايين برميل من الخامات النفطية ونحو 2.8 مليون برميل يومياً من المشتقات النفطية، من بينها 1.1 مليون برميل يومياً في شكل غازولين وديزل ونحو 600 ألف برميل في شكل فيول ونافثا.
وحسب بيانات المعهد الأوروبي، فإن أوروبا من كبار مستهلكي النفط الروسي، إذ تبلغ وارداتها نحو 2.8 مليون برميل يومياً من النفط الروسي قبل غزو أوكرانيا، من بينها 700 ألف برميل عبر الأنابيب والباقي عبر الناقلات، بينما تصدِّر روسيا نحو 2.1 مليون برميل يومياً لآسيا، معظمها يذهب للصين. وتغطي مبيعات النفط الروسية نحو 40% من إجمالي الإنفاق العام في الميزانية الروسية، وتوفر وظائف لنحو 1.5 مليون شخص في روسيا.
على صعيد قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مساء الثلاثاء، بيع الغاز الطبيعي لأوروبا ومشترين آخرين بالروبل الروسي، يقول محللون إنها قد تقود إلى تسريع حظر الغاز الروسي، وخاصة أن أوروبا لديها احتياطات كافية من الغاز الطبيعي حتى نهاية موسم الصيف الحالي، وتعاقدت مع موردين آخرين في الولايات المتحدة وقطر، ويصفون الخطوة بأنها جاءت في إطار دعم الروبل الروسي المنهار.
وقد ساهمت الخطوة إلى حد ما في ارتفاع قيمة العملة الروسية لأول مرة تحت حاجز 100 روبل للدولار في السوق الروسية. لكن الروبل غير المستقر سيسبب الكثير من العقبات في حساب الصفقات، ويخل قانونياً بالعقود السابقة التي وقعتها شركة غازبروم الروسية، حسب مصادر غربية.
في هذا الصدد يقول المحلل بشركة "رايستاد" النرويجية لاستشارات الطاقة، فينشيوس رومانو إن "هذه الخطوة قد تعجل بخسارة شركة غازبروم لسوق الغاز الأوروبي". وأتت الخطوة في وقت باتت السوق الأوروبية مكتفية من الغاز، وقد جهزت الدول بدائل من أسواق عربية مثل السوق القطري. وكانت ألمانيا قد وقّعت مع قطر صفقة طويلة الأجل في مجال الطاقة في الأسبوع الماضي.
من جانبه، قال محلل الأسواق الناشئة في مؤسسة "كابيتال إيكونومكس"، للدراسات الاقتصادية، جيسون توفي، إن بيع الغاز بالروبل جاء بهدف دعم العملة الروسية المنهارة وخفض اعتماد روسيا على النظام المالي الغربي.
لكن توفي يشير إلى أن الخطوة قد تعمل ضد مصلحة روسيا الباحثة عن العملات الصعبة في الوقت الراهن لتسديد الديون الأجنبية بالدولار واليورو، وكذلك لتسديد فواتير المشتريات التي تحتاج إليها بشدة في الوقت الراهن. وأشار المحلل توفي إلى أنه يبدو أن روسيا تتبع استراتيجية لبناء "نظام اقتصادي محلي يقلل من الروابط مع العالم الخارجي".