على الرغم من البيانات التي صدرت الأسبوع الماضي، وأظهرت تراجع معدل التضخم الأميركي، واستبشار البعض بإمكانية أن يكون قد بلغ ذروته بالفعل وفي طريقه إلى التراجع بعيداً عن أعلى مستوياته في أكثر من أربعة عقود، تبدو معدلات الفائدة الأميركية مرشحة للاستقرار خلال الفترة القادمة عند مستوياتها المقيدة للنشاط الاقتصادي، وذلك بسبب ما يبدو من عدم ثقة البنك الفيدرالي في قدرته على السيطرة على الأسعار.
وأظهرت تفاصيل محضر اجتماعات البنك الفيدرالي التي عقدت الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، والتي أُفرج عنها يوم الأربعاء، أن أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، مع تأييدهم رفع معدل الفائدة على أموال البنك الفيدرالي بخمسٍ وسبعين نقطة أساس للمرة الثانية على التوالي، مازالوا يرغبون في الإبقاء على معدلات الفائدة المرتفعة، في محاولة لكبح جماح التضخم، على الرغم من مخاوف الكثيرين من تسبب ذلك في دخول الاقتصاد الأميركي – وربما العالمي - في ركود.
وقال بعض أعضاء اللجنة، وفقاً لمحضر الاجتماع، إن الجزء الأكبر من تأثير رفع معدلات الفائدة لم يظهر بعد، وإنه "بمجرد وصول معدلات الفائدة على أموال البنك إلى النقطة التي تهدئ من النشاط الاقتصادي بصورة كافية، يمكننا الإبقاء عليها لبعض الوقت، حتى نتأكد من اتجاه التضخم للانخفاض، باتجاه مستواه المستهدف عند 2%"، مشيرين إلى أن هذا التصرف يسمح "بمزيد من الرفع إلى مستويات تقييدية أكثر" لو استمر التضخم في الارتفاع متجاوزاً التوقعات.
والأسبوع الماضي، أظهرت إحصاءات مكتب العمل، التابع لوزارة العمل الأميركية، ارتفاع أسعار المستهلكين خلال شهر يوليو / تموز الماضي بنسبة 8.5% مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، في انخفاض عن نسبة الارتفاع المسجلة في الشهر السابق، والتي كانت 9.1%، وهو ما اعتبره كثيرون علامة على تباطؤ التضخم مع تراجع أسعار وقود السيارات، ونجاح قرارات البنك الفيدرالي في التأثير على الأسعار.
لكن محضر اجتماعات البنك الفيدرالي أظهر عدم اطمئنان مسؤوليه لما تم تحقيقه حتى الآن، رغم رفع معدلات الفائدة من صفر بالمائة إلى مستوى 2.25% - 2.50% في أربعة أشهرٍ.
ولم يعط أعضاء اللجنة إشارات محددة للزيادات المستقبلية في معدلات الفائدة، وقالوا إنهم سيراقبون تطورات الأوضاع عن كثب قبل اتخاذ أي قرار، إلا أن أسواق العقود الآجلة والعقود المستقبلية تعكس حالياً توقعا برفع معدل الفائدة بمقدار نصف بالمائة (خمسين نقطة أساس) في اجتماع شهر سبتمبر/ ايلول القادم، ومع ذلك يبقى الوقت طويلاً قبل موعد الاجتماع، وهو ما يعني إمكانية تغير التوقعات في الأسواق، أو تغير رؤية البنك الفيدرالي، وفقاً لتطورات الأحداث.
وفي لقاء مع قناة "سي إن بي سي" الإخبارية المعنية بالأسواق والاقتصاد، قال أديتيا بهاف، محلل الأسواق لدى "بنك أوف أميركا"، إن "اللغة التي استخدمها مسؤولو البنك المركزي تتوافق مع توقعاتنا الأساسية برفع معدل الفائدة بنصف بالمائة خلال اجتماعاته الشهر القادم". وأشار بهاف إلى أن إنفاق المستهلكين والنشاط الاقتصادي احتفظا بقوتهما حتى الآن، وهو ما يسهل القرار على مسؤولي البنك برفع معدلات الفائدة، "مقتربين من أربعة بالمائة في الفترة القادمة"، بحسب مسؤول البنك الأميركي.
وخلال الأسابيع الماضية، ومع تصريحات من جيرومي باول رئيس البنك الفيدرالي فسرها المستثمرون بأنها تشير إلى اقتراب البنك من خفض وتيرة رفع معدلات الفائدة، ارتفعت مؤشرات الأسهم الرئيسية وتمكنت من تعويض أكثر من خمسين بالمائة من خسائرها منذ بداية العام الحالي. ومع نشر محضر الاجتماعات يوم الأربعاء، عوضت أغلب الأسهم جزءاً من خسائر اليوم وتراجعت عوائد سندات الخزانة الأميركية، وانخفض معدل الفائدة المتوقع الوصول إليه على أموال البنك الفيدرالي ليصبح في حدود 3.5%، كما أظهرت الأسواق الآجلة.
وأظهر محضر الاجتماع ميل مسؤولي الاحتياط الفيدرالي إلى الاعتقاد بأنه قد تكون هناك حاجة إلى فقدان بعض الوظائف، وتباطؤ محدود في النشاط الاقتصادي، إذا رغبوا في القضاء على التضخم المرتفع، مع زيادة "معتدلة" في معدل البطالة من المستوى الحالي البالغ 3.5%، والذي يعد الأدنى في أكثر من نصف قرن. والأسبوع الماضي، أعلنت ماري دالي، رئيس البنك الفيدرالي في سان فرانسيسكو، أنها وزملاءها في البنك "لم يقتربوا حتى من الانتهاء من أداء مهمتهم الخاصة بالقضاء على التضخم".
ووفقاً لأحدث بيانات التضخم، لم تكن هناك زيادة في معدل ارتفاع أسعار المستهلكين بين شهري يونيو / حزيران ويوليو / تموز، بينما كان معدل ارتفاع الأسعار السنوي الشهر الماضي أبطأ مما كان عليه في الشهر السابق، وجاء ذلك في أعقاب تقرير الوظائف القوي الصادر الأسبوع الماضي، والذي أظهر أن الاقتصاد الأميركي قد أضاف 528 ألف وظيفة خلال الشهر المنتهي.