كانت البلدان الأقل فساداً في وضع أفضل لمواجهة التحديات الصحية والاقتصادية لوباء فيروس كورونا، بحسب دراسة سنوية تُتابَع من كثب، صدرت اليوم الخميس عن منظمة الشفافية الدولية.
خلص مؤشر مدركات الفساد لعام 2020 الصادر عن المنظمة، والذي يقيس تطور الفساد في القطاع العام وفقاً للخبراء ورجال الأعمال، إلى أن البلدان التي كان أداؤها جيداً من حيث الاستثمار بشكل أكبر في الرعاية الصحية، كانت "أكثر قدرة على توفير تغطية صحية شاملة وأقل عرضة لانتهاك المعايير الديمقراطية".
وقالت ديليا فيريرا روبيو، رئيسة منظمة الشفافية الدولية: "إن كوفيد – 19 ليس مجرد أزمة صحية واقتصادية، إنها أزمة فساد. وهو أمر نفشل حالياً في إدارته"... فما أبرز المؤشرات؟ وماذا عن مراتب الدول العربية؟
مؤشرات الدول العربية
تأتي الإمارات العربية المتحدة وقطر في مقدمة الدول الأفضل أداءً إقليمياً ودولياً في مؤشر مدركات الفساد، بحصولهما على درجات 71 و 63 على التوالي، بينما كانت ليبيا (17) واليمن (15) وسورية (14) من بين الأسوأ أداء.
وشرح التقرير أنه في غالبية أنحاء المنطقة العربية، تركت سنوات من الفساد البلدان غير مستعدة بشكل يرثى له لمواجهة جائحة كوفيد -19. افتقرت المستشفيات والمراكز الصحية إلى الموارد والتنظيم اللازمين للاستجابة بفعالية للموجة الأولى من الحالات.
وكانت المستشفيات العامة تعاني من نقص في الإمداد والموظفين، مع إصابة العديد من مقدمي الرعاية الصحية بالفيروس. كذلك تراجعت الثقة في القطاع العام عندما أصبح من الواضح أنه لا توجد بروتوكولات جيدة لإدارة الأزمات، وأن الإدارات العامة كانت مستنفدة للغاية، بحيث لا يمكن إعادة تنظيمها بسرعة وكفاءة.
وعلى الرغم من المكاسب الصغيرة التي حققها المجتمع المدني في العقد الماضي نحو بناء قوانين أقوى وأكثر استدامة لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية، فإن أزمة COVID-19 والتدابير الطارئة الناتجة منها ألغت هذه الجهود، ما أعاد المنطقة العربية إلى الوراء لسنوات.
ولا يزال الفساد السياسي أيضاً يمثل تحدياً في جميع أنحاء المنطقة، وفق التقرير. في العراق، يحرم الفساد الناس حقوقهم الأساسية، بما في ذلك الحصول على مياه الشرب الآمنة والرعاية الصحية والكهرباء غير المنقطعة وفرص العمل والبنية التحتية الملائمة. للمضي قدماً، تتمثل بعض أكبر التحديات في المنطقة، ولا سيما خلال فترة التعافي من فيروس كورونا، بقضايا الشفافية والوصول العادل إلى علاجات ولقاحات COVID-19.
وركز التقرير هذا العام على لبنان، إذ مع حصوله على درجة 25 على 100، سجل تراجعاً بشكل ملحوظ على مؤشر مدركات الفساد، متراجعاً خمس نقاط منذ عام 2012. COVID-19 كاد يشل الحكومة. على الرغم من الاحتجاجات الحاشدة ضد الفساد والفقر في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، إلا أن الأزمة استمرت. وتمثل الجائحة وانفجار بيروت تحديات كبيرة لجهود مكافحة الفساد في البلاد.
وبدأت تحقيقات الفساد، ولم يُحاكَم أي مسؤول حكومي. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال التحقيقات جارية بشأن انفجار مرفأ بيروت في آب/ أغسطس 2020. فيما اتُّهِم بعض كبار المسؤولين في ما يتعلق بالانفجار، إلا أن المساءلة لا تزال محدودة. ولا تزال المحاكم تفتقر إلى الاستقلالية، على الرغم من القوانين الجديدة من البرلمان لتعزيز القضاء ومعالجة قضايا استرداد الأصول.
بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من اعتماد قانون أخيراً لإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، إلا أن هذه الهيئة المتخصصة لم تُنشأ بعد؛ كذلك كانت هناك انتهاكات عديدة لحرية التعبير والصحافة، بما في ذلك اعتقال وسجن الصحافيين الذين ينتقدون السلطات العامة، أو يحققون في قضايا الفساد، أو يسلطون الضوء على نقص الشفافية الحكومية.
ما بين كورونا والفساد
وشرح تقرير منظمة الشفافية الدولية أن الفساد يقوّض الاستجابة العادلة لـ COVID-19 والأزمات الأخرى، ما يبرز أهمية الشفافية وتدابير مكافحة الفساد في حالات الطوارئ. بينما تُظهر الأبحاث الحالية أن الفساد يؤثر سلباً بوصول الناس إلى رعاية صحية عالية الجودة، "يشير تحليلنا أيضاً إلى أنه حتى عند مراعاة التنمية الاقتصادية، ترتبط المستويات الأعلى من الفساد بتغطية رعاية صحية شاملة منخفضة ومعدلات أعلى لوفيات ووفيات الرضع والأمهات من السرطان والسكري وأمراض الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية".
ويُعَدّ الفساد، وفق التقرير، أحد العوائق الرئيسية أمام تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (SDGs)، كذلك إن جائحة COVID-19 تجعل تحقيق هذه الأهداف أكثر صعوبة. تذكر الآثار طويلة المدى للفساد على أنظمة الرعاية الصحية بأن الفساد غالباً ما يزيد من حدة آثار الأزمة. ينتشر الفساد في جميع تفاصيل الاستجابة لـCOVID-19، من الرشوة إلى اختبارات الفيروس والعلاج والخدمات الصحية الأخرى إلى المشتريات العامة للإمدادات الطبية والتأهب لحالات الطوارئ بشكل عام.
أظهر التقرير أن الفساد يقتنص الأموال من الاستثمار الذي تشتد الحاجة إليه في الرعاية الصحية، ما يترك المجتمعات بدون أطباء ومعدات وأدوية، وفي بعض الحالات، بلا عيادات ومستشفيات.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الافتقار إلى الشفافية في الإنفاق العام يزيد من مخاطر الفساد والاستجابة غير الفعالة للأزمات. قد يكون من الصعب تطبيق شفافية الميزانية، خاصة في أثناء الاستجابة لحالات الطوارئ مثل COVID-19 عندما تكون السرعة والكفاءة مهمة في أثناء الأزمة. ومع ذلك، فإن الشفافية هي المفتاح لضمان إنفاق الموارد العامة بشكل مناسب والوصول إلى المستفيدين المقصودين. لهذا السبب، يجب، وفق التقرير، أن تكون هناك إجراءات قوية وشفافة لتخصيصات الميزانية والعقود العامة وعمليات التدقيق قبل وقوع الأزمة.
هبوط الولايات المتحدة
أظهر مؤشر هذا العام أن الولايات المتحدة تسجل مستوى منخفضاً جديداً على مؤشر الفساد في ظل رئاسة دونالد ترامب، حيث سجلت درجة 67 على مقياس يعتبر درجة صفر "الأكثر فساداً" و100 "الأكثر نزاهة".
لا تزال تلك الدرجة تضع الولايات المتحدة في القائمة بالتساوي مع تشيلي، لكن خلف العديد من الديمقراطيات الغربية الأخرى. وقد تراجعت درجتها من درجة 69 في 2019، و71 في 2018 و75 في 2017، وانخفضت إلى أدنى مستوى منذ توافر أرقام المقارنة.
قال تقرير منظمة الشفافية التي تتخذ من برلين مقراً لها: "بالإضافة إلى تضارب المصالح المزعوم وإساءة استخدام المنصب في أميركا على أعلى المستويات، أثار ضعف الرقابة في عام 2020 على حزمة الإغاثة جراء جائحة كوفيد – 19 البالغة قيمتها تريليون دولار مخاوف جدية، وشكل تراجعاً عن الأعراف الديمقراطية الراسخة التي تدعم وجود حكومة خاضعة للمساءلة".
ويمكن رؤية الصلة بين الفساد والاستجابة لفيروس كورونا على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، بحسب تحليل التقرير. على سبيل المثال، سجلت أوروغواي 71 نقطة، ما يضعها في المرتبة الـ 21 في القائمة. قالت منظمة الشفافية إن أوروغواي تستثمر بكثافة في الرعاية الصحية، ولديها نظام قوي للمراقبة الوبائية، ساعد ليس فقط مع كوفيد – 19، ولكن أيضاً في أمراض أخرى مثل الحمى الصفراء وزيكا.
على النقيض من ذلك، فإن بنغلاديش، التي حصلت على 26 نقطة واحتلت المرتبة الـ 146 على القائمة، "تستثمر القليل في الرعاية الصحية، بينما يزدهر الفساد خلال جائحة كوفيد – 19، بدءاً من الرشوة في العيادات الصحية إلى المساعدات غير المشروعة". وقالت المنظمة إن "الفساد منتشر أيضاً في شراء الإمدادات الطبية".
أشارت منظمة الشفافية إلى أنه حتى في نيوزيلندا، التي صنفت في المركز الأول كأقل دولة فساداً برصيد 88، وأُشيد باستجابتها للوباء، كان هناك مجال للتحسين.
وكتبت المنظمة: "بينما تتواصل الحكومة بشكل علني بشأن التدابير والسياسات التي تضعها، هناك حاجة إلى مزيد من الشفافية حول المشتريات العامة المطلوبة للتعافي من كوفيد – 19".
أقل الدول فساداً
بشكل عام، من بين 180 دولة شملها الاستطلاع، سجل ثلثاها أقل من 50 من مائة درجة، وكان متوسط الدرجة 43.
تساوت الدنمارك ونيوزيلندا في المركز الأول، باعتبارهما أقل الدول فساداً، حيث سجلت الدولتان 88 نقطة، تليهما فنلندا وسنغافورة وسويسرا والسويد بخمس وثمانين نقطة، والنرويج 84، وهولندا 82، وألمانيا ولوكسمبورغ 80. وهي المراكز العشرة الأولى.
سجلت أستراليا وكندا وهونغ كونغ وبريطانيا 77 نقطة في المركز الحادي عشر. كان أداء الصومال وجنوب السودان الأسوأ برصيد 12 نقطة ليضعهما في المركز الـ 179، خلف سورية 14 درجة، واليمن وفنزويلا 15، والسودان وغينيا الاستوائية 16، وليبيا 17، وكوريا الشمالية وهايتي وجمهورية الكونغو الديمقراطية 18.
منذ عام 2012، وهي أقرب نقطة للمقارنة متاحة باستخدام المنهجية الحالية، تحسنت 26 دولة بشكل ملحوظ، بما في ذلك اليونان التي زادت 14 نقطة إلى 50، وميانمار التي ارتفعت 13 نقطة إلى 28، والإكوادور التي ارتفعت 7 نقاط إلى 39.
في الوقت نفسه، شهدت 22 دولة انخفاضاً ملحوظاً، بما في ذلك لبنان، الذي انخفض بمقدار 5 نقاط إلى 25، وملاوي والبوسنة والهرسك حيث انخفض كلاهما 7 نقاط إلى 30 و 35 على التوالي.