يتحدث سياسيون وبرلمانيون عراقيون بشكل متكرر عن وجود حيتان للفساد تسببت بهدر كبير لأموال الدولة منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، تقدر بمئات مليارات الدولارات، وعلى الرغم من تأكيد بعضهم وجود أدلة دامغة على حالات وصفقات فساد، إلا أنهم غالبا ما يتجنبون ذكر الأسماء الصريحة للمتورطين.
وتضرب العراق أزمة مالية خانقة منذ مطلع فبراير/ شباط الماضي، إثر انهيار أسعار النفط وتداعيات جائحة فيروس كورونا الجديد، وهو ما زاد من وتيرة مطالبات الشارع وكتل سياسية بفتح ملفات الفساد واسترداد أموال العراق المنهوبة.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، مخاطبا المتورطين في قضايا الفساد إن عليهم إعادة ما أخذوه ولن تكون هناك أي مشاكل، دون أن يتحدث عن أسماء المتورطين في تلك الملفات لكن أصابع الاتهام تتجه خصوصاً إلى فترة حكومة نوري المالكي الأولى والثانية بين 2006 و2014 والتي شهدت تغولا كبيرًا في عمليات إهدار المال العام ومستويات قياسية من المشاريع الوهمية وعمليات غسل الأموال.
وقال سلام الشمري عضو البرلمان في تصريح لـ"العربي الجديد" :"هناك أكثر من جهة رسمية تعمل لمكافحة الفساد، هي ديوان الرقابة المالية، وهيئة النزاهة، ولجنة النزاهة في البرلمان، والمحاكم المختصة، إلا أن هذه الجهات لم تتمكن من الإعلان عن شخص واحد من سراق المال العام أمام الشعب لغاية الآن".
وأضاف الشمري أنه "غالبا ما تتحدث الحكومات المتعاقبة عن مكافحة الفساد، وتشكل لجانا لذلك، لكن إلى الآن لم تتخذ أي منها خطوات نحو الأمام في ما يتعلق بمحاسبة الفاسدين وتقديمهم للقضاء واسترداد المال العام"، مطالبا حكومة الكاظمي "بالعمل بجد والمضي بخطوات ايجابية لمكافحة الفاسدين حتى نطمئن الشعب العراقي بأن هناك مبدأ للثواب والعقاب، وأن المحاسبة مفعلة".
وقال إن "الإصرار على عدم كشف أسماء الفاسدين يمكن أن يفهم على أكثر من جانب، فقد يتعلق بوجود شبكات للفساد، أو بسبب الخشية من الجهات التي تقف وراء السراق، وهذا مؤشر خطير جداً"، مضيفا أن "جميع الحكومات المتعاقبة لم تقم بمحاسبة أي فاسد على الملأ، إذن من الذي سرق العراق؟".
وتقدر الأموال المنهوبة في العراق بنحو 450 مليار دولار، وفق عضو اللجنة المالية في البرلمان سابقاً رحيم الدراجي، قائلا إن "القادة والزعماء السياسيين هم الذين يقفون وراء سرقتها". وقال الدراجي إن "هناك وثائق تؤكد وجود السرقات، والطبقة السياسية هي عبارة عن منظومة واحدة مشتركة في الفساد".
بدوره، أكد مصدر نيابي لـ" العربي الجديد" وجود عدد كبير من ملفات الفساد المتراكمة التي توجد بشأنها أدلة واضحة، "لكن يجري التحفظ على أسماء الفاسدين أو المتهمين بالفساد في كثير من الأحيان استجابة لرغبات كتل سياسية متنفذة لا تريد الكشف عن الأسماء المتهمة بالفساد خشية تراجع شعبيتهم، أو خسارة جزء من جماهيرهم خلال فترة الانتخابات".
وقال المصدر إن "الإصرار على عدم ذكر أسماء الفاسدين بات عرفا سارت عليه جميع الحكومات بما فيها الحكومة الحالية برئاسة الكاظمي التي تحدثت عند تشكيلها في مايو/ أيار الماضي عن حملة واسعة وغير مسبوقة على الفاسدين، إلا أن هذه الحملة لم تحقق أي نتائج تذكر، واكتفت بإثارة ملفات مسؤولين معدودين من الصف الثالث أو الرابع في أحزابهم، فضلا عن بعض الجولات لرئيس الحكومة في المنافذ الحدودية التي يُتهم سياسيون ومليشيات بإدارة أكبر ملفات الفساد فيها.
وفي السياق، قال عضو لجنة النزاهة البرلمانية عبد الأمير المياحي، إن هناك "تواطؤا حكوميا تسبب في استمرار مشكلة الفساد بالمنافذ الحدودية"، موضحا في تصريحات صحافية قبل أيام أن شركات تابعة لأحزاب لم يسمها أيضا تحظى بإعفاءات تشكل ما نسبته 70% من المواد التي تدخل إلى البلاد.
وأضاف أن "هذه الأحزاب موجودة حالياً في الحكومة وفي مجلس الوزراء وفي دوائر الدولة وفي مجلس النواب".
وتشهد الدولة الغنية بالنفط عجزا مالياً لعام 2021 هو الأكبر منذ عام 2003، يقدر وفق قانون الموازنة بنحو 58 تريليون دينار عراقي ( 43.9 مليار دولار)، بما يعادل 38.6% من إجمالي الموازنة المقدرة بحوالي 150 تريليون دينار.
وقال النائب السابق حامد المطلك إن الفاسدين مدعومين من قبل جهات سياسية مؤثرة، مضيفا أن "الجميع يعلم أن الدولة العراقية بلا قانون تكون للحكومة قدرة على تطبيقه".
وأضاف في حديث لـ "العربي الجديد" أن "هناك جهات متغلغلة في جسد الدولة تتحكم بكل شيء"، مؤكدا أن "الفساد لم يكن ليستشري بشكله الحالي لولا وجود دعم له من قبل قادة قوى سياسية، وأشخاص مؤثرين في مؤسسات الدولة، هناك حيتان كبيرة للفساد هي التي تسببت في انتشاره".