الفائدة الأميركية تضغط على الأسواق وتوقعات بارتفاع سعر الذهب

24 مارس 2023
متعاملون في سوق وول ستريت (Getty)
+ الخط -

لا تزال معنويات المستثمرين في أسواق المال تعاني من أزمة المصارف التي ضربت السوق في الأسبوع الماضي واستمر صداها يتردد طوال الأسبوع الجاري رغم أن مسؤولي المال في كل من سويسرا وأميركا سيطروا على أزمة "كريدي سويس" وإفلاس "سيليكون فالي".

وكانت مؤسسات مالية وبنوك استثمار ومحللون قد توقعوا أن يتوقف المجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) عن سياسة رفع سعر الفائدة على الدولار ولكنه رفعها يوم الأربعاء بنسبة ربع نقطة مئوية، وهو ما قابلته الأسواق بامتعاض شديد، حيث تراجعت المؤشرات الرئيسية الثلاثة في سوق "وول ستريت" إلى أدنى مستوياتها، يوم الأربعاء عقب المؤتمر الصحافي لرئيس مجلس الاحتياطي جيروم باول الذي أعلن فيه خفض الفائدة للمرة التاسعة على التوالي.

وحسب بيانات وول ستريت، انخفض مؤشر داو جونز الصناعي بما يصل إلى 271.53 نقطة، متراجعًا بنسبة 0.83%. كما انخفض مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" بنسبة 0.75% ومؤشر ناسداك المركب بنسبة 0.59%. وبهذا القرار رفع الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة إلى نطاق يراوح بين 4.75% و5%.

وأكد رئيس المجلس، جيروم بأول في عبارة مطمئنة أن الاحتياطي الفيدرالي سيستخدم "جميع الأدوات المالية" للحفاظ على النظام المصرفي آمناً. كما أعطي تأكيدات بمواصلة سياسة رفع الفائدة والتشدد النقدي حيث قال إنه من غير المحتمل التحول لخفض معدلات الفائدة الأميركية هذا العام، مشيرًا إلى إمكانية مواصلة رفع الفائدة.

وذكر جيروم باول في مؤتمر صحافي عقب قرار السياسة النقدية أنه "إذا كانت هناك حاجة لرفع معدلات الفائدة، فإننا سنقوم بذلك، في النهاية، سنقوم بكل ما يكفي لإعادة التضخم نحو المستهدف البالغ 2%".

وأضاف "لكني أعتقد أننا نشهد احتمالية حدوث تشديد ائتماني في الوقت الحالي نتيجة المشاكل المصرفية، وهو ما قد يحل بديلًا عن رفع معدلات الفائدة". وأشار بأول إلى أنه في حال استمرار الاقتصاد كما يتوقع صانعو السياسة، فإنه لن يكون هناك أي سبب لخفض معدلات الفائدة هذا العام.

وفي ما يتعلق بالمخاوف المتصاعدة بشأن النظام المصرفي الأميركي مؤخرًا، شدد على أن القطاع المصرفي قوي وسليم ويمتلك رؤوس أموال كافية.

ورفع الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة 25 نقطة أساس لتصل إلى نطاق 4.75% و5%، لكن مع الإشارة إلى احتمالية إقرار زيادة واحدة إضافية هذا العام.

ويتوقع محللون أن تتبع البنوك المركزية التي تتبنى "الدولرة" في أوروبا وآسيا وأميركا الجنوبية خطوة الفيدرالي رفع الفائدة، وبالفعل رفعت البنوك المركزية في سويسرا ودول الخليج وبلدان أخرى أسعار الفائدة أمس بنسبة ربع في المائة.

ورفع بنك إنغلترا أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية الخميس، إلى أعلى مستوياتها في 15 عامًا تقريبًا، مؤكدًا موقفه السابق بأن أي زيادات أخرى ستعتمد على الأدلة الناشئة حول التضخم.

ورفع البنك المركزي البريطاني السعر إلى 4.25% كما كان متوقعًا، وهو أعلى مستوى منذ أكتوبر 2008، في وقت مبكر من الأزمة المالية، عندما كانت الفائدة 4.5%.

وقال البنك في بيانه إن لجنة السياسة المالية أكدت "مرونة" البنوك البريطانية، وترى أنها في وضع جيد لمواصلة دعم الاقتصاد عبر مجموعة واسعة من السيناريوهات الاقتصادية، بما في ذلك في فترة ارتفاع أسعار الفائدة. وجاء قرار الزيادة بموافقة 7 من أعضاء اللجنة البالغ عددهم 9، حيث قالوا إن التوقعات الأقوى للناتج المحلي الإجمالي وسوق العمل يمكن أن تعزز استمرار ارتفاع أسعار المستهلكين.

وتعد هذه الزيادة الحادية عشرة في أسعار الفائدة البريطانية على التوالي، حيث يكافح البنك التضخم الذي ارتفع إلى 10.4% في فبراير/شباط، ما أضعف الآمال بقرب هدوء ضغوط ارتفاع الأسعار.

على صعيد أسعار السلع، تراجعت أسعار الخامات البترولية والمعادن الرئيسية. ولكن لاحظ محللون أن قوة الانتعاش الصيني ستدعم أسعار السلع الرئيسية خلال العام الجاري، وسط تقديرات أن يتراوح النمو الاقتصادي في الصين بين 5.5 و7.0% خلال العام.

وباتت الصين إلى حد ما تحدد أسعار المعادن الأساسية إلى جانب سعر الدولار والفائدة. وهنالك علاقة عكسية بين أسعار النفط والمعادن وبين سعر صرف الدولار، حيث يعني ارتفاع الدولار تراجع أسعار السلع الأولية التي يتم المتاجرة فيها بالعملة الأميركية، مثل النفط وبعض السلع الرئيسية.

على صعيد النفط تراجعت أسعار النفط الخام أمس الخميس حيث أشار الاحتياطي الفيدرالي إلى أن الاقتصاد الأميركي لم يخرج بعد من الأخطار، وأفادت وكالة معلومات الطاقة بزيادة أسبوعية أخرى في مخزونات النفط الخام الذي تعرض لضغوط من التعليقات التي أدلى بها جيروم باول حول مخاطر الائتمان في النظام المصرفي للبلاد.

التأكيد كانت ترغب في سماعه أسواق المال في أعقاب الهزة المصرفية التي تعرضت لها خلال الشهر الجاري.

وتأتي التعليقات في أعقاب انهيارين مصرفيين في وقت سابق من هذا الشهر، مما أدى إلى انخفاض سعر النفط الخام وسط مخاوف من إمكانية بدء تأثير ذلك في الصناعة المصرفية الأميركية. وتعد أميركا أكبر اقتصاد مستهلك للنفط ومشتقاته، حيث تقدر وكالة الطاقة الدولية حجم الاستهلاكي النفطي الأميركي بنحو 20 مليون برميل يومياً.

وهي بهذا الاستهلاك الضخم الذي يعادل نحو 20% من الاستهلاك العالمي لها تأثير مباشر على أسعار النفط على جانب الصين المستورد الأكبر للخامات البترولية في العالم.

في هذا الصدد، قال محلل السوق في شركة "آي.جي" الهولندية، ييب جون رونغ، ساهمت "أوبك+" كذلك في تراجع أسعار النفط، بالقول إنه ليس لديها خطط لإجراء تعديلات جديدة على جدول إنتاجها على الرغم من انخفاض أسعار النفط.

وفي حديث لرويترز في وقت سابق هذا الأسبوع، قال بعض مندوبي "أوبك +" إن المجموعة لن تتدخل في سوق النفط بتغييرات في سياستها الإنتاجية، ومن المرجح أن تبقي على الحصص الحالية حتى نهاية عام 2023. وقال محللو شركة "إنرجي أسبكتس" الأميركية في مذكرة هذا الأسبوع "سيكون من السابق لأوانه أن تتخذ أوبك + إجراءات جديدة".

في ذات الشأن، قالت رئيسة أبحاث السلع العالمية في مصرف "جي بي مورغان"، ناتاشا كانيفا: "ستشهد سوق النفط فائضًا في المعروض في الشهرين المقبلين مع بقاء الأسعار تحت الضغط حتى مايو/أيار، حيث من المرجح أن تنمو المخزونات العالمية بمقدار 46 ملايين برميل. وترى كانيفا أن أسعار النفط ستتأثر خلال العام الجاري بمدى تدخل أوبك + في السوق من خلال تعديل آخر للإنتاج وبقرار من الإدارة الأميركية بالبدء في ضخ جزء من احتياطي البترول الاستراتيجي.

من جانبها قالت شركة "وود ماكنزي" أمس الخميس إن الصين ستشكل جزءًا كبيرًا من انتعاش الطلب العالمي على النفط حيث يستعد الاقتصاد العالمي للتباطؤ في أعقاب ارتفاع أسعار الفائدة. وأضافت أنها تنظر إلى إعادة فتح الصين على أنها "المحرك الوحيد الأكبر للطلب على النفط"، وتتوقع أن تشكل الصين ما يقرب من 40%من انتعاش الطلب العالمي على الخامات البترولية خلال العام الجاري.

على صعيد الذهب، من المتوقع أن يؤدي قرار زيادة الفائدة إلى ارتفاع سعر الذهب خلال العام الجاري.

وقالت محللة المعادن الثمينة، تينا تنغ من شركة الخدمات المالية " سي أم سي ماركتس" الأميركية: "من المرجح أن يتسبب قيام بنك الاحتياط الفيدرالي برفع أسعار الفائدة في ارتفاع أسعار الذهب مرة أخرى بسبب انخفاض إضافي محتمل في عائدات الدولار والسندات الأميركية".

وتتوقع الخبيرة تينا تنغ أن يتداول الذهب بين 2500 دولار و2600 دولار للأوقية خلال العام الجاري. على صعيد المعادن الأخرى يبدو أن أسعارها ستتأثر بالنمو الاقتصادي العالمي.

وذكر جون ريد كبير استراتيجيي السوق في مجلس الذهب العالمي أن قرار الفيدرالي بإبطاء وتيرة رفع الفائدة يسلط الضوء على أن البنك المركزي لا تزال لديه مخاوف بشأن العدوى في القطاع المصرفي، ما قد يضعف ثقة المستثمرين بشكل أكبر.

وأدت الاضطرابات المصرفية الأخيرة إلى مخاوف بشأن استقرار القطاع المالي وأثارت مخاوف من أزمات مصرفية نظامية أوسع نطاقًا، وقدم ذلك دعمًا للذهب من جهتين، حيث انخفضت عوائد سندات الخزانة الأميركية بشكل حاد، وكان هناك عمليات شراء للملاذ الآمن في صناديق الاستثمار المتداولة والذهب في أميركا الشمالية وأوروبا.

وأضاف ريد: بينما رأينا أن سعر الذهب يتراجع قليلاً عن أعلى مستوى له في 2023 خلال الأسبوع الماضي، إلا أن السعر لا يزال مرتفعًا خلال العام الحالي حتى الآن، ما يشير إلى أن المستثمرين يوازنون محافظهم الاستثمارية بعيدًا عن الأصول ذات المخاطر العالية. وأشار إلى أنه مع انخفاض شهية المستثمرين للمخاطرة، تظهر خصائص الملاذ الآمن للذهب.

المساهمون