يسيطر القلق على الطبقة المتوسطة في الجزائر من التهام الغلاء المستمر مدخراتهم، بعدما تسبب في إضعاف القوى الشرائية للكثير من الأسر، ودفع البعض منها إلى طبقات الفقر، حيث أثقلت قفزات الأسعار، التي شملت الغذاء والطاقة والخدمات، كاهل العائلات بفعل الصعوبات الاقتصادية وتراجع سعر صرف الدينار، الذي فقد ثلث قيمته منذ بداية الأزمة الاقتصادية نهاية 2016.
ودفعت الضغوط المعيشية الكثير من الأسر نحو الاقتراض بدلاً من الادخار، الذي كان ميزة المجتمع الجزائري، حسب المواطنة ربيعة، التي تعمل موظفةً في إدارة البريد، قائلة لـ"العربي الجديد" إنها وزوجها لم يدخرا أي دينار خلال العام الجاري، ما اعتبرته "مصيبة"، مضيفة "أصبحنا ننفق كل ما نتقاضاه على احتياجاتنا الشهرية".
تتابع :"كنا في السابق ندخر ما يقارب مائة ألف دينار سنويا (800 دولار حالياً) نتركها لقضاء عطلة صغيرة في الجزائر أو ننفقها في المناسبات الدينية وغيرها التي ترتفع فيها المصاريف". وترجع المواطنة الجزائرية هذا التحول في العادات الاقتصادية لعائلتها إلى ارتفاع ضغوط المعيشة وما قابلها من ارتفاع الضرائب وتدني قيمة الدينار.
وتعتبر حالة ربيعة مشابهة لحالة الملايين من الجزائريين الذين اضطروا للتخلي عن عادة توارثتها العائلات الجزائرية وبنت عليها ثقافتها الاقتصادية.
ويبدو أن الاندثار البطيء لعادة الادخار العائلي لم يقتصر على أصحاب الدخل الضعيف والمتوسط، بل امتد إلى أصحاب الدخل المرتفع، أي ما فوق مائة ألف دينار شهريا، حيث اضطرت هذه الفئة إلى تغيير عاداتها الإنفاقية والاستهلاكية، بشكل قلص ادخارها، وهو حال رياض فراحي، مسؤول تجاري في شركة تسويق عبر الإنترنت، الذي قال لـ"العربي الجديد" إن مدخراته تقلصت بحوالي النصف خلال سنة بسبب غلاء المعيشة، ما قاده إلى تغيير مشاريعه، كتغيير السيارة والاكتفاء بقضاء العطلة في تونس عوض الذهاب إلى تركيا وإسبانيا كما كان مبرمجا".
ويمثل الادخار العائلي قرابة خُمس الادخار الوطني في الجزائر، ما جعله منبعاً لتمويل الاقتصاد المتعثر خلال السنوات الأخيرة بفعل تراجع مداخيل البلاد من بيع النفط، غير أن هذه النسبة قد لا تصمد كثيراً نتيجة ارتفاع أعباء المعيشة وعدم مسايرة دخل العائلات الجزائرية لهذه التغيرات، خاصة في ظل ارتفاع أسعار المواد واسعة الاستهلاك بأكثر من 30% العام الجاري، إذ قفز معدل التضخم من 5.6% نهاية 2021، إلى 12% حالياً.
يرى الخبير الاقتصادي في جامعة باجي مختار، سعيد بربيش، أن "نهاية العهد بين الجزائريين والادخار كان متوقعا بالنظر لعدة متغيرات، منها انهيار الدينار وما تبعه من ارتفاع التضخم، وفي المقابل، نرى أن الرواتب في الجزائر لم تساير هذه التطورات التي فرضتها الأزمة المالية، حيث لم ترتفع الأجور منذ 2011، وبالتالي من يتقاضى اليوم 30 ألف دينار (220 دولارا) يجد نفسه ينفق كل راتبه، بعد أن كان ينفق 70% منه قبل 3 سنوات".
وأضاف بربيش لـ"العربي الجديد" أن "المخاوف تتزايد من تقلص الطبقة الوسطى وتحول المجتمع إلى طبقتين، غنية تزداد غنى وتبحث عن جمع المال، وأخرى فقيرة تزداد فقرا همها كسب قوت يومها".
وإذا كانت في الجزائر، اليوم، أسر اضطرت إلى تغيير عاداتها الاستهلاكية والإنفاقية، لمسايرة غلاء المعيشة والصمود أمام مصاريف الشهر المرتفعة، فإن الجزائر، التي تعد من أغنى الدول في القارة الأفريقية ومن أكبر منتجي الغاز والنفط في القارة، يوجد فيها ملايين المواطنين يعيشون تحت خط الفقر، لا يجدون قوت يومهم، ويعانون في صمت.
وحسب عبد الله تيزراوت، عضو الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الجزائيين، فإن "مؤشرات مقلقة عن الفقر وخريطة الفقراء في البلاد ظهرت، فبعد أن كشفت دراسة ميدانية قامت بها الرابطة أن 14 مليون جزائري يعيشون تحت خط الفقر، تتوقع الرابطة اتساع دائرة الفقر لتطوق 16 مليون شخص، أي قرابة 30% من المجتمع".
وأضاف تيزراوت لـ"العربي الجديد" أن "القدرة الشرائية لدى الجزائريين هوت بنسبة 40% خلال العامين الماضي والحالي مع ارتفاع الأسعار، خاصة في ما يتعلق بالمواد الأساسية".
وتزيد معدلات البطالة المرتفعة من قتامة المشهد. إذ تظهر الإحصائيات، التي كشفت عنها الحكومة في موازنة 2023، أن نسبة البطالة ارتفعت إلى ما فوق 10%، وهي أرقام تناقض الخطاب الرسمي الذي يقر بانتعاش سوق الشغل، بينما توقع صندوق النقد الدولي ارتفاع هذه النسبة إلى 11.16% بنهاية 2022 وإلى 13% في 2023.
وفي السياق، يقول الخبير الاقتصادي جمال نورالدين إن "إحصائيات الحكومة حول العاطلين عن العمل بعيدة عن الواقع، وهناك ملايين من الشباب عاطلون عن العمل"، متوقعا أن " تشهد السنة الحالية ارتفاعاً للبطالة لسببين: الأول يتعلق بتواصل انكماش الاقتصاد، والثاني دخول عشرات الشركات التي يملكها رجال الأعمال المسجونين في دوامة الجمود".