استقبل المصريون موجة جديدة من غلاء السلع الأساسية والخدمات. تراوحت الزيادة ما بين 10% و25%، مع اللحظات الأولى لتطبيق الحكومة قرار رفع أسعار السولار، نهاية الأسبوع الماضي، بنحو 14%، دفعة واحدة، عقب موجة متواصلة من رفع أسعار الوقود، بدأت بأسعار البنزين، بنحو 11.2% نهاية إبريل الماضي.
يقف إسماعيل، بائع الأسماك وسط السوق الرئيسي للأسماك بمدينة الجيزة، غرب العاصمة، حائرا فيما لديه من كميات محدودة، تسلّمها فجر أمس من السوق المركزي في مدينة العبور، شرق العاصمة، بارتفاع يصل إلى 25% عن السعر السائد.
يعلم إسماعيل، الذي رفض ذكر اسمه كاملا، بخبرته، أن السلع الغالية تدفع المواطنين إلى تبريد الطلب عليها، مهما كانت قيمتها الغذائية، في ظل تراجع قيمة الجنيه والدخل الحقيقي.
الجمهور يأتي إلى السوق فيظل يحسب كل مشترياته بدقة، وبدلاً من أن يشتري نوعين من الأسماك، يلجأ إلى نوعية واحدة أو كميات بسيطة، كما يقول إسماعيل، لـ"العربي الجديد".
تثير زيادة الأسعار جدلاً بين الباعة والمشترين، مع تفاجئهم بالزيادة الهائلة في سعر الأسماك، في وقت تتجه فيه طبيعياً إلى الانخفاض مع تحسّن الأجواء وإلغاء حظر الصيد بالبحيرات والمناطق الشاطئية، لحماية المصائد والمزارع السمكية، وتنوع المنتجات بين النيلي والبحري وما تخرجه المزارع السمكية المنتشرة في المجاري المائية.
يثير الجدل المنازعات أحياناً بين الجمهور والباعة، بما يضيّع وقت إسماعيل وزملائه في فض المنازعات، وتعدد المحاولات مع العملاء لإقناعهم أنهم ضحايا الغلاء مثلهم. يصف إسماعيل زيادة أسعار السولار بالكارثة، لأنه الوقود الرسمي لسيارات نقل الأسماك وغيرها، ويستخدم في تشغيل ثلاجات حفظ الأسماك بالسوق ومخازن التوزيع، مؤكداً أن مستودعات حفظ الأغذية في الأسواق والفنادق والمستودعات، اشترت مولدات تعمل بالسولار لتوفير كهرباء رخيصة، بدلاً من الأسعار المرتفعة من الدولة. ومع ارتفاع السولار، أصبح تشغيل تلك المعدات نقمة على الجميع، لارتفاع التكلفة.
يهرول إسماعيل وراء أحد العملاء الذي يبحث عن وجبة أسماك، فيعرض عليه البلطي الشعبي بـ80 جنيهاً، والبوري بـ160 جنيهاً. يراجع المشتري الأسعار، ويدرك أن وجبته الشعبية من البلطي التي غاب عنها بضعة أيام ارتفعت بشكل كبير.
أدت موجات الغلاء إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية ضعفين وثلاثة أضعاف، وبلوغها نحو 65%، وفقا لتقديرات جهاز التعبئة والإحصاء، بينما تشهد تراجعا دوليا، منذ أشهر، وفقا لتقديرات البنك الدولي ومنظمة الأغذية والزراعة" الفاو".
دفعت دائرة الغلاء التي تتداعى كقطع الدومينو بالأسواق، أغلبية تجار الأسماك، إلى تسليم تراخيص المحلات التي يملكونها إلى محافظة الجيزة، التي بالغت في رفع قيمة تأجير المحلات، وتحميل الباعة تكاليف إعادة تطوير السوق، والتي لم تتعد تغيير السور الخارجي وتلميعه ليعيد كبار المسؤولين فتحه تحت شعار "سوق الأسماك المتطور".
تسارعت عمليات الإغلاق مع توجه كثير من الباعة إلى تسويق منتجاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي والاتصال المباشر مع الجمهور، والاتفاق معهم على الكميات والنوعيات التي يطلبونها، للهروب من تكاليف المحلات، والضرائب الباهظة التي تفرض وتزيد من ضغوط تكاليف التشغيل.
تفضل بعض محلات الأسماك الشهيرة التسويق الإلكتروني، مع تخصيص محلاتها لإعداد الوجبات المنزلية والسريعة، بعد ملاحقتهم بشروط أمنية وفنية تحمّلهم أعباء مالية باهظة، وبضغوط أمنية مستحدثة بقانون المحلات العامة والذي صدر منذ شهرين، ما منع كثيرين من الحصول على التراخيص.
تنتج المصائد السمكية عشرات الأنواع من الأسماك النيلية والبحرية، تقدّرها وزارة الزراعة بنحو مليوني طن سنوياً، بينما تشير دراسات بحثية على أنها في حدود مليون طن سنوياً. سيطرت الشركة الوطنية للأسماك التابعة للجيش على الصناعة منذ 6 سنوات.
وخططت الشركة لدعم صادرات مصر من الأسماك لتوفير العملة الصعبة، في بلد أصبح شح الدولار فيه يمنعه من توفير الغذاء الرخيص لشعب يعيش 60% منه عند مستوى أو تحت خط الفقر، وفقاً لتقديرات البنك الدولي. لم تفِ الشركة بما تعهدت به عبر سنوات، فقد زادت أسعار الأسماك بما يعادل 4 أمثال عما كانت عليه، منذ عام 2016، عندما هيمنت على شؤون الثروة السمكية في البلاد، فانتقلت الوجبة التي توفر البروتين للمواطنين مرة أو مرتين أسبوعيا، لتصبح صعبة المنال إلا على الأغنياء.
يشير خبراء إلى مبالغة الحكومة في تقدير أسعار الوقود في الموازنة الجديدة، مؤكدين أن توقعات البنك وصندوق النقد الدوليين ومنظمة الطاقة الدولية تتوقع أن يظل سعر برميل النفط عن مستوى أقل من 80 دولارا، حتى نهاية العام الحالي، في ظل تباطؤ النمو العالمي، وتحسّن أداء سلاسل التوريد، وتحجيم آثار الحرب الروسية في أوكرانيا، وهبوط أسعار خام برنت عند مستوى 78 دولارا خلال الفترة الحالية.
يدعو الخبراء، الحكومة، إلى التأني في رفع أسعار الوقود والطاقة، خاصة السولار، الذي سيؤثر سلبا على تكلفة المحاصيل الزراعية التي تعمل معداتها بالسولار، بالتوازي مع المصانع وسلاسل التوريد والمخازن، بما سيؤدي إلى موجات متتالية من الغلاء تشمل جميع السلع، وتخلق أجواء تضخمية واسعة، مع تراجع كبير في قيمة العملة فاق 50%، خلال عام.
تنتج المصائد السمكية عشرات الأنواع من الأسماك النيلية والبحرية، تقدّرها وزارة الزراعة بنحو مليوني طن سنوياً
يخشى محللون من زيادة التضخم الذي دفع الشركات غير المنتجة للنفط إلى الاستمرار في منطقة الركود، للشهر 29 على التوالي، وتعمل في أجواء شديدة الضبابية والتشاؤم، وفقا لمؤشر مدراء المشترين الذي أصدرته وكالة ستاندرد أند بورز للتصنيف الائتماني، نهاية الأسبوع الماضي.
تمضي الحكومة نحو رفع أسعار الوقود والطاقة، ملتزمة باتفاق مسبق مع صندوق النقد الدولي نهاية ديسمبر الماضي، على رفع الأسعار ووقف دعم الوقود، وتحديد أسعاره وفقا للتكلفة الدولية. تتجاهل الحكومة مطالب نواب البرلمان وخبراء، بأن تضع تكلفة الوقود وفقا للتكلفة الاجتماعية والتشغيل طبقا لقيمة الأجور والإنتاج المحلي للبترول، بينما تبرر الحكومة رغبتها في توفير نفقات الدعم التي ستكلفها في السولار بمفرده نحو 64 مليار جنيه، العام المقبل، بدلا من 80 مليار جنيه حالياً.
وتزيد الحكومة ضغوطها على المواطنين، أملاً في وقف نزيف النفقات، على السلع المدعمة والأساسية، بينما يتهمها نواب بالإسراف على مشروعات عديمة القيمة أدت إلى رفع الديون العامة إلى معدلات خطيرة، تدفع مؤسسات التصنيف الائتماني إلى تعديل نظرتها المستقبلية للاقتصاد إلى سلبية.