الغلاء يرغم البريطانيين على تغيير أنماط حياتهم

12 ابريل 2022
ارتفاع تكاليف المعيشة ينذر بتزايد الفقر (Getty)
+ الخط -

تجاهر أسر كثيرة في بريطانيا بالضيق من الغلاء الذي بات يفتك بمستويات المعيشة وينذر بتزايد معدلات الفقر في البلد الأوروبي، حيث يتسبب ارتفاع فواتير الوقود وتصاعد مدفوعات التأمين الوطني وغيرهما من العوامل في أكبر أزمة تكلفة معيشية، ليحذر محللون من صعود معدلات الفقر إلى مستويات لم يسبق لها مثيل في المملكة المتحدة خارج فترات الركود.

تحدثت عدة عائلات إلى وسائل الإعلام، كما نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن عجزها عن تحمّل التكاليف المتزايدة والارتفاع الجنوني للأسعار، مشيرة إلى اضطرارها لتغيير نمط حياتها وأحياناً إلى الاختيار بين التدفئة أو تحمّل تكاليف الطعام.

وتتفاقم أوضاع الأسر التي تعتمد على الزيت لتدفئة منازلها، بسبب ارتباط سعر الوقود الوثيق بتكلفة النفط الخام الذي ارتفعت أسعاره بشكل كبير بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في 28 فبراير/شباط الماضي؛ إذ أصابت أسعار زيت التدفئة الخاص بالمنازل (كيروسين في الغالب) التي ارتفعت بنسبة 50% ما يزيد عن مليون أسرة في المملكة المتحدة، فيما يخشى عدد من العائلات مواصلة الأسعار الصعود.

يقول هيوز (81 عاما) من بالي كلير/ أيرلندا الشمالية، في حديثه إلى "العربي الجديد" إنه يعيش وحده بعد وفاة زوجته في منزل مكوّن من أربع غرف نوم ويستخدم حوالي 300 ليتر من زيت التدفئة شهرياً للحفاظ على الحرارة الملائمة، مشيرا إلى أن فاتورة تدفئة منزله الشهرية أصبحت حوالي 324 جنيها إسترلينيا.

ويشير هيوز إلى ارتفاع أسعار زيت التدفئة بشكل جنوني في مارس/آذار بسبب هلع الناس مع بدء الحرب وازدياد الطلب عليه، لافتا إلى أنه دفع 450 جنيهاً إسترلينياً في الرابع من مارس/ آذار الماضي مقابل 400 ليتر.

ويضيف أنه يحاول حاليا تقليص استخدامه للتدفئة، فبعدما كان يشغلها من الساعة الثامنة صباحاً ولغاية العاشرة مساء بات يقنن استخدامه، فيتأخر ساعة في الصباح ويوقفها عند الظهر والعصر لساعة تقريباً في كل مرة ثم يوقف التدفئة عند الثامنة مساء ويخلد إلى فراشه مبكراً كي يتفادى البرد.

ويُستخدم زيت تدفئة المنازل في جميع أنحاء بريطانيا العظمى، وبشكل كبير في أيرلندا الشمالية التي يعمل ثلثا أنظمة التدفئة المركزية به، وفقاً لمسح حالة المنازل في أيرلندا الشمالية لعام 2016.

ويُستخدم في مناطق ريفية عديدة في البلاد، كما يستخدمه حوالي 8% من المنازل في ويلز، وفقًا لمكتب الإحصاء الوطني. وفي إنكلترا، تستخدم قرابة 3% من الأسر زيت تدفئة المنازل، على الرغم من أن هذه النسبة ترتفع إلى 7% في جنوب غربي وشرق إنكلترا. وتُظهر بيانات التعداد لعام 2011 أن حوالي واحد من كل 20 منزلاً في اسكتلندا يستخدم زيت تدفئة المنازل.

صدمة تاريخية للدخل

وحذر محافظ بنك إنكلترا المركزي، أندرو بيلي، من أن البريطانيين يواجهون "صدمة تاريخية للدخل الحقيقي"، مع ارتفاع أسعار الطاقة هذا العام أكثر من أي عام خلال السبعينيات.

وقال في تصريحات أخيراً، إن التأثير الكارثي الذي ستحدثه هذه الأزمة على سبل عيش الناس واضح، وإن 600 ألف شخص قد يواجهون الفقر بينما سيعاني الملايين من تحمّل التكاليف الضرورية.

في المقابل، يحاول البريطانيون توفير ما أمكن من التكاليف حتى لجأ العديد منهم إلى استخدام وسائل النقل العام والدراجات الهوائية والسير على الأقدام، بدلاً من استخدام سياراتهم الخاصة لتقليص استخدامهم للبنزين الذي ارتفعت أسعاره أيضاً بشكل كبير.

تقول لوريللا (54 عاماً) لـ"العربي الجديد" إن استخدامها للدراجة الهوائية ازداد ولم تعد وسيلة للترفيه فقط بل باتت وسيلة نقل أساسية لمعظم الأماكن القريبة منها.

وتضيف أنها ترى المزيد من الدراجات الهوائية في الشوارع بالإضافة إلى التحول لوسائل النقل العام. وتتابع: "قد يكون ارتفاع أسعار الوقود إيجابياً إلى حد ما، ويصب في مصلحة البيئة والتغير المناخي، لكن ما يثير القلق هو ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة التي تهدد بالفعل حياتنا وبشكل خاص أصحاب الدخل المنخفض".

ارتفاع معدلات الفقر

وحذرت جمعيات خيرية من أن الوضع سيزداد سوءاً مع ارتفاع تكلفة المعيشة. فاليوم يعود ما يعرف بمعدل فقر الأطفال في الأسر الكبيرة التي لديها ثلاثة أطفال أو أكثر إلى ما كان عليه عام 1996/1997 أي 47% بعدما تمكنّت الحكومة من إحراز تقدّم عبر خفض هذا المعدّل إلى 33% حتى عام 2012/2013، وذلك وفق بيانات تقرير الفقر في المملكة المتحدة لعام 2022، الذي يحدد اتجاهات وآثار الفقر في جميع أنحاء المملكة المتحدة.

وارتفع معدل فقر الأطفال بسرعة في السنوات الأخيرة، حيث كان هناك 4.3 ملايين طفل تحت الخط حتى قبل انتشار جائحة كورونا. وكان هذا الرقم أعلى بمقدار 500 ألف طفل على مدى السنوات الخمس الماضية.

مع ذلك، قالت الحكومة إنها ليست بحاجة إلى وحدة مخصصة لمعالجة فقر الأطفال، لأنها ألغت أهداف فقر الأطفال، ما دفع سياسيي المعارضة ونشطاء الفقر إلى اتهام الوزراء بالافتقار إلى خطة.

تواصلت "العربي الجديد" مع رومينا (48 عاماً) التي تتكون عائلتها من خمسة أشخاص، فقالت إن "الارتفاع المفاجئ للأسعار وضعها وزوجها أمام خيارات صعبة وراحا يخططان معاً لكيفية تفادي الوقوع في براثن الفقر".

وتتابع: "توقفنا عن شراء أي ملابس جديدة، ورحت أجول السوبرماركت في أوقات محدّدة بحثاً عن المواد الغذائية التي تحظى بأسعار مخفضة، لكن المضحك المبكي أننا بتنا نتناول أطعمة صحية أكثر حيث توقفنا عن طلب الوجبات السريعة والكثير من الحلويات ورقائق البطاطس والعصائر، ورحنا نطهو لحوماً أقل والمزيد من الخضروات، أما التدفئة فنحاول قدر المستطاع تفاديها ونرتدي المعاطف داخل المنزل كما نستخدم قوارير المياه البلاستيكية الساخنة للشعور بالدفيء، فالوضع صعب للغاية حتى أنّنا لا نستخدم سيارتنا سوى للضرورة القصوى، ويتجول ابني على دراجته الهوائية ونلجأ نحن إلى الباص أو القطار".

اللجوء إلى بنك الطعام

وتشير بيانات صادرة عن منظمة "تراسل تراست" الخيرية إلى تزايد حالات اللجوء لبنك الطعام، خاصة من جانب الأشخاص الذين يعانون حالات صحية مزمنة.

ووفق البيانات فإن 75% من مستخدمي بنك الطعام لديهم فرد واحد أو أكثر متأثر بظروف صحية. ووفق بحوث وكالة معايير الغذاء، يستخدم بنكَ الطعام واحدٌ فقط من كل سبعة أشخاص يعانون فقر الغذاء.

وتظهر الأبحاث أن الناس يتوجهون إلى بنك الطعام للحصول على المساعدة كملاذ أخير، وغالباً ما يلجأون إلى تخفيض ميزانيات تكاليف الطعام عن طريق شراء بديل أرخص وخفض الكمية التي يأكلونها. كذلك لا يجدون دائماً الطعام الذي توفره الجمعيات الخيرية الغذائية مناسباً لحالتهم الصحية.

ومما يثير القلق أنّ العيش مع انعدام الأمن الغذائي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمشاكل الصحة العقلية، كما أن الاضطرار إلى استخدام بنك الطعام يمكن أن يسبب ضغوطًا نفسية إضافية.

إيجارات المنازل والرهون العقارية

وترتفع كذلك تكاليف الإيجار الآن بأسرع معدل لها على الإطلاق، حيث تظهر بيانات من مؤشر تأجير المنازل ( HomeLet Rental index) أن متوسط الإيجارات ارتفع بنسبة 8.6% اعتباراً من فبراير/شباط 2022. بينما كان مكتب الإحصاءات الوطنية قد ذكر في تقرير له أخيراً أن متوسط الإيجار ارتفع بنسبة 2% خلال العام الماضي 2021.

تظهر البيانات بالفعل أن الإيجارات الخاصة لا يمكن تحمّلها بالنسبة لأفقر الناس في البلاد، حيث تبين بيانات من عام 2021 أن هناك منطقتين فقط في إنكلترا، حيث تنفق العائلات الأكثر فقراً أقل من 30% من دخلها على تكاليف الإيجار.

وسيتضرر أصحاب الرهن العقاري أيضاً من زيادة التكاليف، حيث رفع بنك إنكلترا سعر الفائدة الأساسي في محاولة لمعالجة التضخم، ما يعني أن السداد سيكون أكثر كلفة.

المساهمون