أدى ارتفاع الأسعار اليومي إلى تغيير كثير من العادات الغذائية التي اعتاد عليها السوريون طوال عقود مضت، فأصبح الشغل الشاغل للغالبية الاستغناء عن كل ما يمكن الاستغناء عنه من احتياجاتهم الأساسية، الأمر الذي بدأ يهدد أمنهم الغذائي.
يدخل عبدو أيوب (33 عاما)، موظف في القطاع العام في دمشق، إلى دكان لبيع المواد الغذائية على أطراف دمشق الجنوبية وهو يحمل بيده طبقاً صغيراً من المعدن، طالبا من البائع أن يضع له بداخله ثلاث ملاعق من اللبنة فقط، بلغ ثمنها ألف ليرة سورية، وهو مبلغ كبير بالنسبة لموظف دخله الشهري لا يتجاوز 55 ألف ليرة (يبلغ سعر صرف الدولار الأميركي الواحد نحو 4300 ليرة). "هذه الكمية القليلة من اللبنة هي وجبة الفطور له وزوجته وطفليه"، بحسب حديث أيوب مع "العربي الجديد".
وأضاف: "منذ بداية انتشار فيروس كورونا الجديد في شهر آذار/ مارس في العام الماضي، بدأ الوضع المعيشي يتراجع بشكل متسارع في ظل ارتفاع الأسعار بصورة شبه يومية، وانهيار القيمة الشرائية لليرة، فالمائدة السورية معروفة بغناها الغذائي، وكانت توجد في وجبة الفطور الألبان والأجبان والزيتون بأنواعه والمكدوس والزيت والزعتر والبيض والمربيات وهذه أيضا متنوعة بشكل كبير، لكن اليوم في وجبة الفطور لن يكون على مائدتنا سوى هذه الملاعق الثلاث من اللبن سنستخدمها مع أربعة أرغفة من الخبز لتحضير ساندويش لبنة، دون أي إضافة؛ لا زيت ولا خضار ولا كأس من الحليب أو الشاي".
ليست المائدة لدى عائلة أبو كريم قسومة (42 عاما) أفضل من مائدة أيوب، فوجبة الفطور اليوم ستقتصر على طبق من الزعتر وإلى جانبه طبق وضع به القليل من الماء بدلا من أن يكون من الزيت، قائلا في حديث مع "العربي الجديد": "الزيت أصبح نوعا من الرفاهية، فسعر الكيلوغرام الواحد من زيت الزيتون وصل إلى حدود 10 آلاف ليرة، أما زيت دوار الشمس فسعر الكيلوغرام منه وصل إلى نحو 12 ألف ليرة، وأقل عائلة تحتاج إلى أربعة كيلوغرامات من الزيت في الشهر، أي أن راتب الموظف لن يكفي لشراء الزيت فقط".
وتابع: "حتى وجبة الغداء تغيرت مكوناتها، فاللحم والدجاج أصبحا من المنسيات، ولم نعد نستخدم السمنة"، لافتا إلى أن "تسوق مكونات وجبة الغداء أمر مرهق، فيجب أن نؤمن منتجات على قدر حاجتنا وبما يتوفر من مال، وهذه ليست حالة شخصية بل غالب العائلات اليوم تذهب إلى السوق تستطلع أسعار المواد التي تحتاجها، ومن ثم تبدأ الشراء بالحبة مثلا حبة بصل و4 حبات بندورة و4 حبات بطاطا".
وأضاف: "ليس مستغربا أن يطلب أحدهم زيتاً بخمسمائة أو ألف ليرة؛ وهذه، اليوم، عادات جديدة على السوريين، فهم كانوا معتادين سابقا على الشراء بالكيلوغرام، إضافة إلى المونة التي غالبا ما تكون داخل كل منزل من السمن والزيت ومواد مثل السكر والرز والبرغل والعدس وغيرها من المواد الغذائية الناشفة كما تعرف في سورية".
من جانبه، قال شاكر العلي، صاحب بقالة لبيع مواد غذائية وخضار وفواكه في دمشق لـ"العربي الجديد": "عادات الشراء تغيرت بشكل كبير لدى المجتمع السوري، حيث أصبح من الطبيعي أن يدخل الزبون ويشتري خضاراً بالحبة أو بمبلغ محدد، غالبا الناس لم تعد تطلب شيئاً بالكيلوغرام".
وأضاف: "الفواكه اليوم تقتصر على نوع أو نوعين من الفواكه الموسمية، وبكميات محدودة فالناس أصبحت تعتبر الفواكه من الكماليات، وهناك من استغنى عن الكثير من المواد التي تدخل في الحياة اليومية للعائلة، كالمتة أو أنواع البزورات الشعبية".
وبين أن "الأسعار تضاعفت منذ الشهر الماضي إلى اليوم، فسعر كيلوغرام السكر ارتفع من نحو 1500 ليرة إلى ثلاثة آلاف ليرة، أما الرز فارتفع من 1700 ليرة إلى 3 آلاف، وكيلوغرام السمن ارتفع من 15 ألفاً إلى 30 ألفاً، وحتى الحبوب الأساسية ارتفعت فسعر كيلو العدس لا يقل عن 2300 ليرة سورية فيما كان سعره سابقاً 1700 ليرة، وسعر كيلو الحمص الحب حالياً هو ثلاثة آلاف ليرة مرتفعا ألف ليرة".
وقال العلي: "حتى الناس التي كانت تلجأ لبسطات بيع المواد الغذائية الخاصة بالمساعدات الإغاثية، والتي كانت نوعا ما تعتبر ذات أسعار أقل من مثيلاتها في السوق، وخاصة أنها تباع في الشوارع أي لا يحمل عليها تكاليف أجور الدكان والرسوم والخدمات، أصبحت تبيع بأسعار قريبة من مثيلاتها في المحال، ما حرم شريحة واسعة من إمكانية الحصول عليها".
يشار إلى أن السوريين يعانون انتشار الفقر المدقع في ظل ارتفاع نسب البطالة وضعف الدخول، في وقت تُحتسب الأسعار على أساس الدولار.
وكان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أعلن الشهر الماضي، أنّ 12.4 مليون شخص في سورية يكافحون للعثور على ما يكفيهم من الطعام، في زيادة كبيرة وصفتها بأنها "مقلقة"، مبينا أن الرقم يعني أن 60 بالمائة من السكان السوريين يعانون الآن انعدام الأمن الغذائي، بناءً على نتائج تقييم وطني في أواخر عام 2020، ويمثل ذلك زيادة حادة من 9.3 ملايين شخص كانوا يعانون انعدام الأمن الغذائي في مايو/ أيار من العام الماضي.