تكرر مشهد الاحتجاجات المعيشية في المغرب طوال الفترات الماضية، وسط موجات متواصلة من الغلاء في معظم السلع الأساسية تثقل على الأسر في الأشهر الأخيرة.
وكانت الأسر المغربية قد بعثت رسائل متشائمة إلى الحكومة حول وضعها المعيشي، حسب ما يتجلى من البحث الذي تجريه المندوبية السامية للتخطيط الحكومية، حول الظرفية لدى الأسر.
واعتبر منسق الجبهة الاجتماعية الداعية لمسيرة الأحد، يونس فراشين، أن مبرر الاحتجاج سببه السياسات الحكومة التي تخدم في تصوره الرأسمال والقطاع الخاص، في الوقت الذي ينزلق مغاربة إلى الفقر وتتسع الفوارق الاجتماعية والمجالية.
وذهب إلى أن الحكومة أتاحت لرجال الأعمال إجراءات جبائية غير مسبوقة، في الوقت الذي تصل البطالة في المدن إلى حوالي 16 في المائة، مشيرا إلى أن الحكومة تتحدث عن تسبب التضخم المستورد في ارتفاع الأسعار، بينما يرى فراشين، أن ذلك ساهم فيه استغلال البعض للأزمات.
وأكد أن الجبهة التي تضم هيئات سياسية ونقابية وحقوقية وثقافية وجمعوية وشبابا، ستواصل الصدح بمطالبها الرامية إلى وضع حد للغلاء في العديد من المدن، علما أنها التزمت منذ تشكيلها بالمطالبة بإعفاء السلع الأساسية من الضريبة على القيمة المضافة، ودعم صندوق المقاصة للحد من غلاء المعيشة.
وتدعو الجبهة إلى إقرار عدالة جبائية بسن ضريبة على الثروة، وخفض الضريبة على الدخل، وإلغائها للمتقاعدين، ومحاربة التهرب الضريبي.
معنويات متراجعة
لم يغب الغلاء عن النقاش الجاري في المغرب منذ الحرب الروسية على أوكرانيا، حيث تجلى ذلك أكثر على مستوى السولار والبنزين، اللذين قفزت أسعارهما إلى حوالي ضعف المستوى الذي كانت عليه في ظل الحجر الصحي قبل أكثر من عامين.
وأفضى الجفاف الذي شهده المغرب في الموسم الماضي، والظرفية الدولية الناجمة عن الحرب، إلى ارتفاع أسعار العديد من السلع، حيث طاول ذلك، بشكل خاص، الحبوب واللحوم والزيوت.
وتفيد المندوبية السامية للتخطيط بأن التضخم قفز في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إلى 8.1 في المائة، بعد ارتفاع أسعار السلع الغذائية بنسبة 13.8 في المائة، والسلع غير الغذائية بنسبة 4.3 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وبعثت الأسر المغربية رسائل متشائمة إلى الحكومة حول وضعها المعيشي، حسب ما يتجلى من البحث الذي تجريه المندوبية السامية للتخطيط، حول الظرفية لدى الأسر، التي تراجع مؤشر ثقتها إلى أدنى مستوى له منذ انطلاق العمل ببحوث الظرفية سنة 2008.
فقد أكدت 81.5 في المائة من الأسر، في آخر بحث صادر في أكتوبر، تراجع مستوى المعيشة في الاثني عشر شهرا الماضية. تلك نسبة تصل إلى 49.8 في المائة عند استطلاع رأي الأسر حول توقعها تطور مستوى المعيشة خلال الاثني عشر شهرا المقبلة.
وصرحت 99.1 في المائة من الأسر بأن أسعار المواد الغذائية ارتفعت خلال الاثني عشر شهرا الأخيرة. تلك أسعار تترقب 76.4 في المائة من الأسر تواصل ارتفاعها في الأشهر الاثني عشر المقبلة.
ويعتبر خبراء ومهنيون أن ارتفاع التضخم إذا كان ناجما عن الاستيراد، فإنه في جزء منه مرتبط بطبيعة السوق، التي تعرف استغلال الوسطاء للظرفية من أجل التأثير على الأسعار، خاصة في ظل تحرير أسعار العديد من السلع والخدمات.
الحكومة: الدعم له حدود
يذهب الباحث في العلوم السياسية، طارق موتقي، إلى أن هناك فارقا بين معدل التضخم وتمثل الأسر لقدرتها الشرائية، حيث تقف يوميا عن التغيرات التي تطرأ على السلع والخدمات.
ويؤكد الباحث لـ"العربي الجديد" أنه في الوقت الذي يؤثر التضخم على الأجور والمدخرات، يفترض في الحكومة اتخاذ تدابير بهدف دعم القدرة الشرائية، تتجاوز ما دأبت عليه في الفترة الأخيرة من التأكيد على الحفاظ على دعم السكر وغاز الطهو والدقيق، والتخفيف من ارتفاع أسعار السولار.
ويتجلى أن ميزانية المقاصة للعام يرتقب أن تقفز في ظل ارتفاع الأسعار في السوق الدولية إلى 3.3 مليارات دولار، بعدما كانت خصصت لها الحكومة 1.7 مليار دولار في بداية العام.
ودأب رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، على القول إنه رغم التدابير التي اتخذت بهدف زيادة مخصصات الدعم، إلا أن الغلاء مستورد، مشددا على أنه لم تجر الزيادة في العديد من السلع والخدمات، واعتبر أن التدخل من أجل الدعم له حدوده.
دعوة لتسقيف الأسعار
يؤكد القيادي في اتحاد الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الحسين اليماني، أن الاحتجاج على الغلاء، يأتي بعدما ضاق الناس ذرعا بالأسعار التي تشهد زيادات متتالية، دون أن تكشف الحكومة عن تصور يمكن أن يفضي إلى كبح جماعها ويحفظ القدرة الشرائية للأسر.
ويعتبر اليماني في حديثه لـ"العربي الجديد" أن الأسر تركت لمواجهة القفزات المتتالية للأسعار، هذا في الوقت الذي كانت الحكومة عمدت منذ ثمانية أعوام إلى تحرير أسعار البنزين والسولار، وهما سلعتان تتدخلان في تضخيم أسعار السلع الموجهة للاستهلاك والخدمات.
ويرى أن التضخم الذي تبرره الحكومة بعوامل مرتبطة بالسوق الدولية نتيجة تداعيات الحرب في أوكرانيا، لا يفسر وحده الزيادات في الأسعار التي تنفلت بسبب التحرير وعدم ضبط السوق.
ويحيل على تجربة بلدان عمدت في ظل مستويات التضخم الحالية، بما لها من تأثير على القدرة الشرائية للأسر، إلى تسقيف الأسعار، وهو مطلب سبق أن عبرت عنه الجبهة المغربية للدفاع عن مصفاة "سامير" للنفط المغلقة منذ ثمانية أعوام، علما أن الجبهة تدعو كذلك إلى العودة إلى دعم السولار والبنزين.
لا زيادة في الأجور
وكان رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، قد أكد الأسبوع الماضي، عند حلوله بالغرفة الثانية للبرلمان، على اتخاذ تدابير التخفيف من ضريبة الدخل على المتقاعدين، والأجراء ذوي الدخول الوسطى الذين تتراوح أجورهم الصافية ما بين 450 و3000 دولار شهريا.
وشدد على أن ذلك سيكلف المحفظة المالية للدولة ما يناهز 240 مليون دولار سنويا، على اعتبار أن الزيادة في الدخل ستتراوح حسب فئات الأجور بين 90 و225 دولارا في العام، غير أن مراقبين يرون أن ذلك لا يعوض الزيادة في الأجور التي كانت متوقعة عبر مشروع الموازنة الذي يناقشه البرلمان حاليا.
ويعتبر الخبير في المالية العمومية، محمد الرهج، أنه كان يفترض على الحكومة اتخاذ قرار بالزيادة العامة في الأجور، من أجل التخفيف من تداعيات ارتفاع التضخم على الموظفين والحكومة والأجراء في القطاع الخاص.
وأوضح الرهج لـ"العربي الجديد" أنه كان يمكن للحكومة أن تقنع القطاع الخاص بتلك الزيادة، بعد ما حصلت عليه الشركات من هدايا، تتمثل في التوجه نحو خفض الضريبة على الشركات من 31 إلى 20 في المائة، وخفض الضريبة على عوائد الأسهم من 15 إلى 10 في المائة.
ويضيف: الزيادة في أجور الموظفين الحكوميين يمكن أن تتم عبر الموازنة، حيث إن ذلك لن يفضي إلى توسيع عجز الموازنة إلى مستوى يضر بالتوازنات العامة.
ويرى أنه كان يمكن تحديد تلك الزيادة في 5 بالمائة للموظفين والأجراء، رغم أن تلك النسبة لا تصل إلى مستوى التضخم الذي بلغ منذ بداية العام حوالي 8.1 في المائة.