تتسارع وتيرة العقوبات على الاقتصاد الروسي وكأنها في سباق مع تقدم العمليات الحربية في أوكرانيا، وتستعد واشنطن وحلفاؤها لموجة جديدة من التدابير، فيما تستنكر موسكو محاصرتها محذرة من التداعيات ليس على اقتصادها فقط بل على اقتصادات الدول التي تعاقبها أيضاً.
وبرز اليوم تنديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالإجراءات المتخذة ضد شركة الغاز الروسية العملاقة "غازبروم" في أوروبا على خلفية الحرب في أوكرانيا وحذر من إجراءات انتقامية محتملة.
وقال بوتين خلال اجتماع متلفز مع مسؤولين إن "الوضع في قطاع الطاقة يزداد سوءا نتيجة إجراءات قاسية غير مرتبطة بالسوق، بما فيها الضغط الإداري على شركتنا غازبروم في بعض الدول الأوروبية"، محذرا من أن التهديدات في أوروبا بتأميم الأصول الروسية "سيف ذو حدين"، حسبما نقلت "فرانس برس".
ونقلت عنه رويترز قوله إن بلاده يجب عليها أن تتابع عن كثب صادراتها الغذائية إلى الدول المعادية لأن العقوبات الغربية أثارت أزمة غذاء عالمية وزيادات حادة في أسعار الطاقة.
وحذر بوتين من أن ارتفاع أسعار الطاقة مصحوبا بنقص في المخصبات الزراعية (الأسمدة) سيدفعان الغرب إلى طبع النقود لشراء إمدادات، مما يؤدي إلى نقص في الغذاء بين الدول الأكثر فقرا.
وقال: "هم حتما سيفاقمون نقص الغذاء في المناطق الأكثر فقرا في العالم، وسيثيرون موجات جديدة من الهجرة ويدفعون بشكل عام أسعار الغذاء لمزيد من الارتفاع".
وأبلغ زعيم الكرملين اجتماعا حول إنتاج الغذاء في الدول النامية: "في هذه الظروف الحالية، فإن نقصا في الأسمدة في السوق العالمي حتمي.. سيكون علينا أن نكون أكثر حذرا بشأن إمدادات الغذاء إلى الخارج، وخصوصا مراقبة الصادرات إلى الدول المعادية لنا".
وروسيا هي أكبر مصدًر للقمح في العالم، وترسل إمداداتها بشكل رئيسي إلى أفريقيا والشرق الأوسط. وهي أيضا منتج رئيسي للأسمدة، إذ تنتج أكثر من 50 مليون طن تمثل 13% من الإنتاج العالمي.
وقال بوتين إن العقوبات عرقلت العوامل اللوجستية لإمدادات الأسمدة من روسيا وروسيا البيضاء في حين يجعل ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي إنتاج المخصبات الزراعية أكثر تكلفة في الغرب. وفي تحذير إلى الدول الأوروبية، حذر بوتين من أن موسكو سترد بالمثل على أي محاولة لتأميم أصول روسية قائلا إن مثل هذا الإجراء هو "سلاح ذو حدين".
بيلاروسيا بدأت الدفع بالروبل الروسي
واستجابة للقرار الروسي المرفوض غربيا، قالت حكومة روسيا البيضاء اليوم الثلاثاء إنها ستبدأ الدفع بالروبلات الروسية مقابل الغاز الروسي من أبريل/نيسان.
وأضافت الحكومة أن الوثائق ذات الصلة وقعها اليوم في سان بطرسبرغ وزير الطاقة فيكتور كرانكفيتش وأليكسي ميلر رئيس شركة الغاز الروسية غازبروم.
موجة عقوبات جديدة مرتقبة الأربعاء
ووفقا لوكالة "أسوشييتد برس"، ستفرض الولايات المتحدة، بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول السبع، عقوبات جديدة على روسيا غدا الأربعاء - بما في ذلك تجميد الاستثمار - ردا على وجود أدلة على ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، وفقا لمسؤول كبير بالإدارة الأميركية لم يكشف عن هويته.
ومن بين الإجراءات التي يتم اتخاذها ضد روسيا، حظر جميع الاستثمارات الجديدة في ذلك البلد، وفرض عقوبات أكبر على مؤسساتها المالية والشركات المملوكة للدولة، وفرض عقوبات على المسؤولين الحكوميين وأفراد أسرهم.
ويعمل الرئيس جو بايدن وحلفاء الولايات المتحدة لفرض عقوبات اقتصادية معوقة ضد روسيا لغزوها أوكرانيا منذ أكثر من شهر، بما في ذلك تجميد أصول البنك المركزي وفرض ضوابط على التصدير ومصادرة الممتلكات، بما في ذلك اليخوت، التي تخص النخبة الثرية في روسيا. لكن تكثفت الدعوات لتشديد العقوبات هذا الأسبوع ردا على الهجمات والقتل والتدمير في مدينة بوتشا الأوكرانية.
وقال المسؤول إن العقوبات ستزيد من ”عزلة” روسيا الاقتصادية والمالية والتكنولوجية عن بقية العالم ردا على هجماتها على المدنيين في أوكرانيا.
منع موسكو من سداد ديونها بدولارات مودعة في الولايات المتحدة
ومنعت الولايات المتحدة روسيا اعتبارا من اليوم الثلاثاء، من تسديد دينها بدولارات مودعة في مصارف أميركية ما يزيد الضغوط على موسكو ويزيد من احتمال أن تتخلف عن دفع الديون المستحقة.
وقال ناطق باسم الخزانة الأميركية لوكالة "فرانس برس": "اليوم هو المهلة النهائية لتقوم روسيا بتسديد آخر في إطار دينها" موضحا أنه مع هذا الإجراء "ينبغي على روسيا أن تختار بين إفراغ احتياطها المتبقي من الدولارات أو (استخدام) إيرادات جديدة أو التخلف" عن السداد.
وأشارت الخزانة إلى أن "هذا سيزيد من استنزاف الموارد التي يستخدمها بوتين لمواصلة حربه على أوكرانيا وسيؤدي إلى المزيد من عدم اليقين ومن التحديات على النظام المالي" الروسي.
واتخذ قادة دول مجموعة السبع ودول الاتحاد الأوروبي إجراءات جديدة في 24 مارس/آذار لمواصلة منع المصرف المركزي الروسي من استخدام احتياطه الدولي، لا سيّما احتياطي الذهب، بغية عرقلة تمويل الحرب.
ولفت المتحدث باسم الخزانة الأميركية إلى أن "من بين العقوبات التي فرضناها والتي يتخطى عددها الـ700، كانت عقوباتنا على المصرف المركزي الروسي إحدى أقوى الخطوات".
محطات كهرباء ألمانية قد يصيبها الشلل بسبب الفحم الروسي
إلى ذلك، أظهر تقرير من وزارة الاقتصاد الألمانية اليوم الثلاثاء، أن ألمانيا ستضطر على الأرجح لوقف تشغيل بعض محطاتها للكهرباء إذا أنهت واردات الفحم من روسيا على الفور، رغم أن اعتمادها على روسيا في ذلك الوقود ينكمش سريعا.
وأشار التقرير إلى أن حصة روسيا في واردات ألمانيا من الفحم ستهبط إلى 25% في الأعوام القليلة القادمة من المستوى الحالي البالغ 50% بسبب تغييرات في العقود مؤخرا.
وقال التقرير إن ألمانيا قد تصبح مستقلة عن الفحم الروسي بحلول الخريف. لكن حظرا فوريا على واردات الفحم من روسيا سيؤدي إلى "نقص في الفحم بعد أسابيع قليلة".
جاء ذلك بعدما اقترحت المفوضية الأوروبية الثلاثاء، على دول الاتحاد الأوروبي تشديد العقوبات على موسكو من خلال وقف مشترياتها من الفحم الروسي والتي تشكل 45% من واردات الاتحاد الأوروبي، وعبر إغلاق الموانئ الأوروبية أمام السفن التي يشغلها روس.
وقالت رئيسة المفوضية أورسولا فون ديرلاين إنه بعد اكتشاف عدد كبير من الجثث في محيط العاصمة الأوكرانية كييف، "علينا بشكل واضح زيادة ضغطنا" على موسكو.
واقترحت بروكسل أيضا تشديد العقوبات المصرفية الحالية وحظر ما تصل قيمته إلى عشرة مليارات يورو من صادرات المعدات والمكونات الصناعية المهمة إلى روسيا مثل أشباه الموصلات المتطورة.
ويفترض أن يناقش ممثلو الدول الـ27 مقترحات بروكسل الأربعاء قبل اجتماع لوزراء الخارجية الأوروبيين الاثنين. ويتطلب إقرار العقوبات إجماعا. كما ناقش وزراء المال المجتمعون في لوكسمبورغ حزمة عقوبات جديدة ضد روسيا.
ويرى العديد من الخبراء أن من الأسهل على دول الاتحاد الأوروبي استبدال الفحم الروسي بمصادر أخرى للإمداد، بخلاف النفط (25 % من المشتريات الأوروبية) والغاز (45 % من واردات الاتحاد الأوروبي)، اللذين سيشكّل حظرهما موضوع نقاشات صعبة بين الدول الأعضاء، بحسب "فرانس برس".
دعوة مجموعة السبع تتجه لحظر السفن الروسية
ومن لندن، قالت وزيرة الخارجية البريطانية ليز ستروس اليوم الثلاثاء، إن بريطانيا ستحث دول مجموعة السبع على حظر دخول السفن الروسية إلى موانئها والموافقة على جدول زمني لإنهاء تدريجي لواردات النفط والغاز من روسيا ومزيد من التشديد للعقوبات على البنوك وصناعات رئيسية.
والسفن الروسية ممنوعة بالفعل من دخول الموانئ البريطانية. ومتحدثة في بولندا قبيل اجتماع لوزراء خارجية مجموعة السبع في وقت لاحق هذا الأسبوع، قالت ستروس إن العقوبات القائمة على روسيا جمدت 350 مليار دولار من الأموال الروسية وجعلت أكثر من 60% من احتياطياتها من النقد الأجنبي غير متاحة.