شهدت البنوك الروسية موجة نزوح للأموال بمعدلات متزايدة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط الماضي، وتحت ضغط العقوبات الغربية التي استهدفت القطاع المالي في البلاد.
ووفقًا لبيانات حديثة من البنك المركزي الروسي، فقد قام المواطنون، في النصف الأول من العام، بتحويل العملات الصعبه إلى حسابات أجنبية بمبلغ قياسي بلغ نحو 1.02 تريليون روبل روسي (نحو 17 مليار دولار)، وسط توقعات باستمرار النزوح في النصف الثاني من العام.
ووفقًا لبيانات البنك، فقد نزح نحو 539.7 مليار روبل في الربع الأول من العام، منها 331.6 مليار روبل في فبراير/شباط الذي شهد غزو روسيا الأراضي الأوكرانية.
وفي الربع الثاني، انخفض المعدل بوصوله إلى نحو 480.1 مليار روبل أخرى، مع تباين التحويلات من شهر لآخر، حيث تضاعفت بشكل حاد في يونيو/حزيران بحوالي ثلاث مرات مقارنة بشهر مايو/أيار، لتصل إلى 266.1 مليار روبل.
وتدفقت أموال الأثرياء الروس على قطاع العقارات في دولتي تركيا والإمارات، أو عبر فتح حسابات مصرفيه في دول مجاوره مثل قرغيزستان وجورجيا وأرمينيا وكازاخستان، بحثاً عن ملاذ آمن في ظل العقوبات الغربية.
تداعيات العقوبات
من جانبها، قالت الباحثة في مدرسة موسكو العليا للاقتصاد لانا بدفان، لـ"العربي الجديد"، إن "أغلب المواطنين خاصة في موسكو يعملون بالتجارة، وبالتالي ملزمين بوجود أرصدة كبيرة في البنوك، لكن مع فرض عقوبات مالية متبادلة بين روسيا والغرب، لم تعد البنوك الروسية تتعامل بالدولار واليورو".
وأضافت أن التجار تعرضوا لخسائر كبيرة لأن الحكومة الروسية فرضت عليهم عدم سحب ودائعهم بالعملات الأجنبية إلا بالعملة المحلية الروبل .
وأشارت إلى أن الاحتفاظ بالمدخرات بالدولار أيضا لم يعد وسيلة موثوقة بعد فرض عقوبات على روسيا، نظرا لإمكانية تشديد القيود، كما أن العقوبات حرمت البنوك من فرصة تشغيل هذه الأموال في أي مكان، ومن ثم فإن بقاءها جامدة يعني خسارة للبنوك.
وفرضت الدول الغربية مؤخراً عقوبات اقتصادية على موسكو جراء الغزو الروسي لأوكرانيا، من بينها تجميد أصول البنك المركزي الروسي، وعزل بعض البنوك عن شبكة" سويفت" للتحويلات المالية عبر الحدود.
وتشير بدفان إلى أن "هناك من يرى نجاح الاقتصاد الروسي في تخطي أزمة العقوبات، بينما هناك من يرى أن الاقتصاد سيعاني مع مرور الوقت".
وقالت إن التقييم الواقعي يؤكد أن الاقتصاد الروسي تضرر من العقوبات وخسر مئات المليارات من الدولارات، وهو ما دفع روسيا إلى البحث عن السوق البديل الذي يتمثل حاليا في الصين.
وتوضح بدفان أن"نجاح الاقتصاد مرهون بمدى قدرة الصين على تعويض روسيا عن أوروبا في المجالات التكنولوجية وغيرها".
وتابعت أن"الاقتصاد الروسي يتجه نحو آسيا"، مشيرة إلى أن "المرحلة الحالية لا تقتصر صعوبتها على روسيا فقط، بل إن أوروبا تعاني بشدة في ظل نقص الإمدادات، خاصة الطاقة، حيث كانت روسيا تمثل مصدرا مهما للنفط والغاز لأوروبا".
وأكدت أن العالم كله، وليس روسيا أو أوروبا فقط، أيضا، يمر بمرحلة صعبة في ظل الأزمة الأوكرانية التي جاءت عقب تداعيات أزمة كورونا على الاقتصادات العالمية، مشيرة إلى أن العالم سيشهد مستقبلا سقوط اقتصادات بسبب عدم قدرتها على الصمود في مواجهة هاتين الأزمتين.