العصر الذهبي للفساد في مصر: القمع يحمي كبار اللصوص

27 يناير 2022
إسناد مشروعات بالأمر المباشر أسهم في تفاقم الفساد (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

بات الكثير من موارد مصر في قبضة الفاسدين، إذ أصبحت عمليات سرقة المال العام ممنهجة في ظل قمع أمني أضعف دور الجهات الرقابية وزاد من تدخلات الأجهزة السيادية في عقود ومناقصات بمليارات الدولارات، ما سهّل التستر على مخالفات بمليارات الدولارات أيضاً.
وللعام الثامن على التوالي تمنح منظمة الشفافية الدولية درجات متدنية لمصر في تقريرها السنوي، حول "مؤشر مدركات الفساد في العالم"، لعدم قدرتها على مكافحة الفساد، في القطاعات الحكومية والعامة.
وكشف التقرير أن مصر على مدار السنوات الماضية (منذ عام 2013 وحتى الآن)، كانت تتقدم درجة وتتراجع درجات، حيث حصلت على 33 نقطة من مائة عامي 2021 و2020، لتظل في المنطقة الحمراء، عند مركز 117 من بين 180 دولة أجريت عليها 3 دراسات علمية واستقصائية ميدانية محايدة على مدار العام.
وتحت عنوان "حقوق الإنسان والفساد" بَيّن تحليلٌ لمنظمة الشفافية الدولية أن دعم حقوق الإنسان أمر حاسم في مكافحة الفساد، مشيراً إلى تسجيل الدول التي تنتهك الحريات المدنية درجات أقل في مؤشر أسعار المستهلكين، وأنه عادة ما يجمع الفساد الذي يرتكبه مسؤولون رفيعو المستوى بين السرقة واسعة النطاق والعابرة للحدود للأموال العامة وبين الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

التدخل السياسي والأمني
يرجع خبراء اقتصاد وناشطون في المجتمع المدني انتشار الفساد، إلى تدخل الرئاسة في إسناد المناقصات بمليارات الدولارات لشركات محلية ودولية بالأمر المباشر ودون إجراء مزاد حسب القانون، وسيطرة الأجهزة الأمنية على صناعة القرار السياسي والاقتصادي في الدولة، وقبضتهم الحديدية على وسائل الإعلام، والأحزاب السياسية، مع منعهم حرية تداول المعلومات، وحرية التعبير، وغلق باب النقاش العلني في الشأن العام، بما يهدر قدرة المجتمع على رقابة المؤسسات العامة.

وفي هذا السياق، يؤكد خبير اقتصادي تجنب ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، استغلال بعض الوزراء والمسؤولين وجود القبضة الأمنية للتستر على مخالفاتهم، مشيراً إلى ما يحدث حالياً في وزارة الصحة من محاكمات لبعض قياداتها وارتباط الزوج السابق لوزيرة الصحة هالة زايد ونجلها، بقضية فساد، دون أن يعلم المجتمع، ما هي القضية وما علاقة الوزيرة بها، وحدود الجرائم التي ارتكبت رغم إحالة الأمر على القضاء.
ولفت الخبير الاقتصادي إلى تقدم بعض العاملين في المجتمع المدني الذين يعانون من الملاحقات الأمنية إلى الدائنين الدوليين ومنهم صندوق النقد والبنك الدوليان، يطالبونهم بالتدخل لدفع الحكومة المصرية إلى تحقيق الشفافية في القروض الضخمة التي تمنحها لمصر، والتي سيتحمل أعباؤها المواطنون والأجيال المقبلة.

عدم الشفافية في إنفاق القروض
وأكد مصدر لـ"العربي الجديد" أن إدارة صندوق النقد الدولي وعدت تلك الجهات المصرية بمراجعة دقيقة لمدى التزام الحكومة الشفافية وإجراءات الحوكمة، في إدارة القروض التي حصلت عليها من الصندوق. وتشمل الإجراءات مطالبة الحكومة بعدم الاكتفاء بمراجعة البنك المركزي والجهاز المركزي للمحاسبات لبنود الصرف، وسيطلبون إشراف مراجعين ماليين دوليين على الحسابات التي يودعها الصندوق في حسابات الحكومة لدى البنك المركزي، مع ضرورة نشر كل المعلومات عن طريقة إنفاق القروض ونتائج المراجعات المالية.
وأعرب المصدر عن خشيته من أن يؤدي عدم التزام الحكومة تلك التعليمات، إلى تعطيل القروض التي ستطلبها الدولة في المفاوضات المقبلة مع الصندوق.
كانت مصر قد حصلت على مساعدات مالية عاجلة من الصندوق لمواجهة تداعيات وباء كوفيد ـ 19، بلغت قيمتها الإجمالية نحو 2.5 مليار دولار من بين 100 مليار دولار، قدمها الصندوق للدول المختلفة، توجهت 80% منها إلى 10 دول فقط، من بينها مصر.

ورفض وزير المالية محمد معيط، يوم الأحد الماضي، الإفصاح عن حجم الديون المصرية، والإنفاق الحكومي على خدمة الدين، مكتفياً بتوقعه أن تبلغ فاتورة فوائد الديون 579.6 مليار جنيه خلال العام الحالي (الدولار = 15.7 جنيهاً)، أي ما يقرب من ثلث إجمالي الإنفاق العام في الموازنة الجديدة.

جذور عميقة في المؤسسات
يصف التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية، الذي صادف إعلانه يوم احتفال المصريين المكتوم بثورة 25 يناير التي أشعلها الفساد السياسي والاجتماعي في مصر عام 2011، الحالة المصرية بأنها "الأسوأ والأكثر إجراماً عام 2021، حيث أصبح الفساد مُمَنهَجاً، وله جذور عميقة في المؤسسات العامة والحياة اليومية بداية من الفساد السياسي رفيع المستوى، وانتشار المحسوبية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
ويأتي ذلك في ظل ضعف دور الأجهزة الرقابية بسبب التدخلات السياسية والأمنية، وكانت السلطات المصرية قد ألقت القبض على رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات (حكومي) المستشار هشام جنينة في 13 فبراير/شباط 2018، بعد جدل كبير حول تقرير له في أثناء توليه منصبه، قال فيه إن الفساد في الجهاز الحكومي للدولة تجاوز 600 مليار جنيه مصري (نحو 67.5 مليار دولار حسب سعر الصرف وقت صدور التقرير) في ثلاث سنوات. وعقب ذلك عُزل جنينة من منصبه واعتُقِل.

سيطرة شركات الجيش
تحظر الحكومة المصرية موقع منظمة الشفافية الدولية على "الإنترنت"، من الظهور في مصر، منذ عام 2016، حينما أصدرت تقريراً تحذر فيه من اشتعال احتجاجات جديدة، مع عدم اتخاذ إجراءات صارمة لمكافحة الفساد، وسيطرة شركات مرتبطة بالجيش والأجهزة الأمنية على الاقتصاد المحلي.

ورصد التقرير أعلى معدل للرشوة في مصر ودول الشرق الأوسط، ومنطقة شمال أفريقيا، عن أي منطقة أخرى في العالم. كذلك أرجعت المنظمة المظاهرات التي شهدتها مصر في سبتمبر/ أيلول 2019 إلى ما حذرت منه من قبل مع استمرار انتشار الفساد في المؤسسات العامة، وتعديل الدستور بما أوجد سلطة للجيش فوق الدستور، وأهدر دور الشعب والأجهزة المختصة في الرقابة على المال العام، وأصبح رئيس الجمهورية هو من يدير كل السلطات بالدولة.

القطاعات الأكثر فساداً
من جانبه، يرى الباحث محمد السيد في منظمة "شركاء من أجل الشفافية" أن الفساد بدأ يتقلص في مصر تدريجاً.

وفي تقريره الأخير "دفتر أحوال الفساد" في مصر، لشهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، يؤكد رصده انخفاضاً في مؤشر الفساد يصل إلى 23% عن نوفمبر 2021، حيث سجل 166 واقعة فساد، مقارنة بعدد 216 واقعة، في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني.

تحظر الحكومة المصرية موقع منظمة الشفافية الدولية على "الإنترنت"، من الظهور في مصر، منذ عام 2016، حينما أصدرت تقريراً تحذر فيه من اشتعال احتجاجات جديدة

ويبين التقرير الذي يتناول تحليل البلاغات والأخبار المنشورة عن الفساد في الصحف المصرية، أن وزارات التموين تأتي على رأس القطاعات فساداً في مصر، تليها الزراعة والمحليات والصحة والجمارك والتعليم والبيئة والضرائب العامة.

وجاءت محافظات البحيرة على رأس المناطق الأكثر فساداً، بسبب انتشار أراضي وضع اليد التابعة للدولة بها، تليها محافظات الجيزة والشرقية والدقهلية والقاهرة والمنيا. لكن يشكك خبراء في أرقام التراجع، وخاصة مع فرض رقابة حكومية شديدة على وسائل الإعلام ومنعها من تناول قضايا الفساد الكبرى.

المساهمون