بدأ الرئيس الصيني شي جين بينغ زيارة رسمية إلى السعودية، يوم الأربعاء واستمرت حتى الجمعة، سيطر عليها الجانب الاقتصادي، خاصة مع تطورات العلاقات العربية الصينية، وأبرز علاماتها تحول المملكة العربية السعودية إلى أكبر موردي النفط الخام للشركات الصينية بأكثر من 1.85 مليون برميل يوميا.
وتتجه دول الخليج العربي إلى تسجيل قفزة جديدة في تنويع اقتصاداتها بعيدا عن النفط الخام، من بوابة الصين، التي يعقد رئيسها ثلاث قمم، الأولى خليجية صينية، والثانية عربية صينية، والثالثة سعودية صينية، بحضور عدد من زعماء دول المنطقة، في محاولة لتحقيق توازن في العلاقات مع الشركاء الاستراتيجيين.
وتقود اللجنة السعودية - الصينية المشتركة رفيعة المستوى، التي يرأسها من جانب المملكة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، ومن الجانب الصيني نائب رئيس مجلس الدولة هان تشنغ، الجهود القائمة من حكومتي البلدين لزيادة التنسيق في الشأن الاقتصادي.
العلاقات السعودية الصينية
في 2019، قام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بزيارة رسمية إلى الصين، توّجت بتوقيع 35 اتفاقية تجاوزت قيمتها 28 مليار دولار، وتسليم 4 تراخيص لشركات صينية مختصة ببعض المجالات الهامة داخل السعودية.
واحتلت الصين مركز الشريك التجاري الأول للمملكة، أكبر اقتصاد عربي، لآخر 5 سنوات، إذ كانت الوجهة الأولى لصادرات المملكة ووارداتها الخارجية منذ 2018، وبلغ حجم التجارة البينية 309 مليارات ريال (82.4 مليار دولار)، في 2021، بزيادة 39 بالمائة عن 2020.
وبلغ إجمالي حجم الصادرات السعودية إلى الصين 192 مليار ريال (51.2 مليار دولار)، منها صادرات غير نفطية بقيمة 41 مليار ريال (11 مليار دولار).
وبلغت قيمة الاستثمارات السعودية في الصين 8.6 مليارات ريال (2.3 مليار دولار) وجاءت المملكة في المرتبة 12 في ترتيب الدول المستثمرة في الصين حتى نهاية 2019.
وبحسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس"، استحوذت المملكة على أكثر من 20.3 بالمائة من استثمارات الصين في العالم العربي بين العامين 2005 و2020، البالغة 196.9 مليار دولار، وجاءت السعودية كأكبر الدول العربية استقبالاً للاستثمارات الصينية خلال تلك الفترة بنحو 39.9 مليار دولار.
والعام الجاري، أبدت 15 شركة صينية رغبتها في الاستثمار في المملكة، والدخول في مشاريع التخصيص لعدد من القطاعات الحكومية، إضافة إلى مشاريع البنية التحتية.
وبدأت شركات صينية في تنفيذ مشاريعها، مثل شركة (Shengkong) التي وضعت حجر الأساس لمصنع لمصابيح الإضاءة (LED) في مدينة الجبيل، بقيمة تتجاوز 3.3 مليارات ريال (880 مليون دولار)، كما تم تدشين مشروع مصنع شركة (بان آسيا) الصينية في مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية، باستثمارات قدرها 4 مليارات دولار.
وتستعد المملكة والصين لإطلاق مشروع شركة سابك فوجيان للبتروكيميائيات المحدودة، وهو مشروع مشترك يشمل معمل تكسير ذا سعة عالية وينتج عدداً من المنتجات البتروكيميائية، وتقدر قيمة المشروع بـ 22.5 مليار ريال (6 مليارات دولار).
وفي مجال الطاقة احتفظت المملكة بصدارة إمدادات النفط إلى الصين في العام 2021، إذ ارتفعت الواردات الصينية من المملكة بنسبة 3.1 بالمائة، مقارنة بـ2020 وزادت حصتها إلى 17 بالمائة من إجمالي الواردات، وفق بيانات الجمارك الصينية.
ومساء الأربعاء، وقَّعت شركات سعودية وصينية 34 اتفاقية استثمارية، على هامش زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للرياض.
وأوردت وكالة الأنباء السعودية "واس"، أن الاتفاقيات شملت مجالات الطاقة الخضراء والهيدروجين الأخضر، والطاقة الشمسية الكهروضوئية، وتقنية المعلومات والخدمات السحابية، والنقل والخدمات اللوجستية، والصناعات الطبية والإسكان، ومصانع البناء.
الصين... مصنع العالم
وتعد الصين أكبر مصدّر للسلع في العالم، وتتجه لتحقيق توازنات اقتصادية مع حلفاء الولايات المتحدة من البوابة الاقتصادية، عبر إقامة مشاريع صناعية ولوجستية، وأخرى مرتبطة بمبادرة الحزام والطريق.
وتطورت العلاقات الصينية العربية بشكل متسارع خلال القرن الحادي والعشرين، فبعد أن كانت هذه العلاقات متركزة على الجوانب السياسية ودعم حركات التحرر، أصبح التعاون الاقتصادي عنوانا للصداقة بين الطرفين.
وتحولت الصين إلى أكبر شريك تجاري للدول العربية مجتمعة، والمستثمر الأول فيها، وشكلت مبادرة الحزام والطريق الصينية، أساسا لتعزيز هذا التعاون والارتقاء به إلى مستويات أكثر تطورا.
وفي 2004، تم إنشاء منتدى التعاون الصيني العربي، على أن تعقد أول قمة عربية صينية في السعودية في ديسمبر/كانون الأول الجاري.
العرب والصين
لم تكن الصين قبل 1990 في قائمة أكبر ثلاثة شركاء تجاريين للدول العربية، لكن التحول الثوري في بنية اقتصادها من اشتراكي مغلق، إلى انفتاح على الاقتصاد الحر منذ 1978 أدى إلى نمو سريع، فساعد ذلك في تطور علاقاتها التجارية مع الدول العربية.
ولم تتجاوز المبادلات التجارية الصينية مع 22 دولة عربية 36.7 مليار دولار في 2004، إلا أنها ارتفعت في 2012 إلى 200 مليار دولار، ثم قفزت في 2021 إلى 330 مليار دولار.
وتتصدر بذلك الصين قائمة أكبر شركاء الوطن العربي في المبادلات التجارية، وتوجد من بين أكبر ثلاثة شركاء تجاريين لكل دولة عربية على حدة.
ووفق المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "ألكسو"، فإن الاستثمارات الصينية بالدول العربية بلغت 213.9 مليار دولار في الفترة بين 2005 و2021، وهي بذلك أكبر مستثمر أجنبي في العالم العربي.
واستحوذت السعودية على 21 بالمائة من الاستثمارات الصينية في الوطن العربي، وفق اتحاد المصارف العربية، ثم الإمارات بنحو 17 بالمائة، وجاء العراق ثالثا بحوالي 14 بالمائة، وبعده مصر والجزائر بـ12 بالمائة لكل منهما، أو ما يعادل نحو 26 مليار دولار في الفترة بين 2005 و2021.
وتنافس السعودية روسيا على صدارة مصدري النفط إلى الصين، كما تحولت قطر إلى أحد أكبر موردي الغاز المسال إلى الصين بفضل عقود طويلة الأجل تم توقيعها أخيرا، بعد أول شحنة في 2009.
ومن بين أكبر 10 دول موردة للنفط إلى الصين، توجد 5 دول عربية، هي السعودية، والعراق، وعمان، والكويت، والإمارات.
مبادرة الحزام والطريق
تستثمر الصين في مبادرة الحزام والطريق مئات المليارات من الدولارات، أغلبها اتجهت نحو إنشاء موانئ وطرق سريعة وسكك حديدية، لتسهيل التجارة مع بلدان العالم، وعلى رأسها الدول العربية.
وللدول العربية دور كبير في مبادرة "الحزام والطريق" الصينية التي انضمَّت إليها 20 دولة عربية، وعمد بعضها إلى مواءمة استراتيجيتها التنموية مع المبادرة، منها رؤية مصر 2030، ورؤية السعودية 2030، ورؤية الأردن 2025، ومشروع مدينة الحرير الكويتي، ومشروع مدينة محمد السادس الذكية في طنجة المغربية.
كما وقفت الصين إلى جانب الدول العربية في معركتها ضد جائحة كورونا، وحتى أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قدمت بكين للدول العربية أكثر من 340 مليون جرعة من اللقاحات المضادة للفيروس، وفقاً للبيانات الحكومية الصينية.
التعاون العسكري
رغم أن الصين كانت معروفة منذ عقود بأنها مستورد كبير للسلاح الروسي، إلا أنها تمكنت خلال الأعوام الأخيرة من تطوير صناعتها العسكرية، والتحول إلى رابع أكبر مصدر للسلاح في العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا، بل والتفوق على روسيا وفرنسا من حيث حجم التصنيع العسكري.
ولم تحقق الصين اختراقا حقيقيا لأسواق السلاح في العالم العربي، باستثناء السودان، في مرحلة معينة كان محظورا عليها السلاح الأميركي والروسي.
غير أن الصين تمكنت في العقود الثلاثة الأخيرة من الفوز بعدد من صفقات الأسلحة مع دول عربية، خاصة الخليجية منها مثل السعودية والإمارات وأيضا مصر والجزائر والمغرب.
وفي ظل رفض الولايات المتحدة تصدير بعض أنواع الأسلحة مثل الطائرات المسيّرة ومقاتلات "إف 35" للدول العربية، لجأت الأخيرة إلى دول بديلة ومنها الصين، حيث اقتنت عدة دول عربية طائرات صينية مسيّرة مثل "وينغ لونغ"، و"سي آش" بأنواعها المختلفة، فضلا عن أنواع أخرى من الأسلحة.
وتكشف أرقام معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، أن الصين رفعت، بين 2016 و2020، حجم صادراتها من الأسلحة إلى السعودية بـ386 بالمائة، والإمارات بـ169 بالمائة، مقارنة بالفترة بين 2011 و2015.