العرب على موعد مع حرب طويلة في أوكرانيا

28 مارس 2022
طول أمد الحرب في أوكرانيا قد يرفع سعر القمح/فرانس برس
+ الخط -

المؤشرات والتوقعات حتى الآن تقول إنّنا أمام حرب طويلة في أوكرانيا قد تمتد إلى شهور وربما سنوات، وأن ارتداداتها قد تفوق الخسائر الناتجة عن تفشي وباء كورونا.

حرب تصرّ فيها روسيا على تدمير البنية التحتية لأوكرانيا كاملة، بدعوى إبعاد أيّ مخاطر تهدد أمنها القومي خاصة المتعلقة بمحاولات توسع حلف الناتو شرقاً، والأهم تلقين الغرب درساً قاسياً بعدم التحرش بها وبحدودها وبأمنها مستقبلاً.

وفي المقابل، يصرّ الغرب على تدمير روسيا اقتصادياً، وتجفيف مصادر تمويل حربها على أوكرانيا، بل وضرب قطاع الطاقة، المصدر الرئيسي للنقد الأجنبي، في مقتل بحيث تظل روسيا دولة هشة اقتصادياً، وربما فاشلة وبلا موارد كافية من النقد الأجنبي، لا هي متقدمة كالدول الصناعية الكبرى، ولا هي مفلسة تشهد اضطرابات وقلاقل سياسية واجتماعية تؤثر سلباً على الأمن والسلم العالميين.

يصرّ الغرب على تدمير روسيا اقتصادياً، وتجفيف مصادر تمويل حربها على أوكرانيا، بل وضرب قطاع الطاقة، بحيث تظل روسيا دولة هشة اقتصادياً وربما فاشلة

الواقع يقول إنّه لا توجد خطوات جدية من قبل الغرب، خاصة الولايات المتحدة، للدخول في مفاوضات مع روسيا لحسم الحرب في أوكرانيا ووقف الغزو الروسي الغاشم، ولا توجد مؤشرات لدى الغرب للدخول في حرب مباشرة ضد روسيا على الأراضي الأوكرانية، وإلّا أصبحنا أمام حرب عالمية ثالثة.

ولا توجد خطوات من قبل التحالف الغربي لفرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا، والحديث عن استخدام الأسلحة النووية مجرد حرب نفسية ليس إلّا.

ومن المستبعد دخول الولايات المتحدة أو حلفائها في حلف الناتو في حرب طويلة ومباشرة مع الجيش الروسي، و"الولايات المتحدة لن تحارب روسيا في أوكرانيا، فأيّ مواجهة مباشرة بين الناتو وروسيا تعني اندلاع حرب عالمية ثالثة، وهو أمر يجب أن نسعى جاهدين لمنعه"، كما قال الرئيس الأميركي جو بايدن يوم الجمعة 11 مارس/ آذار الجاري.

موقف
التحديثات الحية

وعلى الرغم من حدة العقوبات الغربية وتأثيراتها العنيفة على الاقتصاد الروسي، فإنّ روسيا قادرة على الصمود أمام تلك العقوبات القاسية لسنوات طويلة كما صمدت إيران وكوبا وكوريا الشمالية.

وبالتالي نحن أمام حرب طويلة، وهو ما توقعه الملياردير الروسي أوليغ ديريباسكا، يوم الأحد، الذي قال إنّ تصريحات بايدن في وارسو تشير إلى نوع من "الحشد الأيديولوجي الجهنمي" وقد تطلق شرارة صراع أطول أمداً بكثير في أوكرانيا، وأضاف: "قول واحد: هؤلاء الناس يعدون لسنوات من القتال".

طول أمد الحرب في أوكرانيا يعني ببساطة أنّ العرب على موعد متواصل مع ضغوط تضخمية متزايدة، وزيادات في الأسعار وارتباك في الأسواق، وضغوط على العملات المحلية.

الحرب ترافقها زيادة في أسعار الحبوب، إذ إنّ روسيا وأوكرانيا توفران ثلث صادرات العالم من القمح والشعير وتلبيان النسبة الأكبر من غذاء العرب

فالحرب ترافقها زيادة في أسعار الحبوب، خاصة القمح والذرة والشعير، إذ إنّ روسيا وأوكرانيا توفران ثلث صادرات العالم من القمح والشعير وتلبيان النسبة الأكبر من غذاء العرب، خاصة في دول مثل تونس والمغرب والأردن ومصر والجزائر وليبيا.

وبالتالي فإنّ حدوث اختناقات في صادرات الدولتين من الحبوب يؤدي مباشرة إلى ارتفاع أسعار الدقيق ورغيف الخبز والزيوت في دول المنطقة المستوردة للغذاء، وستقفز معها فاتورة العرب من الأغذية، والبالغة حالياً نحو 100 مليار دولار، وهو ما يزيد الضغوط على العملات المحلية وأسواق الصرف الأجنبي، وقبلها المواطن.

والحرب الأوكرانية تواكبها زيادة في أسعار النفط والغاز عالمياً، خاصة إذا أصر بايدن على حظر النفط والغاز الروسي، وهو ما يعني زيادة فاتورة المشتقات البترولية من بنزين وسولار وغاز ومازوت، واستمرار زيادات أسعار الوقود، ورفع كلفة المعيشة والمواصلات وغيرها، وربما دخول المواطن في مواجهة مع الحكومات.

منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا ارتفعت الأسعار في معظم الأسواق العربية بمعدلات كبيرة، واستغل التجار والمستوردين الحرب لرفع الأسعار رغم أنّهم لم يتأثروا بتبعاتها حتى الآن، فما هو الحال بعد مرور شهور على اندلاع الحرب واستمرار روسيا في حظر تصدير قمحها لبعض الدول.

مواصلة الحرب تعني استمرار زيادة أسعار الأغذية والطاقة بشكل أكبر، وهو ما يعني أنّ ملايين الأسر العربية ستجد صعوبة بالغة في توفير الطعام

الحرب الدائرة في أوكرانيا على بعد آلاف الكيلومترات من المنطقة أنهكت الاقتصادات والموازنات العربية ومعها المواطن، ومواصلة الحرب تعني استمرار زيادة أسعار الأغذية والطاقة بشكل أكبر، وهو ما يعني أنّ ملايين الأسر العربية ستجد صعوبة بالغة في توفير الطعام.

وإذا كان رغيف الخبز المدعوم من الدولة وتوافر الحد الأدنى من الأمن الغذائي شيئاً مضموناً اليوم في دول مثل اليمن ولبنان وسورية وفلسطين والسودان، فقد لا يصبح هذا الأمر متاحاً غداً، خاصة في ظل ترهل ميزانيات هذه الدول وتراجع إيراداتها من النقد الأجنبي وغلاء أسعار السلع المستوردة، كما أنّ المساعدات الدولية المخصصة لبعض تلك الدول قد توجه إلى أوكرانيا في حال طال أمد الحرب.

المساهمون