لا زالت إيران تلعب في سوق النفط العالمي بشكل يخدم مصالحها السياسية والاقتصادية ويضعف قدرات أعدائها المالية، ومنذ سنوات، وخلال 13 عاماً من العقوبات الغربية المفروضة عليها، كان اللعب يتم من خلال بيع إيران إنتاجها النفطي في السوق السوداء وتهريبه رغم الحصار أو بيعه عبر العراق.
لكن هذه المرة فإن اللعب يتم بشكل غير مباشر ومن وراء ستار، فأمام العالم وكبار المنتجين يخرج النظام الإيراني ليعلن أنه يؤيد أية محاولات لوقف نزيف أسعار النفط المستمر منذ منتصف العام 2014 والذي كبد دول الخليج خسائر تتجاوز ألف مليار دولار، وفي الخفاء تمارس طهران أي فعل يجهض هذه المحاولات ويبقي على أسعار النفط عند مستويات متدنية.
المتابعون لسوق النفط يلحظون أن إيران لعبت الدور الأكبر في إفشال محاولات وقف نزيف الأسعار المستمر، فإيران أفشلت اجتماع الدوحة، في إبريل/ نيسان الماضي، عندما دخلت في عناد شديد مع السعودية، ورفضت اقتراحاً لكبار المنتجين بتثبيت الإنتاج، وكذا فعلت في اجتماعات لاحقة لأوبك وكبار المنتجين تم عقدها في فيينا وروسيا.
وكانت حجة طهران المستمرة والمعلنة هي أنها لن توافق على تثبيت الإنتاج إلا بعد وصول إنتاجها لمستويات ما قبل فرض العقوبات الغربية عليها، وأنها تريد أولا الوصول لمستوى إنتاج 4 ملايين برميل يوميا، وبعدها يتم بحث أية اقتراحات.
لكن الحجة التي لم تعلنها طهران في مواقفها المتشددة بشأن خفض الإنتاج أو تثبيته هي محاولة إضعاف السعودية مالياً، وخاصة أن إيرادات النفط تشكل أكثر من 90% من إيرادات المملكة، كما أنها تعتبر أن إضعاف المملكة اقتصادياً يؤثر على موقفها الداعم لملفات إقليمية، مثل الحرب في اليمن وسورية.
ومنذ انعقاد اجتماعات الجزائر الشهر الماضي، وإسطنبول بداية الشهر الجاري، وبعدها الرياض، قادت أكبر دولتين منتجتين للنفط، هما روسيا والسعودية، مفاوضات لإعادة التعافي لسوق النفط المنهار، وتم خلال الاجتماعات الثلاثة الاتفاق على خطط علاج سيتم طرحها على اجتماع منظمة أوبك بفيينا نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني، ودعم هذه الخطوات منتجون آخرون مثل دول الخليج وفنزويلا.
ومع اتفاق كبار المنتجين والإنتاج القياسي لإيران لم تعد لدى طهران حجة مقبولة في رفض خطط خفض الإنتاج أو حتى تثبيته، خاصة بعد أن وصل لمستوى ما قبل فرض العقوبات الغربية.
لكن يبدو أن طهران شعرت أن الجميع كشفها، ولذا راحت تلعب من وراء ستار وعبر العراق هذه المرة، ولذا رأينا التصريحات الصادرة من بغداد برفض خطط خفض الإنتاج أو تثبيته بحجة حاجتها لأموال تمول من خلالها الحرب على داعش.