تشهد السوق العراقية ركوداً كبيراً في عمليات بيع المواد الإنشائية من حديد واسمنت وغيرها نتيجة ارتفاع الأسعار، إثر التقلبات التي يشهدها سعر صرف الدولار، مما ساهم بانخفاض القدرة الشرائية مع قلة المشاريع، فضلاً عن مشاكل أخرى خلفها ذلك الركود ومنها تسريح أعداد كبيرة من العاملين وإغلاق عدد من محال مواد البناء والمخازن لعدم إمكانية التجار إيفاء التزاماتهم التجارية.
كريم الكناني، أحد أبرز التجار العاملين في قطاع استيراد مواد البناء، قال إن الخسائر التي تعرضوا لها كبيرة جداً بسبب أزمة العملة التي طرأت على السوق بعد تغيير سعر الصرف، وقلة منافذ بيع الدولار بالسعر الرسمي، وسيطرة السوق السوداء على مفاصل كبيرة من السوق. وبلغ سعر الدولار يوم الثلاثاء نحو 1570 ديناراً بالسوق السوداء في حين يبلغ سعره الرسمي 1310 دنانير.
وأضاف الكناني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن حركة الاستيراد من الخارج ليست كما كانت في السابق، حيث ارتفعت أجور الشحن الدولي لأسعار قياسية، فبعدما كانت تكلفة شحن البضاعة من الصين إلى بغداد لا تتجاوز 3 آلاف دولار، تجاوزت اليوم حاجز الـ 10 آلاف دولار.
وأشار إلى أن القدرة الشرائية للمواد الإنشائية انخفضت بنسبة كبيرة، مما دفعهم إلى تسريح عدد كبير من العمال العاملين معهم، فضلاً عن إغلاق عدد من فروعهم بمناطق أخرى. وأكد الكناني، أن الأسعار ارتفعت من المنشأ حيث كان سعر البيع لطن حديد التسليح (شيش البناء) 750 ألف دينار، بينما تجاوز سعره اليوم مليونا و200 ألف دينار.
وكشف الكناني، عن وجود شركات عقارية تابعة لجهات متنفذة في الدولة، تسيطر على الإنشاءات الحكومية والمجمعات السكنية التي يتم استحداثها في المحافظات، وتقوم مكاتبها بعمليات استيراد المواد الإنشائية من الخارج، بسعر الدولار الرسمي، مما ألحق الضرر الكبير بالتجار وأصحاب المحال.
من جهته قال، هادي الدليمي، وهو أحد المقاولين في بغداد، إنه أوقف العمل في بعض المشاريع التي لديه في الوقت الراهن، بانتظار استقرار أسعار الصرف وإمكانية دعم الحكومة للمواد الإنشائية المتمثلة بالإسمنت والحديد والأبواب الداخلية والخارجية بالإضافة إلى ألواح الزجاج.
وأضاف الدليمي، لـ"العربي الجديد"، أن مواد الرخام والسيراميك التي يتم استيرادها من إيران ومصر وإسبانيا وماليزيا هي الأخرى شهدت ارتفاعاً كبيراً في الأسعار من المنشأ، فضلاً عن ارتفاعها الكبير محلياً، مما تسبب بخسائر كبيرة.
وأوضح أن هناك التزاما قانونيا من خلال عقود مبرمة مع أصحاب المشاريع والأبنية والمجمعات السكنية بنوعية المواد المستخدمة ومدة التسليم، وخلاف ذلك يتم مقاضاته قانونيا في حالة الإخلال بأي من بنود الاتفاق.
ولفت الدليمي إلى أن المنتجات المحلية من المواد الإنشائية هي الأخرى شهدت أسعارها ارتفاعا كبيراً، وخاصة حديد التسليح والإسمنت بنوعيه (العادي والمقاوم)، بالإضافة إلى صفائح الألمنيوم والزجاج، وهناك مواد أصبح وصولها إلى السوق المحلية شبه مستحيل بسبب معاناة التجار مع شركات التصنيع والشحن، وارتفاع أسعارها قياساً بالسنوات الماضية.
الركود الحاصل في السوق المحلية جاء نتيجة عدة عوامل رئيسية حسبما يرى صبيح الهاشمي، رئيس غرفة تجارة محافظة البصرة، في مقدمتها ارتفاع مستوى الضرائب المفروضة على التجار وحجم الجباية الجمركية على البضائع المستوردة، مما ساهم في ارتفاع الأسعار إلى مستويات عالية، لتُضاف إلى مشكلة عدم استقرار سعر الدولار والسياسة الاقتصادية غير المستقرة في البلد.
وكشف الهاشمي، لـ"العربي الجديد"، أن العراق يستورد الإسمنت والسيراميك والحديد، وتمثل إيران المصدر الرئيس لهذه المواد حيث يتم استيراد كميات كبيرة لتغزو السوق المحلية وإن كانت أسعارها مرتفعة، والسبب في ذلك يعود لغياب الإنتاج الوطني أو السعر المرتفع للأسمنت الوطني الذي تنتجه بعض المصانع المحلية.
وطالب الهاشمي الحكومة بضرورة القيام بواجباتها للحد من هذا الارتفاع ودعم القطاع الخاص، فضلا عن إعفاء المواد الأولية المستوردة من الخارج والتي تدخل ضمن الإنتاج الوطني من الضرائب، ودعم المنتج المحلي لزيادة الناتج المحلي.
من جانبه، أكد عبد السلام حسن، الباحث الاقتصادي، أن غياب الإنتاج المحلي للمواد الانشائية وعدم دعم الحكومة لمصانع الإنتاج الوطنية، فتحا المجال لتغزو المنتجات المستوردة السوق وتسيطر على تجارة المواد الإنشائية كما هو الحال في باقي القطاعات التجارية التي شهدت مستويات ركود مرتفعة.
وقال حسن، لـ"العربي الجديد"، إن هناك اعتمادا كبيرا على المواد الإنشائية المستوردة ذات الجودة الرديئة، وهذا ما تساهم به شركات المواد الإنشائية المتنفذة التي باتت تعتمد على تحقيق الأرباح دون الاهتمام بالجودة والنوعية.
وانتقد القرارات الحكومية المتمثلة بمراقبة السوق وفرض الرسوم والضرائب وجبايتها بشكل تشوبه الكثير من علامات الاستفهام وشبهات الفساد، حيث تعتبر هي الأخرى من العوامل التي أثرت بشكل كبير على مستويات الأسعار في السوق.