يعاني الميزان التجاري العراقي من اختلالات هيكلية واضحة متعلقة بحجم استيراد السلع والبضائع مع ما يصدّره منها، فيما يبقى الاعتماد على ريع النفط، الذي يشكل خطراً على حجم الناتج المحلي، لما في السوق العالمية من تقلبات للأسعار وفقاً للظروف الدولية المحيطة أمنياً وسياسياً.
وأوضح الباحث الاقتصادي، أحمد عبد الله، أن العراق ما زال رهينةً للبضائع المستوردة، فيما يبقى الميزان التجاري يعاني من الاختلال الهيكلي وضعف في الأداء العام، بسبب عدم وجود توازن في حجم صادرات السلع والبضائع قياساً بما يستورده من بقية البلدان.
وضرب عبد الله في تصريحات لـ"العربي الجديد" مثالاً على تلك الاختلالات بالأرقام الصادرة أخيراً عن غرفة تجارة الأردن التي أكدت أن العراق استحوذ على نحو 45% من صادرات المنطقة الحرة الأردنية في 2023، مشيراً إلى أن معظم البضائع التي تُستَورَد من الأردن وتصدر بموجبها إيصالات جمركية، بضائع كمالية تُستورَد لأغراض خروج العملة الصعبة من الدولار وتنامي عمليات غسل الأموال.
لكنه أكد من ناحية أخرى أهمية العامل الجغرافي في ارتفاع حصة التبادل التجاري بين البلدين، مشيراً إلى سهولة النقل البري بين البلدين، ومنتقداً في الوقت ذاته استيراد بضائع بسيطة يمكن تصنيعها محلياً، في ظل توافر المواد الأولية واليد العاملة والمكان المناسب للإنتاج.
وأشار إلى أن هناك أطرافاً متنفذة في الدولة لا تسمح بتطور القطاع الصناعي في العراق، تنفيذاً لأجنداتها الخارجية، واستمرار عمليات الاحتيال وخروج العملة بحجة استيراد البضائع من الخارج، حسب وصفه.
السوق المفتوحة
من جانبه، قال التاجر، علاء سلمان، إن السوق العراقية على الرغم من كونها سوقاً مفتوحة، إلا أنها تواجه الكثير من المشاكل المتعلقة بالتعقيدات الجمركية وصعوبة الحصول على الدولار بالسعر الرسمي.
وبيّن سلمان، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن البنك المركزي يتعامل بازدواجية في تزويد الدولار للتجار، وهناك عدد كبير منهم لا يتمكنون من الحصول عليه بالسعر الرسمي، لأنه يقتصر على فئة معينة غالبيتها مدعومة من جهات متنفذة.
وأكد أن الحكومة العراقية اليوم أمام مسؤولية كبيرة لمعالجة مشكلة تراجع حركة السوق وحالة الركود، لأن أسباب تراجع حركة السوق مرتبطة بسعر العملات وقرارات البنك المركزي العراقي.
وحول ارتفاع صادرات الأردن إلى العراق، أشار إلى أنها ناتجة من استثمارات عراقية أو بضائع قادمة من دول أخرى عبر الأردن، مشيراً إلى أنه في ظل وجود بضائع تركية وصينية وإيرانية ولبنانية لا تكون هناك منافسة للبضائع الأردنية في السوق العراقية.
وتصدّر العراق قائمة الدول المستوردة من المنطقة التجارية الحرة في الأردن عام 2023 بنحو 639 مليون دينار (نحو 900 مليون دولار تقريباً)، تلته الإمارات بنحو 194 مليون دينار، والسعودية بقيمة 98 مليون دينار ومصر بـ97 مليون دينار، ثم سويسرا بقيمة 92 مليون دينار.
من جانبه، قال رئيس اتحاد الغرف التجارية في محافظة البصرة، ماجد موزاني، إن الاتفاقية الاقتصادية الثلاثية التي وُقِّعَت بين العراق ومصر والأردن سنة 2020، وضعت عدداً من الامتيازات بالنسبة إلى المستوردين العراقيين من الأردن، من بينها تقليل مبالغ الجمارك المحصلة، وتسهيل عمليات النقل والتصدير وفتح المجال لاستيراد كميات كبيرة من البضائع بمعدل 1520 بضاعة.
وشهدت مستويات التبادل التجاري بين العراق والأردن حالة من الفتور بعد غزو الولايات المتحدة العراق سنة 2003، وإغلاق للحدود، تخللتها حالة من اختلاف الرؤى والمواقف في العديد من القضايا الداخلية والخارجية، قبل أن تعود العلاقات تدريجياً مع اتفاقية التعاون المشترك بين العراق والأردن ومصر، وإعادة افتتاح المنافذ الجوية والبرية المتمثلة بمنفذ طريبيل الحدودي.
وبيّن موزاني، لـ"العربي الجديد"، أن فتح المجال أمام هذه الكميات من البضائع سبّب حالة من التذمر لدى اتحاد الصناعات العراقي، ليدفع إلى تشكيل لجان تحقيقية حول أنواع البضائع والكميات القادمة من الأردن.
وكشف عن وجود بضائع قادمة من الصين وبلدان أخرى الى الأردن ويعاد تعليبها وتغليفها بشهادات منشأ أردنية، لتصدّر إلى العراق على أنها بضائع أردنية.
وأشار إلى أن العراق بلد مستورد، وهذه مشكلة كبيرة تواجه الاقتصاد العراقي، بسبب عدم وجود إنتاج محلي، ما يرفع من نسبة البطالة ومعدلات الفقر، مؤكداً أن أموال العراق تذهب إلى الخارج، وأن موقفهم في اتحاد الغرف التجارية ثابت من أجل دعم الصناعة العراقية وتصديرها لتجاوز الكثير من المشكلات.