استمع إلى الملخص
- موازنة 2024 تعكس الاعتماد الكبير على الإيرادات النفطية مع عجز مالي يبرز التحديات الاقتصادية ويزيد من المخاطر في ظل عدم تنوع مصادر الدخل.
- الحكومة تسعى لمعالجة العجز المالي عبر تعزيز الإيرادات غير النفطية وإدارة الموازنة بكفاءة، مع التأكيد على الإصلاح الإداري والمالي لتقليل التأثيرات السياسية وتعظيم الإيرادات.
اتخذ الإنفاق العام في العراق مساراً تصاعدياً قياساً بحجم إيرادات الدولة خلال السنوات الأخيرة، وشمل هذا الإنفاق ارتفاع موازنات المرتبات والتخصيصات المالية العامة التي تعتمد بشكل أساسي على عوائد النفط.
وهذا ما حذر منه صندوق النقد الدولي في بيانات سابقة له، إذ أكد على ضرورة خفض مستوى الاعتماد على النفط، وضمان الاستدامة المالية، مع العمل على حماية الإنفاق الاجتماعي والاستثماري وضبط الأوضاع المالية العامة وزيادة الإيرادات غير النفطية.
بلغ حجم الموازنة العامة، التي أقرت الاثنين الماضي من قبل البرلمان العراقي، 211.9 تريليون دينار (نحو 153 مليار دولار)، بينما بلغت إيرادات العراق 147.8، باعتماد كبير على الإيرادات النفطية والمعدنية التي بلغت 120.4 تريليون دينار عراقي، في حين بلغت الإيرادات غير النفطية التي تشمل الضرائب والرسوم والأرباح من القطاع العام والإيرادات التحويلية وإيرادات أخرى بحدود 27.3 تريليون دينار (الدولار = نحو 1307 دنانير).
ويرى مختصون في الشأن الاقتصادي أن ارتفاع فاتورة الإنفاق العام للدولة وزيادة نسبة العجز المالي عوامل فاقمت هشاشة الاقتصاد العراقي في ظل عدم وجود تنوع في مصادر الدخل والاعتماد على الاقتصاد أحادي الجانب.
إقرار جداول الموازنة
صوت مجلس النواب العراقي على جداول الموازنة الاتحادية العامة للدولة لعام 2024، بعد إجراء عدد من التعديلات على جداول النفقات والتخصيصات المالية لتنمية المحافظات، وزاد حجم الموازنة الجديدة 7% عن موازنة العام الماضي 2023، وبلغ إجمالي العجز العام فيها أكثر من 64 تريليون دينار (نحو 49 مليار دولار).
وقال عضو اللجنة المالية في مجلس النواب معين الكاظمي إن جداول الموازنة أرسلت رسمياً إلى وزارة العدل العراقية التي تمتلك جريدة الوقائع الرسمية، بغرض نشر القانون ليدخل حيز التنفيذ دون الحاجة لمصادقة رئاسة الجمهورية.
وأوضح الكاظمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن العجز البالغ 64 تريليون دينار يمكن أن تتم معالجته من خلال سد هذه الفجوة عن طريق إجراءات الحكومة وطبيعة سياستها الاقتصادية، وأن الحكومة افترضت وجود 20 تريليون دينار يمكن حسمها كحوالات من البنك المركزي، مع إمكانية تعزيز فرص تنمية القطاعات الاقتصادية وإيجاد منافذ جديدة للإيراد الحكومي.
أكد المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح أن متغيرات الجداول المالية ضمن الموازنة الاتحادية التي تم التصويت عليها لسنة 2024 جاءت مطابقة للثوابت
واستبعد الكاظمي وجود مشاكل يمكن أن تؤثر على توقيتات رواتب الموظفين والمتقاعدين والرعاية الاجتماعية، وشراء الحنطة (القمح) من الفلاحين، فضلا عن شراء الدواء وتأمين السلة الغذائية، وتكاليف جولات التراخيص لاستخراج النفط ومشاريع تنمية الأقاليم للمحافظات ومشاريع الوزارات الاستثمارية.
وأضاف أن تمويل المشاريع سيتم بشكل تدريجي، فيما يبقى تمويل باقي استحقاقات المشاريع على عام 2025 القادم، وأن فارق الأموال الذي سيحدث بين حجم الصرف الفعلي والمفترض للموازنة سيدفع للتقشف في بعض فقرات الموازنة التشغيلية غير الضرورية، وعدم إطلاق مشاريع جديدة والاستمرار بإكمال المشاريع المستمرة والمتلكئة بالدرجة الأولى. وبيّن أن جداول الموازنة لم تتضمن تخصيصات لسلم الرواتب، ولا يمكن تعديله حتى نهاية العام، باعتبار أن السنة المالية تنتهي بنهاية هذا العام ويجب أن يعدل على جداول الموازنة في العام المقبل 2025 إذا كانت هناك نية للتعديل.
الإنفاق العام والعجز
أكد المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح أن متغيرات الجداول المالية ضمن الموازنة الاتحادية التي تم التصويت عليها لسنة 2024 جاءت مطابقة للثوابت التي اعتمدها قانون الموازنة العامة الاتحادية (الثلاثية) رقم 13 لسنة 2023، خاصة في ما يتعلق بمحور العجز الافتراضي. وأوضح صالح في حديث صحافي، أن إجراءات الحكومة ستساهم في خفض العجز، مع العمل على تعظيم الإيرادات غير النفطية، وأن هناك اتجاهات مهمة في إدارة الموازنة العامة بجانب النفقات العامة.
وبيّن صالح أن أسعار النفط ما زالت تفوق تقديراتها في الموازنة الثلاثية البالغة 70 دولارا للبرميل وبنسبة تغيير تزيد إيجابيا على 16 بالمئة فوق السعر المعتمد، ونحن نقترب من منتصف السنة المالية مع الحفاظ على معدلات التصدير المقرة في الموازنة وإدارة الإنتاج النفطي بشكل كفوء ووفق الاتفاقات الدولية مع منظمة أوبك في موضوع السيطرة على حصص الإنتاج.
الإنفاق العام تعظيم الإيرادات
يقول الباحث الاقتصادي أحمد صباح إن حجم الإنفاق العام في العراق يفوق حجم الإيرادات العامة للدولة، وهو ما تسبب بارتفاع نسبة العجز المالي، الأمر الذي يساهم في ارتفاع مخاطر الإنفاق على السياسة الاقتصادية العراقية.
وأضاف صباح، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن فواتير الإنفاق على الرواتب والمخصصات ومنح الرعاية الاجتماعية ومخصصات التقاعد والبطاقة التموينية تشكل نسبة 50 بالمئة من حجم الإنفاق العام، فضلاً عن الإنفاق الاستثماري البالغ أكثر من 55 تريليون دينار وضعت بشكل غير مدروس، وهو ما عزز من تعظيم مخاطر الأنفاق قياساً بفائدتها الاقتصادية، وأشار إلى أن هناك مبالغ نقدية كبيرة وضعت ضمن بنود جداول الموازنة الخاصة بتنمية المحافظات، وأخرى تم وضعها على أنها مشاريع استثمارية، لكنها تثير الكثير من التساؤلات والشكوك حول إحالتها إلى جهات مستفيدة مرتبطة بأحزاب وتيارات سياسية.
وأكد صباح أن الدولة العراقية في هذه الظروف بأمس الحاجة إلى تعظيم إيراداتها المالية من خلال تفعيل منافذها الاقتصادية والدخول في سوق التجارة الدولية عبر النقل والتصدير وتعزيز دور الصناعة الوطنية. وشدد صباح على أهمية تقليل مخاطر الإنفاق العام، لأن أي انخفاض في أسعار النفط سيساهم في وقوع أزمة اقتصادية خانقة تعصف بالدولة، وخاصة أن العراق يمتلك مقومات اقتصادية كبيرة يمكن أن تعوض الاعتماد الكلي على إيرادات النفط، ولفت إلى أن أهم خطوة باتجاه تعظيم الايرادات تعتمد على الإصلاح الإداري والمالي، وإبعاد التأثيرات السياسية والحزبية عن سلطة القرار الاقتصادي.