جاء الارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار السلع والمواد الغذائية والإنشائية المستوردة في العراق، إثر سياسة حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بخفض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار، بنحو 30 بالمائة عن قيمته السابقة، بنتائج اعتبرها مراقبون إيجابية من ناحية عودة لافتة للمنتجات محلية الصنع، على الرغم من استمرار تدفق السلع المستوردة ذات الأسعار الرخيصة.
وشهدت مدن عدة في العراق أبرزها الفلوجة والنجف والمدينة الصناعية ببغداد وكربلاء وميسان والبصرة، نشاطا لمصانع منتجات غذائية محلية مع عودة مصانع التدوير والتجميع لمواد إنشائية في المناطق ذاتها.
وفي حديث مع "العربي الجديد" قال عضو مجلس اتحاد الصناعيين في العراق، عيسى كريم، إن "البضائع محلية الصنع والتي تحمل عبارة (صنع في العراق) أخذت تنتشر بكثرة في الأسواق، وخصوصاً المواد الغذائية والألبان والدجاج وبيض المائدة والصناعات البلاستيكية والإطارات والأسمدة والإسمنت وصناعات كثيرة أخرى"، موضحاً أن ما شجع الصناعيين في العراق على إعادة نشاطهم وفتح مصانعهم هو ارتفاع سعر الدولار وغلاء السلع المستوردة وإقبال الناس على شراء المنتجات المحلية".
وأضاف كريم أن "في العراق عشرات آلاف المصانع أغلبها أهملت بعد 2003، لكن خلال الفترة الماضية عاد وبشكل تدريجي عدد غير بسيط منها، واليد العاملة فيها عراقية بطبيعة الحال"، مشيراً إلى أن جميع هذه المصانع الكبيرة والصغيرة بحاجة لحماية منتجاتها من السلع المستوردة ودعم الصناعيين من خلال تقديم القروض لتطوير مصانعهم".
وأشار إلى أن الحكومة بعثت مطلع الأسبوع الحالي رسائل مطمئنة إلى الصناعيين العراقيين بعد موجة استنكار لعمليات إغراق السوق بالبضائع الرخيصة القادمة من الخارج، من أجل دعم منتجاتهم في السوق المحلية عبر فرض الضرائب على السلع المستوردة ودعم القطاع الخاص. وحسب تصريحات وزير المالية العراقي، علي علاوي، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فإن بلاده تستورد سلعاً بقيمة 60 مليار دولار سنويا.
من جهته، قال نائب رئيس لجنة العمل في البرلمان، حسين عرب، في حديث مع "العربي الجديد" إن "الحكومة تعهدت لنا بوضع خطوات سريعة لحماية المنتج المحلي من خلال تقنين الاستيراد، وفرض ضرائب كبيرة على البضائع المستوردة من أجل منافسة المنتج المحلي للمنتجات المستوردة داخل البلد، وكذلك تشجيع الصناعيين على فتح مشاريع عبر مبادرة القروض من البنك المركزي بفوائد بسيطة لإحياء القطاع من جديد".
وأضاف أن "المنتج المحلي لقي في الآونة الأخيرة اهتماما كبيرا من قبل الحكومة والجهات المعنية، مثل بيض المائدة والدجاج المحلي، وكذلك الإسمنت والمشروبات الغازية والزجاج والصناعات البلاستيكية والمنتجات الغذائية والألبان ومنتجات محلية كثيرة، فضلا عن الزراعة التي لا تقل أهمية عن القطاع الصناعي".
وأشار عرب إلى أن "إجراءات الحكومة في دعم المنتج المحلي ستحقق أهدافا كبيرة للعراق على المستوى الاقتصادي، أولها تدوير النقد الداخلي وعدم السماح بإخراج العملة الصعبة إلى خارج العراق، وكذلك توفير فرص عمل كبيرة وكذلك التخفيف من العبء الاقتصادي المتراكم على الحكومة العراقية".
بدورها، أعلنت وزارة التخطيط عن خطة تتعلق بالمواد المستوردة من التجار لحماية الصناعة الوطنية، وقال المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، في بيان صحافي إن الحكومة أطلقت توجيهات نحو حماية المنتج الوطني ودعم الصناعة الوطنية من خلال اتخاذ حزمة من الإجراءات خاصة بالفحص والمتابعة ومطابقة المواصفات، وعدم استيراد ما يؤثر على المنتج الوطني".
من جانبه، قال النائب في البرلمان العراقي، صباح العقيلي، لـ"العربي الجديد" إن الحكومة قادرة خلال فترة لا تتجاوز الأشهر الخمسة على إعادة مكانة المنتج المحلي بفرض سيطرتها على المنافذ الحدودية الرسمية وغير الرسمية وتطبيق ضرائب جمركية على السلع المستوردة وخصوصاً التي يستطيع العراق إنتاجها محليا".
وأضاف أن أمام الحكومة فرصة ذهبية للعمل على استثمار الجانب الصناعي في البلاد، حيث لا تزال أبنية المصانع موجودة ولا تحتاج إلى الكثير من التكاليف لإعادة الحياة فيها.
ورغم ذلك، يؤكد الخبير الاقتصادي، أحمد علي، لـ"العربي الجديد"، أن المشكلة تكمن في المعابر غير الرسمية مع إيران التي يجري العمل فيها تحت رعاية الجماعات المسلحة وتدخل منها كميات ضخمة من البضائع يوميا بلا جمارك ولا رسوم وتباع بأسعار رخيصة. وأضاف أن تلك البضائع تعتبر موردا مهما للمليشيات، والحكومة تتعثر في منع تدفقها للبلاد.