بدأ العد العكسي في لبنان لانتهاء ولاية حاكم البنك المركزي رياض سلامة في 31 من الشهر الحالي، وهو أحد أطول حكام المصارف المركزية عهداً في العالم، بعدما شغل منصبه منذ عام 1993، وذلك من دون أن يُحسمَ بعد مصير خلفه، في ظلّ الخلاف السياسي حول السيناريو الواجب السير به، فيما البلاد تعاني من شغور في سدّة الرئاسة الأولى ومُدارة من قبل حكومة تصريف أعمال، أي محدودة الصلاحيات.
وفيما يبقى السيناريو الأكثر ترجيحاً حتى الساعة تولي نائب سلامة الأول، وسيم منصوري منصب حاكم مصرف لبنان، لحين انتخاب رئيس جديد للبلاد وتشكيل حكومة جديدة، وتعيين حاكم أصيل، هدّد نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة وضمنهم منصوري، في بيان أمس، باتخاذ خطوات فُهم في لبنان أنها تشمل الاستقالة، وذلك حين شددوا في بيانهم "على ضرورة تعيين حاكم جديد عملاً بالمادة 18 من قانون النقد والتسليف في أقرب وقت ممكن وإلّا سنضطر إلى اتخاذ الإجراء الذي نراه مناسبًا للمصلحة العامة".
وتتزايد احتمالات تعيين سلامة مستشاراً للبنك المركزي في حال مغادرته منصبه، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول مرحلة ما بعد سلامة، والسياسة النقدية التي ستُتبع، ومصير اجراءاته الأخيرة ولا سيما بعد أزمة 2019، وفي مقدّمها منصة صيرفة، التي لم تكن تحوز على رضى كل نواب الحاكم.
في السياق، يقول كبير الاقتصاديين في مجموعة "بنك بيبلوس" نسيب غبريل، لـ"العربي الجديد"، إن سيناريوهات كثيرة خرجت إلى العلن حول من سيتولى منصب سلامة بعد انتهاء ولايته أواخر يوليو/تموز الجاري، منها تعيين حاكم أصيل يحلف اليمين أمام مجلس الوزراء مجتمعاً، ورأي آخر ظهر بتعيين حارس قضائي على مصرف لبنان، وغيرها من الآراء التي سقطت كلها خصوصاً في ظل الشغور الرئاسي، ووجود حكومة بهيئة تصريف الأعمال، غير مكتملة الصلاحيات.
من جهة ثانية، لا يرى غبريل أن المجلس المركزي سيحدث بعد انتهاء ولاية سلامة تغييرات جذرية على صعيد السياسة النقدية وذلك إلى حين إعادة تفعيل المؤسسات العامة، وإتمام الاستحقاقات الدستورية بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة وتعيين حاكم أصيل لمصرف لبنان، وإتمام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
كذلك الأمر بالنسبة إلى منصة صيرفة، يستبعد غبريل إلغاءها، لكن "قد يتم تعديل أو تغيير بعض الإجراءات فيها على صعيد سحوبات موظفي القطاع العام الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار وفقاً لأسعاره، أو على صعيد عمليات شراء الدولارات من جانب الشركات أو المواطنين"، مشيراً إلى أن "صندوق النقد الدولي لم يعترض على صيرفة بل على العكس يريدها أن تكون أكثر شفافية وأن يكون سعر المنصة هو السعر المرجعي بالسوق".
أما على صعيد سعر الصرف في السوق السوداء الذي بدأت تنتشر حوله معلومات تفيد بـ"تحليقه" بعد انتهاء ولاية سلامة، فيقول غبريل إن سعر الصرف في السوق السوداء هو غير شفاف وغير رسمي ولا يخضع لأي رقابة، بل يتحكّم به المضاربون وتجار الأزمات ومستغلّو المحطات السياسية والطلب من عبر الحدود وفاتورة الاستيراد التي بلغت 19 مليار دولار العام الماضي، فعملياً قد يكون هناك جهات تحاول استغلال هذه المحطة لتحاول المضاربة على سعر الصرف، لكن هذا يأتي من باب أقل من التكهنات عند الحديث عن مصير سعر الصرف صعوداً أو تراجعاً.
من جهتها، لا ترى المحامية في "رابطة المودعين" دينا أبو زور، لـ"العربي الجديد"، أنه سيكون هناك تغييرات كبيرة أو جذرية في سياسة مصرف لبنان بالمرحلة المقبلة خصوصاً في ظلّ عدم انتخاب رئيس جديد للبلاد وتشكيل حكومة جديدة، ما يعني استمرار واقع الحال الموجود.
وتعتبر أبو زور أن السياسة النقدية المقبلة ومصير التعاميم والإجراءات ستظهر حسب سياسة نائب الحاكم الأول في حال تسلّم موقع حاكم مصرف لبنان، والمجلس المركزي، وقد علمنا أن العمل سيكون كمجموعة تتخذ القرارات، لكن من المرتقب أن يُتبع النهج ذاته إلى حين تعيين حاكم جديد، وسيحاول النواب الأربعة الحفاظ على ما قام به سلامة، من دون المخاطرة بتفكك المصرف المركزي، لما في ذلك من فضح لباقي السياسات المالية المتبعة ومن جانب الدولة سواء قديماً والممارسات السارية ولا سيما في الفترة الأخيرة، وهو ما لن يحمله نواب الحاكم.
أما على صعيد "صيرفة"، فتقول أبو زور إنها منصة غير قانونية، ولا نعرف الإطار القانوني الذي على أساسه أنشئت، وتولى أمرها سلامة بشكل مباشر وكان بمثابة "المايسترو" لها، ومصيرها يستنتج أيضاً تبعاً لسياسة نواب الحاكم.