العدوان على غزة يغلق مسارات التطبيع بين مصر وإسرائيل... مشاكل للطاقة والسياحة والكويز
ترتسم على وجه الموقف الرسمي المصري ملامح الضيق من استمرار العدوان على غزة ومحاولات تهجير الفلسطينيين نحو سيناء، ما قد ينعكس على ملفات اقتصادية عدة جرى التقارب فيها كثيراً مع إسرائيل خلال السنوات القليلة الماضية، والتي طالما حذر اقتصاديون وسياسيون من الانغماس في التطبيع، وشددوا على ضرورة الحد من الانجراف نحو التقارب الذي ينطوي على خطط صهيونية للسيطرة على مقدرات المنطقة.
وتعرضت العلاقات الاقتصادية لضربات موجعة منذ اللحظات الأولى للعدوان على غزة. إذ توقفت حركة الطيران بين تل أبيب والقاهرة، وأصبح سفر السائحين في اتجاه واحد للخروج من سيناء (شمال شرق مصر) براً إلى إيلات، وأوقفت إسرائيل 20% من إمدادات الغاز، بينما تعطلت حركة دخول السلع والمنتجات. ويراهن الداعون إلى مقاطعة إسرائيل على إفاقة النظام في ظل المخططات الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة باتجاه مصر.
ويرى هاني الحسيني، الخبير الاقتصادي، أن "المقاطعة الاقتصادية لن تنفذ بسهولة" في ظل حرص النظام المصري على استمرار تدفق الغاز من الآبار الإسرائيلية، وارتباط صفقة الغاز باتفاقيات دولية، ترعاها الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوربي، بما يعني صعوبة أن تتجه الحكومة إلى وقف هذا المشروع.
ومع ذلك فإن الظرف السياسي أصبح مساعداً للداعمين للمقاطعة في مصر، على المطالبة بوقف كل أشكال التعاون الاقتصادي بين القاهرة وتل أبيب، في ظل استمرار العدوان الوحشي على قطاع غزة ووجود نيات عدوانية موازية تجاه مصر، تستهدف تهجير الفلسطينيين قسراً داخل الحدود المصرية، بما يمثل اعتداءً مباشراً على السيادة الوطنية، والتوجيه إلى زراعة ألغام بشرية وسياسية تمثل كارثة محلية للأبد، وفق الحسيني.
يدعو الخبير الاقتصادي المصري إلى أن توظف الدولة الاعتداء الإسرائيلي الممنهج على سيادتها، للبدء بممارسة "اقتصاد حرب" للتخلص من أي اتفاقات مع إسرائيل لا تتناسب مع ظروفنا الاقتصادية والسياسية، مع "مقاومة الضغوط التي تمارسها مؤسسات التمويل الغربية التي تدفع إلى الضغط المالي والسياسي على مصر، بخفض التصنيف الائتماني والقروض، الموظف كغطاء دبلوماسي، يدعم التغول الإسرائيلي بالحياة الاقتصادية في البلاد".
يشدد محمد سيف الدولة مؤسس حركة "ضد الصهيونية" على أن قتل إسرائيل لمئات الفلسطينيين ودفعهم عمداً إلى اقتحام الأراضي المصرية، يمثل اعتداءً صريحاً على أي اتفاقات أمنية واقتصادية بين البلدين. ودعا إلى تضامن الشعب والحكومة لإلغاء أية قيود مفروضة على مصر، متعلقة بالتعاون الاقتصادي والعسكري مع إسرائيل، ووقفها على وجه السرعة حماية للأمن القومي.
"الكويز" منفذ تجاري لإسرائيل
واستهدفت إسرائيل رفع التعاون التجاري غير النفطي مع مصر، وسط رعاية رسمية من النظام للتقارب الاقتصادي خلال السنوات الماضية، إلى 700 مليون دولار سنوياً بحلول عام 2025، بزيادة 300 مليون دولار عن عام 2022. وفي السياق ربطت الولايات المتحدة دخول الملابس الجاهزة والمنسوجات المصرية، أسواقها دون سقف وإعفاءها من الضرائب، بانضمام الشركات المصرية إلى اتفاقية "المناطق الصناعية المؤهلة" المعروفة باسم "كويز" QIZ منذ ما يقرب من عقدين.
تأتي الاتفاقية ضمن مشروع "الشرق الأوسط" الذي طرحه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شيمون بيريز، الذي استهدف دمج الاقتصاد الإسرائيلي في اقتصاديات المنطقة، وضمن المخطط الذي طرحه الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون، على الكونغرس عام 1996، تحت شعار "دعم السلام في منطقة الشرق الأوسط".
تشترط الاتفاقية الموقعة في 14 ديسمبر/كانون الأول 2004، أن تشارك المكونات الإسرائيلية في صناعات المنسوجات الموجهة لتصير ضمن الاتفاقية إلى السوق الأميركية بنحو 11.7%، قبل أن يجري الاتفاق لاحقاً على تقليل نسبة المكونات إلى 10.5% عام 2016، بعد تباطؤ الجانب المصري في المشاركة بها، لمخاوف لدى رجال الأعمال من ضغوط لجان المقاطعة الشعبية لإسرائيل، التي لاحقت السلطات قياداتها وعطلت أعمالها منذ 2014.
وتشارك 20 منطقة صناعية، تضم 700 شركة، منتشرة في مناطق صناعية عدة في"الكويز". وتتولى غرفة التجارة الأميركية والسفارة الأميركية في القاهرة، عمل مراجعة دورية كل 3 أشهر على ملفات الشركات للتأكد من التزامها الضوابط، وبخاصة دخول المكونات الإسرائيلية في منتجاتها النهائية المتجهة للأسواق الأميركية.
وتبلغ قيمة صادرات الملابس الجاهزة للسوق الأميركية بنحو ملياري دولار سنوياً، تدخل في نطاقها المنتجات المصنعة بواسطة شركات صينية وهندية وتركية أو دولية مشتركة، المنشأة في المناطق الصناعية وتتعامل مع الجانب الإسرائيلي وفقاً لضوابط "الكويز".
وخططت الحكومة منذ سنوات لزيادة الصادرات إلى السوق الأميركي، عبر هذه الاتفاقية إلى 5 مليارات دولار، وهو هدف لم يتحقق حتى الآن، في ظل معارضة عمالية وشعبية للاتفاقية التي يعتبرها اقتصاديون اختراقاً صهيونيا للصناعات المحلية، وتستهدف تقديم مواد خام رخيصة من السوق المحلية، مقابل الترويج للتكنولوجيا الإسرائيلية، ومساعدتها في التربح من صناعات تتفوق مصر في إنتاجها منذ عقود.
توقف مسارات الطيران
ويبدو أن الانسداد في التقارب الاقتصادي لن يطاول الممرات التجارية فحسب، بل مسارات السياحة والطيران أيضاً، حيث توقفت رحلات الطيران بين القاهرة وتل أبيب منذ عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وأغلقت الحركة البرية عبر منفذ طابا، في الاتجاه القادم من إيلات، بينما ظل مفتوحاً لخروج السياح السائحين المغادرين لسيناء في اتجاه الأراضي المحتلة.
كانت الحكومة الإسرائيلية قد شجعت حركة السياحة إلى مصر، بوقفها عام 2021 تحذيراً رسمياً من زيارة سيناء، أصدرته منذ عام 2008، فرفع أعداد القادمين إلى مصر براً وجواً إلى 725 ألف سائح عام 2022، بعد تراجع استمر خلال الفترة من 2011 إلى 2021.
وحققت مصر 13.6 مليار دولار عام 2022، من عوائد الأنشطة السياحية، مقارنة بنحو 10.7 مليارات دولار 2021، بينما تأمل أن تحقق نحو 14.7 مليار دولار، وارتفاعاً في تعداد السائحين من الأراضي المحتلة إلى نحو مليون زائر بنهاية العام الجاري.
تضرر صادرات الغاز
كذلك تراجعت واردات مصر من الغاز الإسرائيلي بنسبة 20%، ليصل إلى حوالى 650 مليون قدم مكعب يومياً، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، حيث أمرت سلطات الاحتلال بإغلاق حقل "تامار" الرئيسي للغاز الذي تديره شركة " شيفرون" الأميركية بمنطقة شرق البحر المتوسط، والذي يمد مصر بالغاز.
وتقود شركة "نوبل" الأميركية منذ عام 2019، تحالفاً يضم شركتي "ديليك" الإسرائيلية و"دولفينوس" المصرية لتنفيذ صفقة قيمتها 15 مليار دولار على مدار 10 سنوات، تستهدف توريد 64 مليار متر مكعب من الغاز، من حقلي "تمار" و"ليفياثان" في البحر المتوسط لشبكة الغاز المصرية التي كانت تصدر للكيان الصهيوني الغاز المصري قبل قطعه في 2012 بعد اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.
تسمح الصفقة الجديدة للجانب المصري بزيادة وارداته عند الحاجة، تستعمل في توفير الغاز للصناعات المحلية بنسبة 30% من الواردات، وتسييل الفائض في مصنعي "إدكو" و"دمياط" شماليّ مصر، وإعادة تصديره إلى أوروبا والأسواق الدولية.
وتحولت مصر من دولة مصدرة للغاز قبل عام 2012 إلى دولة مستوردة، رغم ظهور إنتاج واسع من حقل "ظهر" في السواحل المصرية بالبحر المتوسط، الذي اكتمل العمل به عام 2019. ودعا خبراء، رجال الأعمال المصريين إلى استغلال الدعوات الشعبية للمقاطعة الاقتصادية لإسرائيل والشركات الداعمة لها، في تطوير الصناعات المحلية وإيجاد علامات تجارية مصرية، قادرة على تلبية حاجة المستهلك، فضىلاً عن خلق بدائل لا تضع مصر رهن أي تداعيات سياسية.