العدوان على غزة يعمق انقسامات التجارة العالمية

30 أكتوبر 2023
الحروب التجارية والصراعات تزيد تشكيل التكتلات المنفصلة (Getty)
+ الخط -

يعمق العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة من حالة الاستقطابات الإقليمية والدولية، الأمر الذي يزيد من انقسامات التجارة العالمية ويعزز من تزايد تشكيل "التكتلات المنفصلة"، ما قد يقلل الناتج الاقتصادي العالمي.

وتأتي الحرب وتداعياتها التي قد لا تطاول علاقات الدول فحسب، وإنما أيضا الشركات العالمية، بعد تحذيرات لصندوق النقد الدولي من تأثيرات الانقسامات التي أفرزتها بالأساس الحرب الروسية في أوكرانيا، والحرب التجارية الشرسة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين.

ولا تبدو دول الخليج العربي بعيدة عن هذه الاستقطابات والانقسامات الاقتصادية العالمية. وقد تواجه تحديات ومخاطر حال حدوث عزلة بين التكتلات، ما قد يضر بمصالح دول المنطقة في حرية التجارة والتنقل والاندماج في الاقتصاد العالمي، كما قد يؤثر في قدرة الخليج على المشاركة في حل المشكلات الإقليمية والدولية، بحسب تقرير "التكامل الاقتصادي الآسيوي 2023"، الصادر عن بنك التنمية الآسيوي أخيراً.

لكن محللين يرون أن دول الخليج تسعى إلى الحفاظ على علاقات قوية مع مختلف التكتلات، سواء التي تقودها الولايات المتحدة في الغرب أو الصين الصاعدة بقوة من ناحية الشرق، ما يجعلها في موقف بالغ الحساسية بالنسبة للكثير من التوازنات القائمة على المصلحة.

ويقول الخبير المصرفي، علي أحمد درويش، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إن الصراعات الجيوسياسية تزداد حدة، خاصة بعد حرب غزة، واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية. ويوضح درويش أن الانقسام الاقتصادي العالمي إلى تكتلات، بعضها شرقية وأخرى غربية، أصبح أكثر وضوحاً بالأساس في الفترة الأخيرة، مشيرا إلى احتمال ظهور تكتلات أخرى على مستوى مناطقي أو إقليمي، ما يسفر في المحصلة عن نشوء قوى اقتصادية، تكون في بعض الأحيان متناحرة.

ويرى أن تأثير هذا الانقسام على دول الخليج يرتبط بنتائج حرب غزة ومداها الزمني، موضحا: "هنا لا بد من دمج التحليل الاقتصادي بالسياسي، أي: هل ستكون نتائج ما سيحصل في غزة باتجاه السلام أم باتجاه المزيد من الصراعات في المنطقة؟ بانتظار نتائج المرحلة القادمة حتى تتبلور نتائجها ومدى مواقف الدول العربية أو انخراطها المباشر أو غير المباشر بهذا الصراع، لأن هذا الصراع يعني كل الوطن العربي، وبالتالي فإن نتائجه ستنعكس سلباً أو إيجاباً على دول الخليج تحديداً".

بدوره، يشير الخبير الاقتصادي، حسام عايش، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن حرب غزة قد ترسخ رؤية دول الخليج بشأن موقفها من التكتلات الاقتصادية العالمية، موضحا أن الحرب كشفت أن العالم الغربي هو في جوهره استبدادي ويحمل وجهة نظر واحدة فيما يتعلق بتوصيف الصراعات التي تكون إسرائيل أحد أطرافها، ويدعي امتلاك الحقيقة المطلقة فيما يتعلق بتوصيف هذه الصراعات.

يضيف عايش: "ما يحدث في غزة هو تمرين عملي على مخاطر وضع كل البيض في سلة واحدة، وبالتالي لا بد من توزيع العلاقات الاقتصادية لتوزيع المخاطر المترتبة على العلاقات مع طرف واحد، وأيضا لتجاوز أي إمكانية للابتزاز الذي يمكن أن تتعرض له الدول الخليجية".

يلفت الخبير الاقتصادي إلى أن انقسام الاقتصاد العالمي يترسخ بالأساس منذ فترة، وهو انعكاس لتقسيم الإدارة الأميركية الحالية العالم بين عالم ديمقراطي وعالم مستبد، واعتبارها أن هناك تجارة ديمقراطية وتجارة مستبدة، وبالتالي فإن الاقتصاد وعلاقاته قد تكون ديمقراطية وقد تكون مستبدة أيضا.

وثمة محاولات لتغيير آلية التجارة الدولية، وتغيير سلاسل الإمداد واللوجستيات، بحسب عايش، مضيفا أن الأهم أن هناك محاولات للهيمنة على السلع الأولية، سواء كانت في مجال الطاقة أو في المعادن أو حتى في السلع الغذائية الأساسية، بهدف إيجاد علاقات اقتصادية، خاصة بين الدول ذات التصنيف "الديمقراطي" أميركيا.

وإزاء انقسام العالم اقتصاديا إلى قسمين، ديمقراطي واستبدادي، حسب تصنيف الولايات المتحدة، فإن الدول الخليجية ترى نفسها أقرب من حيث التفكير السياسي والعلاقات المتبادلة، إلى المعسكر الذي تقوده الصين وروسيا بطريقة لا تربط بين الاقتصاد وبين التدخل في الشؤون الداخلية للدول تحت عناوين سياسية أو حقوقية، بحسب عايش.

وفي هذا الإطار، يقرأ عايش انضمام السعودية والإمارات إلى مجموعة بريكس أخيراً، واشتراك كل منهما في مشروع الممر الاقتصادي الجديد الذي تم الإعلان عنه في الهند على هامش قمة مجموعة العشرين قبل شهر.

ويضيف أن علاقات دول الخليج أصبحت مبنية على تعظيم المنافع، وزيادة العائد وتطويره، والبناء على المشتركات مع الدول الأخرى. ويرى أن التطورات العالمية الراهنة ربما تؤدي إلى إبقاء الحاجة إلى دول الخليج قائمة من طرفي التكتلين الاقتصاديين الكبيرين (أميركا والصين).

المساهمون