بدأ الخوف من الزيادة المتوقعة في العجز وكذلك تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل يتسرب إلى سوق السندات الحكومية المحلية، فمنذ بداية العام تم تسجيل معنويات سلبية في سوق السندات، وفق موقع "كالكاليست" الإسرائيلي، وذلك على الرغم من انخفاض سعر الفائدة في بداية العام. وحتى أرقام التضخم المنخفضة التي نشرت هذا الأسبوع، والتي تشكل على ما يبدو رياحاً خلفية لاستمرار تخفيضات أسعار الفائدة، فشلت في تغيير هذا الاتجاه، وقد سجلت أسعار السندات الحكومية انخفاضاً بنسبة تصل إلى 0.7 في المائة، الأربعاء.
ومنذ بداية العام، انخفضت سندات الشيكل طويلة الأجل (10 سنوات فأكثر) بنسبة 3.47 في المائة. مؤشر آخر على الضعف في سوق السندات، بحسب الموقع الإسرائيلي، جاء من سوق الإصدار، يوم الاثنين، حين أقيم حفل جمع التبرعات الأسبوعي للسندات الذي جمعت فيه إسرائيل 3.5 مليارات شيكل.
وبحسب ناشطين في سوق السندات، فإن نتائج الإصدار جاءت فاترة مقارنة بالإصدارات السابقة (الدولار = 3.78 شيكلات). تم التعبير عن النتائج الفاترة في نسبة الطلب إلى العرض. وفي سلسلتي السندات، برزت نسبة منخفضة نسبيا 2.8-2.5، أي أن الطلب كان أعلى بـ2.5 إلى 2.8 مرة من العرض، وهكذا، على سبيل المثال، في سلسلة الشيكل لشهر فبراير/ شباط 2029، سجلت نسبة 2.53 مقارنة بنسبة الطلب إلى العرض التي تزيد عن 4 في الإصدارات المماثلة التي تم إجراؤها في الربع الأخير من عام 2023 أي خلال فترة الحرب.
قال مصدر نشط في سوق السندات لـ"كالكاليست": "عند إصدار السندات في بلد تكون فيه النسبة بين الطلب والعرض أقل من 3، تعتبر النسبة منخفضة". لكن في إصدار سلسلة السندات العائمة، سجل طلب إلى العرض نسبة أعلى من المعتاد بلغت 6.27، كما أشارت معلومات في سوق المال إلى أن سعر الإغلاق في إصدارات هذا الأسبوع كان أقل قليلاً مقارنة بإصدارات الأسبوع الماضي".
في الوقت الحالي، تم تحديد هدف العجز بنسبة 6.6 في المائة من الناتج المحلي لعام 2024، مع إيجاد مصادر في الميزانية لتمويل الزيادة المتضخمة في الإنفاق بنحو 70 مليار شيكل (19 مليار دولار)، وسط توقعات بعجز قدره 36 مليار شيكل في الإيرادات. وبحسب بنك إسرائيل، من المتوقع أن تصل تكاليف الحرب من عام 2023 حتى عام 2025 إلى 220 مليار شيكل. ولا يشمل التقدير خسارة الإيرادات نتيجة لآثار الحرب.
العجز في تزايد
والنتيجة، وفق موقع "ذا تايمز أوف إسرائيل"، هي أن إسرائيل ستعاني من ثاني أكبر عجز في العالم الغربي بعد الولايات المتحدة، وخمسة أضعاف المتوسط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وفقا للعرض الذي أعده أمام مجلس الوزراء كبير الاقتصاديين في وزارة المالية شموئيل أبرامزون. ومنذ انطلاقة عملية طوفان الأقصى ومن ثم بدء العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة، قامت وزارة المالية الإسرائيلية بزيادة حجم إصدارات السندات، مع تقدير أن العجز سيزداد، ووصلت الذروة في جمع التبرعات في كانون الثاني/ يناير، والتي من المفترض أن تصل إلى 18.7 مليار شيكل إلى حوالي 8 مليارات شيكل.
في الأشهر التي سبقت الحرب، وحتى الآن، سارت عملية جمع الأموال بسلاسة، إلى حد ما، بحسب "كالكاليست". لكن منذ بداية عام 2024، أصبحت الاتجاهات أكثر سلبية، حيث إن عوائد السندات الخارجية آخذة في الارتفاع، بينما في إسرائيل يكون الارتفاع أكثر حدة.
والنتيجة هي أن الفارق بين عوائد السندات الإسرائيلية لأجل 10 سنوات وعائدات السندات الأميركية لأجل 10 سنوات اتسع من فجوة سلبية قدرها نقطتا أساس عندما تم تخفيض أسعار الفائدة في بداية الشهر، إلى فجوة قدرها 14 نقطة أساس تقريبا، اعتباراً من يوم الأربعاء، السبب الأهم هو الارتفاع المتوقع في العجز، وفق الموقع ذاته.
وقال يانيف باجوت، نائب الرئيس الأول ومدير قسم التداول في البورصة الإسرائيلية، لـ"كالكاليست"، إن هناك تدهورا في السيناريو الأساسي للعجز هذا العام. حتى قبل ثلاثة أسابيع كانوا يتحدثون عن 5 في المائة، والآن يتحدثون عن 6.5 إلى 7 في المائة. وكل زيادة بنسبة 1 في المائة في العجز تحتاج إلى زيادة جمع السندات بمقدار 20 مليار شيكل سنويا. السؤال هو ما هي قدرة السوق على استيعاب زيادة الديون بهذا الحجم.
وبحسب باجوت، "حتى في ما يتعلق بميزانية الدفاع، يتم طرح أرقام في الهواء حول الزيادة المستمرة المتوقعة البالغة 50-60 مليار شيكل، ولكن ينبغي أن يكون مفهوما أن هذه الأرقام لها في نهاية المطاف آثار على حجم جميع السندات في سوق رأس المال، وعلى قدرة السوق على استيعاب مثل هذا الحجم من العرض". بالإضافة إلى ذلك، في مراجعة نشرت هذا الأسبوع من قبل الدائرة الاقتصادية في بنك هبوعليم، يبدو أن ما يسبب المزيد من الضعف في سوق السندات هو العائد على سندات الحكومة الإسرائيلية المتداولة في الخارج.
وقالت المراجعة "إن التوقعات بارتفاع العجز وانتشار الإصدارات في السوق المحلية تؤدي إلى عملية تمتد فيها علاوة المخاطرة، التي يتم تسعيرها بشكل رئيس في السندات المتداولة في الخارج. شرح موقع "كالكاليست" أنه إذا استمر اتجاه ارتفاع العائدات، سواء بسبب الزيادة في علاوة المخاطر لإسرائيل في أعقاب التطورات الجيوسياسية، أو بسبب صعوبة السوق المحلية في استيعاب الأحجام المتزايدة من جمع الديون، فإن ذلك سيؤدي إلى عواقب.
إذ تؤدي الزيادة في عائدات السندات إلى زيادة تكاليف تمويل ديون إسرائيل، والتي سيتعين على الجمهور تحملها في نهاية المطاف. بالإضافة إلى ذلك، فإن الزيادة في العائدات تؤدي أيضًا إلى زيادة الكلفة الإجمالية للائتمان في الاقتصاد. تعتبر عائدات السندات معيارًا في تحديد أسعار القروض والرهون العقارية، بحيث أن الزيادة في العائدات لها تأثيرات خارجة عن سوق رأس المال تؤثر على كلفة المعيشة في إسرائيل.
ارتفاع تكلفة الحرب
وقد دعم محافظ البنك المركزي الإسرائيلي أمير يارون الميزانية الجديدة التي وافقت عليها الحكومة هذا الأسبوع، مع إبقاء الدين العام عند حوالي 66 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في السنوات المقبلة، مقارنة بـ62 في المائة في عام 2023. وتم طرح ميزانية إسرائيل المعدلة لعام 2024 هذا الأسبوع بعدما شهدت في السابق مشاحنات سياسية، مع قلق المستثمرين بشأن المسار المالي للحكومة خلال الحرب.
وقال يارون في مقابلة مع تلفزيون "بلومبيرغ" خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، إن الحرب ستكلف حوالي 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي المقدر والذي يبلغ 530 مليار دولار هذا العام، في حين ستنخفض إيرادات إسرائيل بنسبة 2 في المائة. وحذر بنك إسرائيل في السابق من أن الرد المالي للحكومة على الحرب قد يثير رد فعل عنيفًا من المستثمرين، مشيراً إلى احتمال زيادة عوائد السندات وانخفاض قيمة العملة، إلى جانب التأثير على النمو الاقتصادي في المستقبل.
ويقدم البرنامج المالي الذي وافق عليه مجلس وزراء الاحتلال هذا الأسبوع مزيجًا من الإجراءات مثل زيادة الضرائب وخفض الإنفاق، بما في ذلك خفض ميزانيات الوزارات بنسبة 5 في المائة للمساعدة في التعامل مع الزيادة الحادة في الإنفاق. وخفض البنك المركزي الإسرائيلي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس إلى 4.5 في المائة في وقت سابق من هذا الشهر، بعد استقرار الأسواق بعد عدة أسابيع من التقلبات الشديدة الناجمة عن الحرب.
وقال يارون: "لقد خفضنا سعر الفائدة بعدما رأينا استقرار الأسواق وتباطؤ التضخم الذي هبط للتو إلى 3 في المائة، وهو أعلى نطاق مستهدف لدينا". وقال إن صدمة الطلب السلبية، خاصة في صناعة البناء والتشييد، كانت العامل الرئيسي المسؤول عن تحرك التضخم بشكل أسرع من المتوقع.
وشرح يارون أن اللجنة النقدية للبنك المركزي ستكون "حذرة للغاية ومعتدلة للغاية" بشأن قرارات أسعار الفائدة المستقبلية اعتمادًا على النشاط الاقتصادي وعدم اليقين بشأن الحرب ومدى تباطؤ التضخم، وتابع: "إذا تطورت الأمور، فسنحتاج إلى تعديل تقييمنا، وربما نعود إلى نمط التركيز بشكل أكبر على الاستقرار المالي".