الطبقة الوسطى تتقلص في الغرب وسط تداعيات خطرة

23 مايو 2023
الطبقة الوسطى من أهم دوافع زيادة القوة الشرائية في بريطانيا (Getty)
+ الخط -

تواجه الدول الغربية مخاطر تقلص دخول الطبقة الوسطى بسبب التضخم المرتفع وتآكل مدخراتهم وبالتالي تراجع دورهم في العملية الديمقراطية وإصلاح نظم السوق الحر والرأسمالية أمام تحالف النخب الثرية والشركات التي تستفيد من دورات " التيسير الكمي" أو ضخ النقود في أسواق المال.

في هذا الشأن، يقول البروفسور بجامعة ستانفورد الأميركية، مايكل سنايدر في دراسة، إذا كنت تريد تدمير الطبقة الوسطى، فإن إحدى الطرق التي يمكنك من خلالها تحقيق هذا الهدف هي إغراق النظام بالمال". بالطبع هذا هو بالضبط ما حدث خلال السنوات القليلة الماضية في أوروبا وأميركا. لقد ضخت البنوك المركزية تريليونات من الدولارات الجديدة في النظام المالي، وكانت النتيجة أن الأثرياء باتوا أكثر ثراء بكثير بينما تدهورت مداخيل الطبقات الوسطى بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة بشكل أسرع بكثير من الرواتب. نتيجة لذلك باتت الطبقات العمالية أكثر فقراً وتقلص حصة الطبقة الوسطى بين السكان.

وبمرور الوقت تطور الاقتصاد الرأسمالي بشكل متزايد إلى نظام تتركز فيه الثروة تقريبًا والسلطة في أيدي الشركات العملاقة المتحالفة مع نخبة الأثرياء. ويقول إن تحالف النخبة الثرية مع الساسة بات يدير الحكومات والشركات الكبرى وكل شيء تقريباً في الدول لخدمة مصالح هذه النخبة، في الوقت الذي تراجع فيه صوت الطبقة الوسطى التي كانت تمثل منصة الانتقاد والتصحيح في العملية الديمقراطية. ويطلق البروفسور سنايدر على هذا النظام "اشتراكية الشركات" الذي يوجه قدرًا هائلاً من الثروة إلى جيوب أقلية صغيرة جدًا من السكان. وبعد تطبيق سياسة " التيسير الكمي" التي ضخت أكثر من 10 تريليونات في أسواق المال الأوروبية والأميركية، تراجعت نظرية " السوق الحر" التي تقود النظام الرأسمالي.

في هذا الصدد لاحظ خبراء، أن سياسة "التيسير الكمي" التي وسعت الكتلة النقدية رفعت من معدل التضخم في الدول الغربية، وبالتالي ضغط التضخم على أجور الطبقة الوسطى وأدى إلى تآكل المدخرات وتلقائياً تقلصت الطبقة الوسطى. ولاحظ محللون أن سياسة "التيسير الكمي" التي تعني ضخ كميات من النقود من دون أن تسندها عمليات الإنتاج وصممت لمكافأة الأثرياء وأصحاب الشركات، أدت إلى دورة " الفائدة المرتفعة" الحالية التي تهدد الاقتصادات بالركود وفقدان الوظائف.

في هذا الصدد، تشير بيانات شركة " ستات تيستا" التي تعنى بشؤون المال أن مجلس الاحتياط الفيدرالي ضخ نحو 8.5 تريليونات دولار في أسواق المال بين مارس/آذار 2020 ومايو/أيار الجاري، كما ضخ بنك إنكلترا نحو 895 مليار جنيه إسترليني. والمركزي الأوروبي نحو 900 مليار يورو. وهو ما أدى إلى زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء بشكل متزايد عما كانت عليه في أي وقت مضى.

ويعترف السيناتور الأميركي، بيرني ساندرز، بالمشكلة التي تعاني منها بلاده بقوله "لدينا مشكلة كبيرة بين أيدينا اليوم، حيث يعيش نصف شعبنا من راتب إلى راتب، و500 ألف مشرد، والملايين قلقون بشأن المستقبل. كما ترتفع الديون الشخصية والديون السيادية في أميركا وأوروبا".

وتشير دراسة لمنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي إلى أن متوسط ​​الدخل ينمو بمعدل أبطأ بكثير لدى شرائح الطبقة الوسطى من ذوي الدخل المرتفع ويتواصل ذلك لأكثر من ثلاثة عقود. وفي الوقت نفسه كما يشعر الكثير من اصحاب الطبقة الوسطى وخاصة في الأسر ذات الدخل المتوسط ​​المنخفض، أنهم يساهمون أكثر بكثير في دولة الرفاهية عبر الضرائب والرسوم. كما أصبحت فرص صعود السلم الاجتماعي نادرة لأبناء الطبقة الوسطى وأطفالهم، بينما زادت المخاطر الاجتماعية.
تزامن هذا النمو البطيء في الدخل مع زيادة تكاليف نمط حياة الطبقة الوسطى. حيث ارتفعت أسعار الإسكان والصحة والتعليم بشكل أسرع من التضخم في جميع أنحاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. أدت الشيخوخة والتقنيات الطبية الجديدة إلى ارتفاع تكلفة الخدمات الصحية. دور الطبقة الوسطى:

في البلدان الرأسمالية تمثل الطبقة الوسطى ركيزة مهمة من ركائز الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، إذ تمثل الطبقة الوسطى عاملاً مهماً في اختيار النخبة السياسة وانتقاد الحكم بما لديها من وعي، كما أنها ترفع من القوة الشرائية في الاقتصادات.

ولاحظ خبراء اقتصاديون أن الدول في أوروبا التي تعرضت لبرامج تقشف قاسية تراجعت في الديمقراطية ونمت فيها الحركات المتطرفة. وضربت مثالاً بنمو الحركات المتطرفة يميناً ويساراً في كل من إيطاليا واليونان وإسبانيا والبرتغال، وهي الدول التي نفذت فيها حزم تقشف قاسية عقب أزمة اليورو وتقلصت الطبقة الوسطى. 

المساهمون